المكي للجزيرة نت: الخلافات السياسية وضعت الأزمة الوبائية بتونس في مرتبة أخيرة

يعتقد مكي أن فرض الحجر الصحي فورا هو الحل الأمثل لمواجهة انتشار كورونا السريع. إلى جانب تصعيد حملات التطعيم.

وزير الصحة التونسي السابق عبد اللطيف المكي يعزو تفجر الوباء إلى الخلافات السياسية وضعف الإجراءات الحكومية وتراجع التزام المواطنين (رويترز)

تونس- نفت وزارة الصحة التونسية انهيار المنظومة الصحية. وقالت -في بيان لها أمس الجمعة- إنها "ستبقى صامدة في وجه كل الصعوبات والطوارئ بفضل جهود مهنيّات ومهنيّي الصحة وأيضا بفضل تكاتف المجتمع وتضامنه".

ويأتي بيان الوزارة تعقيبا على تصريح سابق للمتحدثة الرسمية باسمها نصاف بن علية، وصفت فيه الوضع الصحي في البلاد بالكارثي، وبأن المنظومة الصحية انهارت وأن الأطباء يعانون إرهاقا غير مسبوق.

في هذه الأثناء، حطمت تونس رقما قياسيا جديدا بتسجيل 8 آلاف و506 إصابات جديدة و189 حالة وفاة بفيروس كورونا أمس الجمعة، وذلك في وقت تعالت فيه الأصوات الداعية إلى فرض حجر صحي شامل في البلاد.

ومن بين هؤلاء، دعا وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي الحكومة إلى اتخاذ هذه الخطوة بصورة عاجلة ودون تدرج، وحذر -في حوار خاص مع الجزيرة نت- من "مفاجآت غير سارة قد يحملها الفيروس" إذا لم تتغير السياسات المعتمدة في مكافحته. كما دعا الرؤساء الثلاثة إلى توحيد الصفوف لمجابهة هذه الأزمة.

وفيما يأتي نص الحوار:

بأية مراحل انتشار الوباء تمر تونس الآن؟ وكيف تصف الوضع الصحي في البلاد؟

نحن الآن في مرحلة التفشي الأفقي لفيروس كورونا نتيجة خسارتنا للمعركة الوقائية، وأصبح الوباء في طريق شبه مفتوح، مما أدى إلى وضع يزداد خطورة يوما بعد يوم.

كما أن الفيروس قد يخفي الكثير من المفاجآت غير السارة، طالما لم تتحرك الدولة بقوة وبسياسات بديهية ومعروفة، سترهق الاقتصاد نعم، ولكنها ستمكّن من إنقاذ الأرواح وترميم المعنويات.

كيف تنظر إلى إقرار المتحدثة باسم وزارة الصحة بانهيار المنظومة الصحية في تونس؟

تمر المستشفيات التونسية والعاملون في القطاع الصحي كذلك بوضع صعب جدا. وبرأيي فإن المتحدثة الرسمية نصاف بن علية أرادت من وراء تصريحها أن تدق ناقوس الخطر وأن تحذر من مدى خطورة الوضع.

وصحيح أن مستشفياتنا ما زالت تشتغل، ولكن في ظروف صعبة جدا. وبالتالي، فإن نفت الوزارة أم لم تنفِ صحة تصريح بن علية، فإن الوضع صعب جدا.

 

 

في يونيو/حزيران 2020 سجّلت تونس "صفر حالة إصابة بكورونا"، واليوم تحطم أرقاما قياسية في عدد الوفيات والإصابات، ما تعليقكم؟

ما يحصل اليوم للأسف هو نتيجة أخطاء ارتكبت منذ نهاية الموجة الأولى؛ بإقالة الوزراء، وإسقاط الحكومة، وبتولي حكومة جديدة مأزومة المهام، وباستهانة البعض بالفيروس واعتقادهم بعدم عودته؛ مما أدى إلى خسارتنا للمعركة الوقائية، وهو ما كان منتظرا، لأن المعروف أن الحرب التي تربحها هي التي لا تخوضها.

ولكن، ورغم خطورة الوضع اليوم، فنحن أمام احتمالين، الأول: مواجهة أخطر مما نعيشه الآن، والثاني: التدارك، لأننا ما زلنا نملك قرارنا وإرادتنا في أي طريق نريد أن نسير.

امرأة تونسية تتلقى جرعة تطعيم ضد كورونا في أحد المراكز الصحية بالعاصمة تونس (وكالة الأنباء الأوروبية)

ما أسباب هذا التصاعد الكبير في عدد وفيات وإصابات كورونا؟

هناك حالة من التوازي في الأمر، فكلما ارتفع عدد الإصابات ارتفع عدد الوفيات، وهذا الارتفاع في تونس مبالغ فيه، لأن التعهد بالمرضى لا يحدث بطريقة مبكرة جدا. ومعروف أنه كلما تأخر التكفل بالمريض -في البيت أو بالوسط الطبي- أصبحت الحالة أكثر قابلية للتعقيد وبالتالي أكثر قابلية للموت.

كما يعود هذا الارتفاع إلى تهاون نسبة من المواطنين في الذهاب إلى المستشفى أو التحليل، وإلى نقص سياسات التوعية وضعف إجراءات التباعد والوقاية.

وأعتبر مسؤولية هذا التصاعد مشتركة بين المواطنين والحكومة، فعندما يكون هناك جيش مقاتل ولا يوجد خلفه شعب يدعمه، فهذا يعني خسارة المعركة لأنها ليست معركة قطاع الصحة مع الوباء، وإنما هي معركة الشعب والمجتمع مع الفيروس.

وعندما يلتزم كل مواطن بارتداء الكمامة البسيطة، فسنتمكن من تحقيق الوقاية بنسبة 70%. ومع الالتزام بالتباعد الاجتماعي وغسل اليدين الدائم، سنرفع نسبة الوقاية إلى 90%؛ ولذلك فهي معركة الجميع بقيادة الدولة، لأن إدارة الأزمة يجب أن تكون موحدة.

هل لقرار رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ فتح الحدود، علاقة بانتشار الوباء في تونس؟

غير صحيح، وهي تحليلات غير علمية؛ لأنه من غير المعقول -بعد تسجيل تونس "صفر إصابة" طيلة أسابيع وأشهر في كثير من المحافظات وانجلاء الوباء في الإقليم والدول التي نتعامل معها- إبقاء الحدود مغلقة، والاقتصاد معطّل، وحركة التونسيين متوقفة.

ومن المعلوم أن لدينا عدة أدوات نستعملها حسب تقدير الموقف، ومن بينها أداة إغلاق الحدود، مع شبكة إجراءات تضمن اكتشاف الحالات المرضية.

وحسب تقديري، فإن فتح الحدود كان مفخرة للبلاد لأنها سيطرت على الوباء، واستطاعت السماح لمواطنيها بالعودة. بينما السبب هو التراخي في احترام البروتوكولات الصحية.

يتبادل التونسيون وحكومتهم الاتهامات، برأيكم من يتحمل اليوم مسؤولية انهيار الوضع الصحي؟

يتحمل الجميع المسؤولية، والدولة بنسبة أكبر لأنها تملك الحق في استعمال القانون معززا بالقوة في فرض الالتزام بالبروتوكولات الصحية. ونرى التزام الناس في دول أوروبية من تلقاء نفسها، فالمواطن له دور، وعلينا كتونسيين ومن "باب المحبة والصراحة" أن نعترف بمسؤوليتنا.

وفي تقديري، لو أننا راكمنا التوعية والحملات الميدانية والردع من حين لآخر، لالتزم الناس. ولكن خفتت هذه السياسات، وتصوّر البعض أن الفيروس سينكفئ وحده، ولم يتصوروا تسجيل مثل هذه الأرقام.

تهيمن الخلافات السياسية على المشهد العام. برأيكم، هل كانت السبب في فشل مقاومة الوباء؟

هي أحد أسباب الفشل. لأن انشغال الطبقة السياسية والدولة بخلافات حادة لم تشهدها تونس من قبل، وضع الأزمة الصحية في المستوى الثاني والثالث والرابع. وحتى الأزمة المالية القادمة لا يقع التركيز عليها كما ينبغي بسبب الخلافات السياسية سواء فيما يخص كيفية تسيير الأوضاع ومعالجة الملفات، أو الأطراف الذين يريدون إسقاط الوضع على رؤوس الجميع باسم المعارضة وأشياء أخرى.

 

 

تنتقد نسبة هامة من الشعب قرارات الحكومة في مكافحة الفيروس، وتصفها بالمتخبطة، كيف تقيّمون القرارات الحكومية المتخذة؟

هناك بعض التقدم والـتأخر في اتخاذ القرارات، وليس هنالك خط قتالي واضح يدفع الناس إلى الانخراط فيه. فكانت هناك محاولات للمواءمة بين الجانبين الاقتصادي والصحي ولم تنجح في كثير من الأحيان.

أعتبر القرارات الأخيرة جيدة، ولكنها متأخرة وغير كافية، ولا بد من ضخ إجراءات أخرى مثل الجيش المقاتل الذي يجب أن يكون قادرا في كل لحظة على ضخ قوى جديدة في ميدان المعركة.

هناك اتهام شعبي بفشل الحكومة في تأمين اللقاحات، ومطالبة بتدخلات خارجية لإنقاذ تونس، ما تعليقكم على هذه الدعوات؟

أحبّذ النهوض بهذه المسألة بإمكانياتنا، لأننا قادرون على ذلك. كما أن التمويل المخصص لشراء اللقاحات موجود، والدولة قادرة على توفيره؛ لكن السياسة التونسية، بصورة عامة، لم تركز في السابق على محاولة الضغط لتوفير اللقاحات.

وباستطاعتنا النهوض بالوضع بسياسات وإمكانيات وطنية جديدة. ولكن، نرحب بكل ما يقدمه الأشقاء شريطة أن يروننا معوّلين على أنفسنا.

Covid-19 measures in Sousse
تدابير أمنية لمواجهة فيروس كورونا في مدينة سوسة شرقي تونس (الأناضول)

يطالب الكثيرون بحجر صحي شامل، هل برأيكم هو الحل الأمثل؟

هو الحل الضروري لكبح سرعة انتقال الفيروس، ولكن لا بد -إلى جانبه- من اتخاذ إجراءات أخرى كعزل كل الحالات الإيجابية حتى وإن لم تكن لديها أعراض، وفتح أقصى ما يمكن من المستشفيات الميدانية، وتصعيد حملة التطعيم.

وأعتقد أن الحجر الصحي العام يفرض الآن نفسه، ويجب اتخاذه بخطوة واحدة وليس بالتدرج.

ما الحلول العاجلة برأيكم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وهل فات الأوان؟

لم يفت الأوان شريطة الشروع في سياسات تتطلب إرادة وسياسة اتصالية قوية تدفع المواطنين إلى الالتزام. وكذلك قدرة تنظيمية قوية لاكتشاف الحالات وعزلها ومعالجتها.

ولدينا الإمكانيات لذلك؛ من مبيتات جامعية ومراكز التكوين والنزل المغلقة، وبإمكاننا حصر الوباء خلال 3 أو4 أسابيع، وتغيير المؤشرات في الاتجاه الأخضر.

وفي الختام أدعو الرئاسات الثلاثة إلى توحيد الكلمة واليد لإنقاذ تونس.

المصدر : الجزيرة