لوفيغارو: بعيدا عن الطائفية.. شباب لبنانيون يؤسسون لبناء الغد

الاستماع إلى الشباب الذين يجهزون لبنان الغد، يجعل المرء يفهم أن دراما البلد لم تكن طائفية في حد ذاتها، بل إن كل المشكل يكمن في تحولها التدريجي إلى إقطاعية فاسدة ومفترسة.

epa08119952 Anti-government protesters hold placards with slogans calling to recover alleged stolen funds, during a protest marching from Dora area to downtown Beirut, Lebanon, 11 January 2020. Protesters were shouting slogans against the newly appointed Lebanese Prime Minister, and against the corruption and demand recovering the stolen money. EPA-EFE/NABIL MOUNZER
احتجاجات سابقة في لبنان ضد تردي الأوضاع (وكالة الأنباء الأوروبية)

أدت الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة بلبنان إلى التشكيك في المنظومة الطائفية التي تحكم البلد منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، وقد ظهر جيل جديد يرفض هذا النظام السياسي البالي ويعمل على تصحيح الوضع، ويقوم في سبيل ذلك بتضحيات كبيرة.

بهذا الملخص، افتتحت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية تقريرا لموفدها الخاص إلى بيروت رينو جيرار، لفت فيه النظر إلى إنشاء 7 شبان، في الأول من يونيو/حزيران 2021 حزبا سياسيا ليس أحادي الطائفة، 3 من بين مؤسسيه السبعة من الشيعة واثنان من المسيحيين وواحد درزي والآخر سني.

وقد اختار الشبان لحزبهم تسمية "منتشرين" التي تقوم -حسب موفد لوفيغارو- على تلاعب بالألفاظ، يسمح لها باتخاذ معنى "من تشرين" في إشارة إلى "ثورة" 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما نزل الشباب إلى الشوارع للاحتجاج على فرض ضريبة على اتصالات واتساب، إضافة إلى معناها اللغوي الظاهر الذي يفيد معنى الانتشار والتوسع.

لم تلبث ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول أن تحولت إلى التشكيك في المنظومة السياسية التي تحكم البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، مما أثار الخوف بين المدخرين في البنوك، وبالتالي تعثر النظام المصرفي، لينخفض سعر الليرة إلى الثمن بعد أن كانت مربوطة بالدولار ومستقرة منذ عام 1993، كما يقول الموفد.

الزبائنية والافتراس

وبعد التعرض لقمع شديد أثناء مظاهرة 8 أغسطس/آب 2020، بعد 4 أيام من الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، فهم الشباب -كما يقول موفد الصحيفة- أن الاحتجاج لن يكون كافيا لتغيير النظام السياسي المتهالك الذي يقوم على المحسوبية الطائفية، ونهب أموال الدولة من قبل مليشيات الحرب الأهلية (1975-1990) التي تتقاسم الكعكة ثم تعيد توزيعها على مجتمعاتها بشكل عادل إلى حد ما، بحيث يحصل المخلص لزعيم طائفته بالانتخابات على مكافأة ومزايا.

يقول المحامي حسين العشي (32 عاما، شيعي) الذي انتخب رئيسا لحزب "منتشرين" وهو يشرب القهوة مع الدرزي سامر مكارم الذي يملك المقهى المطل على ميناء بيروت المدمر حيث يجلسان فيه "لم نعد نريد هذا النظام الطائفي وهذه الممارسات. نحن نحترم الأديان، لكننا لا نريدها أن تحدد علاقة المواطنين بالدولة وعلاقة اللبنانيين فيما بينهم".

ويدرك العشي أن عليه الاتحاد مع العديد من الأحزاب الإصلاحية الأخرى، والدفاع عن برنامج الحالة المدنية غير الطائفي، واستقلال القضاء وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة هيكلة قطاع الطاقة، كما أن عليه -حسب موفد الصحيفة- أن يحسن هذا البرنامج الائتلافي من خلال مناقشته مع الكتلة الوطنية "بيروت مدينتي" والمرصد وحزب بولا يعقوبيان "تحالف وطني".

تزايد الجمعيات الخيرية

ويشير موفد لوفيغارو إلى أن الشباب يشعرون بالعجز في مواجهة ما وصفه البنك الدولي بأسوأ أزمة اقتصادية زمن السلم منذ عام 1850، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 44 مليار دولار إلى 33 مليارا في غضون عامين، وفشلت الطبقة السياسية في التوحد لمواجهة ذلك بسبب الخلاف على تقسيم الحقائب الوزارية، فبقيت البلاد بلا حكومة منذ أكثر من 9 أشهر.

وفي سياق هذه الأزمة، تتزايد مبادرات الجمعيات الخيرية، فعلى سبيل المثال ظهرت حركة اجتماعية وسياسية جديدة تريد المساهمة في استعادة الاقتصاد تدعى "سواء للبنان" وهي تضم كل الطيف اللبناني من مارونيين ودروز وسنة وشيعة "يرفضون نموذج الزعيم" ويريدون مساعدة المواطنين في العثور على حياة كريمة من خلال العمل، كما تقول مديرة عملياتها سينثيا وردة.

وتساءل موفد الصحيفة: إلى أين سيصل هذا الكم من المبادرات الفردية التي يقوم بها شباب لبناني يحرصون على خدمة وطنهم قبل خدمة أنفسهم؟ وهل سينجحون في تكوين جبهة إصلاحية مشتركة قادرة على الفوز بانتخابات عام 2022، وإرساء سيادة قانون فاعلة؟ لتبقى هذه الأسئلة معلقة حتى يكشف عن جوابها الزمن.

وختم موفد لوفيغارو مقاله بأن الاستماع لكل هؤلاء الشباب الذين يجهزون للبنان الغد، يجعل المرء يفهم أن دراما البلد لم تكن طائفية في حد ذاتها، بل إن كل المشكل يكمن في تحولها التدريجي إلى إقطاعية فاسدة ومفترسة.

المصدر : لوفيغارو