مع قرب الانتخابات العراقية.. المحاصصة الطائفية عادت لتطل برأسها من جديد
التحالفات الانتخابية القائمة مبنية على أساس طائفي أو قومي، فهناك تحالفات شيعية محضة وأخرى سنية، فضلا عن التحالفات الكردية، ما يجعل الشارع أمام وضع انتخابي شبيه بالسابق
يقترب موعد إجراء الانتخابات العراقية المبكرة يوما بعد يوم، إذ من المقرر عقدها في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ومع إغلاق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باب الترشيح وتسجيل الكيانات السياسية، تطل المحاصصة الطائفية مرة أخرى على غرار ما حدث في جميع الدورات الانتخابية السابقة.
المدقق في قوائم الأحزاب والكتل السياسية يكتشف أن جميع التحالفات القائمة حاليا مبنية على أساس طائفي أو قومي، فهناك تحالفات شيعية محضة وأخرى سنية، فضلا عن التحالفات الكردية، ما يجعل الشارع العراقي أمام وضع انتخابي شبيه بالانتخابات السابقة لكن بمسميات جديدة.
مشكلة أزلية
تعد مشكلة الطائفية في العراق من سمات العملية السياسية العراقية بعد الغزو الأميركي عام 2003، وعلى الرغم من أن كثيرا من الأحزاب والشخصيات السياسية كانت قد انتقدت على مدى السنوات الماضية الطائفية السياسية وتعهدت بتشكيل كتل سياسية عابرة لها، فإن الواقع يشي بخلاف ذلك.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأحزاب منبثقة عن الحراك العراقي تسعى لخوض تجربة الانتخابات البرلمانية المقبلة
لماذا لا ينوي الكاظمي الترشح للانتخابات؟ 3 تفسيرات توضح حقيقة هذا القرار
ظروف قاهرة أم سلب حق.. جدل عراقي واسع بشأن إلغاء انتخابات الخارج
يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن السبب الرئيسي لهذه الحالة، يرجع لعدم امتلاك القوى السياسية التقليدية ما يمكّنها من إقناع الجمهور العراقي بعد ما وصفه بـ(الفشل السياسي) في جميع الدورات البرلمانية والحكومات السابقة.
ويعتقد الشمري في حديثه للجزيرة نت أن العودة للتموضع الطائفي الحزبي يأتي محاولة لجذب الناخبين واستحصال تعاطفهم لأجل الوصول للبرلمان مرة أخرى، مشيرا إلى أن ما وصفه بـ(الفوبيا الطائفية القومية) تعد أولوية في الحملات الانتخابية لهذه القوى دون استثناء أي منها، بحسبه.
أما الناشط السياسي هاشم الجبوري وأحد أبرز المشاركين في الحراك الشعبي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فيرى في حديثه للجزيرة نت أن العراق بعد عام 2003 يعاني من عدم امتلاكه طبقة سياسية ذات إمكانيات سياسية تمكنها من استمالة الجمهور من خلال مشاريع سياسية واقتصادية حقيقية دون اللجوء للتخندق الطائفي القومي.
ويتابع الجبوري أن الولايات المتحدة أسست عرف المحاصصة بعد الغزو، وبالتالي فإن عدم وجود كفاءات سياسية وطنية أدى لظهور طبقة سياسية تختلق الأزمات في كل دورة انتخابية من أجل استمالة الجمهور عبر تخويفهم من القوميات والطوائف الأخرى، بحسبه.
مسارات التحالف
وفي الوقت الذي يرفض رئيس قسم الشرق الأوسط في مؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث منقذ داغر تسمية الوضع الانتخابي الحالي بالتخندقات الطائفية السياسية، فإنه يشير إلى أن خارطة التحالفات السياسية كانت دائما ما ترسم على أساس "فكري إسلاموي أو معتدل"، بحسب تعبيره.
ويعلق داغر في حديثه للجزيرة نت بأن الأحزاب الإسلامية في البلاد لم تخرج من الفكر الطائفي بتاتا، مشيرا إلى أن هذه الأحزاب لا يمكن أن تتحالف مع تيارات فكرية أخرى خاصة في الجانب الشيعي من هذه الأحزاب، بحسبه.
ويستدل داغر على تفسيره هذا، بأن التحالفات الحالية رسمت 3 مسارات، أولها الأحزاب الإسلامية والثانية المعتدلة والأخرى أحزاب "مظاهرات تشرين"، لافتا إلى أن الخطاب الطائفي بات واضحا من خلال خطاب الأحزاب الإسلامية التي ترى أنها فقدت حاضنتها الانتخابية ولا يمكنها العمل السياسي دون افتعال المشكلات الطائفية، بحسبه.
آراء الكتل السياسية
من جهته، يرى النائب عن كتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري صباح طلوبي أن التخندقات الطائفية في التحالفات السياسية الحالية ماضية على ما كانت عليه في الدورات الانتخابية السابقة، إلا أنها قد تشهد مزيدا من التخندق إثر التحالفات التي ستعقب ظهور نتائج الانتخابات.
ويعلل طلوبي هذه التخندقات بأن الكثير من الأحزاب والكتل السياسية تعلق وجودها على استمرار المشكلات الداخلية، موضحا في حديثه للجزيرة نت أن هذه الكتل لا تملك برامج سياسية ناجعة يمكن أن تنتشل البلاد من أزماتها، خاصة أن الفساد المالي والإداري بات مترسخا في الدولة مع صعوبة كبيرة في العمل السياسي الحقيقي، بحسب تعبيره.
أما النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، فيرى هو الآخر أن التحالفات السياسية في البلاد ماضية على النهج ذاته في التخندق الطائفي القومي خاصة بعد أن فقدت الكثير من الأحزاب الإسلامية حواضنها الانتخابية، لافتا إلى أن العملية السياسية بعد 2003 قسمت العمل السياسي بين المكونات الرئيسية الثلاثة، السنة والشيعة والأكراد.
ويعتقد الدوبرداني في حديثه للجزيرة نت أن 18 عاما في البلاد لم تؤدِّ إلى تفتيت التحالفات الطائفية، بل تمخضت عنها حاليا تحالفات عديدة داخل المكونات الرئيسية للبلاد، فالتحالف الشيعي له عدة قوائم وكذلك السني والكردي، وكل هذه تحمل طابعا قوميا ومذهبيا وتعتمد على النفَس الطائفي القومي في جذب الجمهور.
وتتفق مع هذا الطرح النائبة عن محافظة نينوى بسمة بسيم، إذ ترى أن التخندق الطائفي والقومي تعمق كثيرا من خلال اعتماد الدوائر المتعددة ضمن المحافظة الواحدة، وبالتالي فالتنافس بات بينيا أكثر بين المكونات المذهبية والقومية وفي داخل المكونات ذاتها.
وتضيف بسمة للجزيرة نت أن بعض الشخصيات السياسية من المكون السنّي كانت قد خرجت من هذه التخندقات وانضوت وتحالفت مع كتل كردية وشيعية خلال السنوات السابقة، إلا أنها فوجئت بأن محاولة الخروج من هذا التخندق صعب للغاية في ظل المعطيات السياسية القائمة دون أن تجرؤ المكونات الأخرى على الخروج من هذا التخندق.
ويعلق الباحث في الشأن السياسي العراقي زياد السنجري أن جميع الكتل والأحزاب تنبذ الطائفية في العراق إلا في فترة الانتخابات، حيث إن غالبية الأحزاب ومن جميع المكونات لا تستطيع تقديم ما يطمح إليه العراقيون.
السنجري وفي حديثه للجزيرة نت يؤكد أن الطائفية والقومية متكرسة بقوة، مستدلا بأنه ومنذ عام 2003 يحظى الشيعة بمنصب رئيس الوزراء، بينما السنة لهم رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية.
أحزاب تشرين
وعن "حراك تشرين" الشعبي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين 2019، يرى السنجري أن هذا الحراك كان مميزا من خلال تغييره للمسار الشعبي، إلا أن الأحزاب السياسية عمدت إلى استقطاب بعض قياداته من أجل دعم حظوظها السياسية، ما أدى لانسحاب كثير من قيادات المتظاهرين من الانتخابات المقبلة بعد إدراكهم أن المشاركة فيها ستفقدهم الأهداف التي خرجوا من أجلها. وبالعودة إلى الناشط هاشم الجبوري فيؤكد هو الآخر أن الأحزاب المدنية التي تشكلت بعد مظاهرات 2019 لا يمكن لها أن تمثل ما سمّاه بـ"مظاهرات تشرين الشعبية"، كاشفا عن أن عددا من الوجوه السياسية الجديدة تحالفت مع الأحزاب التقليدية وبالتالي انضوت في فكرها.
ولا يعتقد الجبوري أن تشهد الانتخابات المقبلة تغييرا في السياسات العامة في البلاد، خاصة أن الحكومة العراقية أخفقت في مسيرة الإصلاحات التي طالب بها المتظاهرون، ومنها إقرار قانون الأحزاب وضبط السلاح المنفلت.
وبالعودة إلى داغر، فإنه يرى أن الهجمة المضادة على تظاهرات تشرين أدت لتشتيتها سياسيا، وبالتالي قد لا تستطيع الحصول على أكثر من 5 مقاعد برلمانية.
أما إحسان الشمري، فيرى أنه لا يمكن اختصار حراك تشرين بالأحزاب الناشئة أو الشخصيات المتحالفة مع الأحزاب التقليدية، وأن كثيرا من قيادات الحراك الاحتجاجي لم ينخرطوا في الانتخابات.
ويتابع في حديثه للجزيرة نت أن الأحزاب التقليدية نجحت في اختراق الحراك الشعبي، فضلا عن تأسيسها لأحزاب وصفها بـ"أحزاب الظل" تحت أسماء قريبة من شعارات تشرين، في محاولة لإرباك داعمي تشرين وخداع الجمهور العراقي.