أشهر معارك العراقيين في فلسطين.. تعرف على القصة الكاملة لمعركة جنين
معركة جنين التي اندلعت في 31 مايو/أيار 1948 تعدّ رمزا لبطولة الجيش العراقي واستبساله جنبا إلى جنب مع المتطوعين الفلسطينيين.
خاض الجيش العراقي في مثل هذه الأيام قبل 7 عقود معارك شرسة للدفاع عن فلسطين ومنع تهجير أهلها، وتعدّ معركة جنين التي اندلعت في 31 مايو/أيار 1948 رمزا لبطولة الجيش العراقي واستبساله جنبا إلى جنب مع المتطوعين الفلسطينيين، كما يرى المؤرخون والباحثون.
التحرك العراقي
كانت قضية فلسطين قضية مركزية للشعوب العربية، خصوصا بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين وهيمنة الصهاينة، وهذه مقدمة لتجمع الجيوش العربية ومنها الجيش العراقي للإسهام في حرب 1948، حسب الخبير العسكري عبد الخالق الشاهر.
ويبيّن للجزيرة نت أن الفوج الذي حرر مدينة جنين التحق بباقي قطاعات الجيش العراقي متأخرا، حيث تحرك في شمال العراق من مدينة عقرة إلى كركوك ثم محطة قطار الموصل، وذلك يوم 26 مايو/أيار 1948، وتمكنوا من قطع الطريق إلى فلسطين على 4 مراحل وفي يوم واحد، فسبب ذلك إرهاقا شديدا للقطعات.
ويشير الشاهر إلى أن الجيوش العربية التي وصلت بعد أن تكامل جحفل اللواء الخامس العراقي كانت لا تتعدى 20-25 ألف جندي، يقابلهم 100 ألف من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي ذكرى حرب أكتوبر.. هذا ما فعله سلاح الجو العراقي ضد الأهداف الإسرائيلية على الجبهة المصرية
شاهد.. كيف انتفض عراقيون لأجل الأقصى؟
قوى عراقية تعتبر التطبيع الإماراتي الإسرائيلي خيانة لفلسطين
ويضيف "في الميزان العسكري، إذ إن جيش الاحتلال هو بوضع المدافع ويمتلك 100 ألف جندي، فذلك يتطلب أن يُهاجم بـ300 ألف جندي على الأقل، وليس بـ20 ألفا لأن المهاجم يجب أن يكون 3 أضعاف المدافع".
ويعرب عن اعتقاده أن الجيش العراقي كان أفضل من باقي القطعات من ناحية الجدّية في تنفيذ الخطة العامة، إذ استطاعت القوة الآلية العراقية بقيادة العميد طاهر الزبيدي عبور نهر الأردن وهاجمت قلعة كيشر، رغم عدم تمكنها من اقتحامها، ودفعوا فوجا آخر من لواء المشاة 15 نحو مرتفعات تطلّ على كوكب الهوى المحتلة تمهيدا لاستردادها.
قلعة كيشر
ويقول الدكتور جبار الشمري، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر في الجامعة المستنصرية ببغداد، إن الحركة الفعلية لقوات الجيش العراقي بدأت يوم 15 مايو/أيار 1948، عندما عبرت نهر الأردن، وهاجمت قلعة كيشر الحصينة التي بناها البريطانيون في أثناء الحرب العالمية الثانية ضمن ما يعرف آنذاك بخط "إيدن" الدفاعي.
ويروي للجزيرة نت كيف تمكنت القوات العراقية من الوصول إلى أسوار القلعة ونسف بوابتها لكنها لم تدخل القلعة، وبقيت مرابطة حول أسوارها، إذ جاءت الأوامر من القيادة الميدانية بترك القلعة والتحرك نحو نابلس وقرية الجفتلك للسيطرة عليهما.
معركة جنين
وكان الفوج الآلي العراقي بقيادة المقدم نوح الجلبي هو أول قوة تصل إلى جنين (شمالي الضفة الغربية) -حسب الشمري- وذلك يوم 28 مايو/أيار 1948، وبدأت بتنظيم خطوط الدفاع عن جنين وبالتعاون مع المتطوعين الفلسطينيين.
ويضيف أن الصهاينة في هذه الأثناء هاجموا القوات العراقية وكانوا أكثر عدة وعتادا، فاضطر المقدم نوح إلى التراجع إلى قلعة المدينة، وهي مخفر للشرطة، وحوصرت القوات العراقية داخل هذه القلعة وطلبوا التعزيزات بعد أن أوشكت ذخيرتهم على النفاد.
ويلفت إلى أن وضع القوات العراقية بات حرجا في تلك المنطقة حتى يوم 3 يونيو/حزيران إذ كان لواء المشاة الرابع بقيادة العقيد الركن صالح زكي يتكامل وصوله إلى نابلس، وكانت أول القطعات الواصلة إلى نابلس الفوج الثاني لواء المشاة الخامس الذي كان تحت إمرة المقدم الركن عمر علي، واستطاع هذا الضابط العراقي البطل أن يقود معركة جنين بقوات عراقية ومتطوعين فلسطينيين.
ويشيد الشمري بالخطة التي اعتمدها المقدم الركن عمر علي عندما تحرك نحو جنين وتمكن من فك الحصار عن القوات العراقية الموجودة هناك، فسلك المرتفعات المشرفة على جنين وتمكن من الالتفاف على العدو وضربه من الخلف، وكان لهذه المناورة الأثر الكبير في إرباك الصهاينة.
ويسترسل بالقول "في اليوم نفسه وصل الفوج الأول من لواء المشاة الرابع إلى جنين قادما من نابلس لإدامة زخم المعركة، ودارت اشتباكات عنيفة ذلك اليوم أدّت إلى انسحاب الصهاينة إلى المرتفعات، واستمر الجيش العراقي بالتقدم فجر يوم 4 يونيو/حزيران وألحقوا خسائر كبيرة بالصهاينة، اضطرتهم إلى الانسحاب مخلفين وراءهم عددا كبيرا من القتلى وكمية من الأسلحة، وفُكّ الحصار عن قوات الجيش العراقي في مخفر جنين".
ويتحدث أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عن غنائم الجيش العراقي في تلك المعركة، وهي 300 بندقية من طرازات مختلفة، و10 مدافع هاون، و20 رشاشا، و4 أجهزة لاسلكية، وكانت خسائر العدو في تلك المعركة نحو 300 قتيل وجريح، وخسائر القوات العراقية والفلسطينية نحو 100 قتيل وجريح، واحتضنت جنين قبور الجنود العراقيين في مقبرة خاصة.
ويرى الشمري أنه لولا بسالة الجيش العراقي والمتطوعين الفلسطينيين في هذه المعركة لكان جزء كبير من القرى في منطقة جنين في عداد القرى المهجرة وربما مدينة جنين نفسها.
غياب التعاون
ويعزو بعض الخبراء سبب عدم تعاون الجيوش العربية مع الجيش العراقي إلى أنه نابع من أن تلك الدول لم تكن مكترثة بالقضية الفلسطينية، لكونها محتلة أو فاقدة قرارها السيادي آنذاك، حسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد عدنان الميالي.
ويبيّن للجزيرة نت أن ضعف التنسيق والتواصل وعدم وحدة المشتركات والأهداف والرؤى كلها عوامل أدّت إلى ذلك، حتى إن الجيش السوري والأردني رغم وجودهما في الأراضي المحتلة فإنهما لم يندفعا صوب جنين، ولم يكن هنالك قرار عربي بذلك.
ويضيف الميالي أن الجيش العراقي حينئذ لم يحظ بدعم عربي، بل حتى الحكومة العراقية نفسها لم تدعم جيشها دعما كافيا، بسبب وجود بريطانيا وتأثيراتها في العراق، رغم إيمان الوصي عبد الإله بالقضية الفلسطينية.
بدوره أبدى الشمري أسفه لامتناع أغلب الجيوش العربية عن تنفيذ أوامر القيادة العامة للجيش العربي، وإثر ذلك أعفى اللواء الركن العراقي نور الدين محمود نفسه من هذه القيادة يوم 8 يونيو/حزيران، وعدّ نفسه رئيسا لهيئة الأركان العراقية فقط.
هدنة وانسحاب
وبعد معارك استمرت 10 أيام، على طول جبهات فلسطين من الشمال إلى الجنوب، قرر مجلس الأمن الدولي فرض هدنة دخلت حيّز التنفيذ في يوم 18 يوليو/تموز 1948، حيث وافقت معظم الحكومات العربية على قرار الهدنة، إلا أن الشعوب العربية رفضتها وخرجت بمظاهرات كبيرة في دمشق وبغداد وبيروت والقاهرة وعمّان، حسب الباحث السياسي يحيى حمودات.
ويضيف للجزيرة نت أن الهدنة الثانية كانت بمنزلة طوق نجاة للصهاينة لا لتحميهم من خسارة الحرب فقط، بل لأنهم استغلوها بطريقة مثلى، فأعادوا ترتيب قواتهم وتجديد خططهم على عكس العرب الذين لم يستفيدوا من الهدنتين.
ويؤكد حمودات أن القوات الإسرائيلية تحايلت على قرار مجلس الأمن واستطاعت احتلال عشرات القرى من دون أي تحرك من الدول العربية.
ويعزو تلك الخسارة إلى غياب التنسيق العربي وعدم التزام قرارات القيادة الموحدة، ثم بدأت الخلافات السياسية بين الأنظمة العربية التي تحولت في ما بعد إلى خصومات حادّة تلقي بظلالها على المعركة.
رعب إستراتيجي
من جانبه يقول الدكتور عبد العزيز عليوي أستاذ العلوم السياسية إن مشاركة العراق لم تقتصر على جنين، بل كانت له مشاركات لاحقة على الجبهتين المصرية والسورية، ما يبرز الحس العروبي العالي لدى العراقيين، الذي أصبح بمرور الوقت جزءا لا يتجزأ من العقيدة العسكرية التي كانت الدافع الأكبر للذهاب إلى جنين.
وفي حديثه للجزيرة نت رأى عليوي المواجهات بين القوات العراقية وجيش الاحتلال في أكثر من منطقة بمنزلة صدمة لإسرائيل التي واجهت "رعبا إستراتيجيا" لم يكن في حساباتها، بعد أن عجز القصف الجوي والكمائن والاشتباكات عن وقف إمداد الجيش العراقي الذي لم يتوقف حتى في وقت الهدنة.