بتهمة الإساءة للرئيس.. محاكمات عسكرية لمدونِين تحيي مخاوف تكميم الأفواه بتونس

Tunisia's new government swearing-in ceremony at the Carthage Palace outside the capital Tunis
الملاحقات القضائية تأتي بعد تدوينات اُعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة (رويترز)

أحيت ملاحقات متتالية لمدونِين تونسيين وإحالتهم إلى القضاء العسكري -بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية- مخاوف حقوقية من عودة سياسة تكميم الأفواه والتضييق على حرية التعبير التي تعد أهم مكسب للتونسيين بعد الثورة.

ومنذ يومين أعلنت المدونة والناشطة أمينة منصور عن استدعائها للمثول أمام القضاء العسكري، على خلفية تدوينة كتبتها على صفحتها في فيسبوك اُعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية.

 

سلاح القضاء العسكري

وأصدر قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس -في يونيو/حزيران الماضي- بطاقة إيداع بالسجن بحق المدون سليم الجبالي إثر شكاية تقدمت بها رئاسة الجمهورية، بعد نشره تدوينات اعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وندد محمد علي بوشيبة -وهو محامي المدونة وكاتب عام منظمة "مدونون بلا قيود"- في حديثه للجزيرة نت بسلسلة الملاحقات القضائية لشباب عبّر عن رأيه بشكل سلمي، وفق تقديره، محذرا من استعمال القضاء العسكري كسلاح لتصفية الأصوات المعارضة.

واعتبر بوشيبة أن إحالة مدنيين على المحاكم العسكرية بدل القضاء المدني يعد تعسفا على النص القانوني، مشيرا إلى أن القضاء المدني أنصف سابقا مدونين وصحفيين.

وشدد المحامي على أن رئاسة الجمهورية التجأت للقضاء العسكري ضد المدونين، وقدرت أن نقد الرئيس والنيل منه -باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة- يعد مسّا مباشرا وإساءة للمؤسسة العسكرية.

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي/مقر حزب حركة تونس الإرادة/
المنصف المرزوقي حذر من توريط المؤسسة العسكرية في تصفية الأصوات الناقدة للرئيس (الجزيرة)

سابقة رئاسية

وتعد إحالة مدونين إلى القضاء العسكري -على خلفية آراء وكتابات ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد- سابقة في تونس، حيث لم يحرك الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أية دعوى قضائية رغم حملات الشتم والتشويه التي طالته حتى من الإعلام التونسي.

ويتذكر التونسيون حكما قضائيا غير مسبوق محليا وعربيا، حين قضت إحدى المحاكم المدنية التونسية في 2019 بعدم سماع الدعوى لإفادة الناشط السياسي والمدون عماد دغيج، إثر قضية تقدم بها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ضده بتهمة "ارتكاب أمر موحش".

وفي تصريح خاص للجزيرة نت وصف الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي إحالة مدونين إلى القضاء العسكري بالأمر غير السليم، محذرا من توريط المؤسسة العسكرية في تصفية أي صوت معارض أو منتقد للرئيس.

 

واستغرب بالمقابل من إقدام الرئيس قيس سعيد -وهو رجل القانون والمتشبع بروح الدستور- على ارتكاب مثل أخطاء كهذه، من شأنها أن تسيء له، وفق تعبيره.

وتابع "كنت -كرجل حقوقي وديمقراطي قبل أن أكون رئيسا للجمهورية- على يقين بأن حرية الرأي والتعبير جزء لا يتجزأ من الديمقراطية، كما أن رئيس الجمهورية هو "أب الشعب" الذي يجب أن يتقبل أي رأي حتى إن كان ظالما أو مسيئا.

وأشار المرزوقي إلى أن كثيرا ممن انتقدوه وشنوا ضده حملات شيطنة وثلب وفبركة، ظنوا أن سكوته ضعف وعدم قدرة على الرد، لكن العكس كان الصحيح، مشددا على أن الشخصية الحقوقية المتشبعة بمبادئ وقيم الديمقراطية كانت الغالبة في قرارته وتصرفاته.

جدل حقوقي

وأثارت المحاكمات العسكرية ضد مدنيين موجة تعاطف حقوقية وسياسية في تونس، حيث نشرت أحزاب ومنظمات حقوقية بيانات شجب، محذرة رئاسة الجمهورية من العودة لمربع التضييق على حرية التعبير واستعمال القضاء العسكري كوسيلة للتنكيل بالمعارضين.

 

وسارعت نقابة الصحفيين في تونس لنشر بيان شديد اللهجة نددت فيه بتطويع القضاء العسكري لتتبع الأصوات المعارضة لسياسة رئاسة الجمهورية، واعتبارها خطوة لنسف مكتسبات الثورة.

وشددت على أن ذلك يعد "خطرا على حرية التعبير والحقوق المكفولة بنص الدستور والتي من المفروض أن يسهر رئيس الجمهورية المدني على حمايتها".

وأشارت النقابة بالمقابل إلى أن الثلب والشتم وهتك الأعراض لا يندرج ضمن حرية التعبير، وأن من حق الجميع التقاضي أمام القضاء المدني بدل إقحام المؤسسة العسكرية في نزاعات أطرافها مدنية.

 

وعبّرت حركة النهضة -في بيان مقتضب- عن انشغالها بتتالي إحالات المدنيين أمام القضاء العسكري، لا سيما القضايا المتصلة بالتعبير عن الرأي.

 

ونشرت مجموعة من النشطاء والنخب الفكرية تدوينات أعلنوا خلالها عن رفضهم النيل من حرية التعبير تحت أي مبرر والتنديد بتواصل ملاحقة المدونين والأصوات الناقدة لرئيس الجمهورية واستعمال القضاء العسكري بدل المدني.

من جانبه، اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي -في حديث للجزيرة نت- أن إحالة مدنيين إلى المحاكمات العسكرية بتهمة النيل من المؤسسة العسكرية أو الحط من معنويات الجيش، أمر يجيزه القانون والدستور.

ولفت إلى أن الرئيس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة مشمول بذلك باعتبار أن الإساءة له تعد إساءة للمؤسسة العسكرية وتوجب التتبع، حتى وإن كان المشتكى منه مدنيا، وفق قوله.

وأوضح الخرايفي أن مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية تنظم وتوصف جرائم كهذه، داعيا لضرورة التمييز بين حرية الرأي والتعبير، التي جاءت بها الثورة، وبين الثلب وشتم رموز الدولة والتعدي على الحرمات والأعراض.

يشار إلى أن الجزيرة نت تواصلت مع مستشاري الرئيس التونسي قيس سعيد ومديرة ديوانه نادية عكاشة لاستطلاع موقفهم من الجدل الدائر بشأن إحالة مدنيين إلى القضاء العسكري بتهمة الإساءة للرئيس، لكن الجزيرة نت لم تلق أي رد.

المصدر : الجزيرة

إعلان