ميديا بارت: اليمين المتطرف والجهاديون نقيضان متفقان في كل شيء

الإرهابيون والجهاديون من اليمين المتطرف يشتركون في نفس قائمة كراهية الجمهورية واليهود والمثليين.. إلخ.

حصاد العام.. اليمين المتطرف في أوروبا
اليمين المتطرف ظاهرة تقلق أوروبا (الجزيرة)

قال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف في باريس قام بإجراء مقارنات بين نشطاء اليمين المتطرف وبين "الجهاديين" فوجد أن التقارب بينهما شديد، وأن كل شيء يجمع بينهما رغم التناقض التام بينهما والعداء المتبادل.

وفي تحقيق للموقع قال المحرران ماثيو سوك ومارين تورشي إنهما بنيا مقارنتهما على ما وجداه في الاستنتاج "المذهل" لتقرير المدعي العام -الذي نشر سرا في مايو/أيار الحالي وكشف عنه ميديا بارت قبل أسبوع- حيث سرد أوجه التقارب العديدة التي يمكن التقاطها من الملفات "الإرهابية" بين نشطاء اليمين المتطرف والجهاديين، وأنهما حاولا إثراءه باستطلاعاتهما الخاصة في كلا المجالين.

ويؤكد استنتاج التقرير -الذي نشر تحت عنوان "اليمين المتطرف والجهادية: مرآة العنف"- على استخدام الطرفين نفس المفردات، مشيرا إلى تبني مجموعات من اليمين المتطرف الأميركي، السنوات الأخيرة، تعبير "الجهاد الأبيض" كما كشف ميديا بارت عام 2019 عن موقع يميني متطرف اسمه "الخلافة الأوروبية" (EuroCalifat) يعلن رغبته في تنفيذ هجمات تستهدف الجالية المسلمة.

وإلى جانب ذلك، قالت نعيمة رودلوف، المستشارة العامة ورئيسة القسم المكلف بمكافحة الإرهاب في محكمة استئناف باريس -في مقابلة مع صحيفة لاكروا (La Croix)- إن كلا الطرفين يسعى "لفرض مشروع مجتمع من خلال العنف، حيث يرى الجهاديون ونشطاء اليمين المتطرف أن المجتمع منحرف، ويدعوان إلى العنف علاجا لذلك، بفرض سيادة ما، يراها أحدهما في العرق الأبيض والآخر في المشروع الإسلامي، وكل ذلك يغذيه السعي وراء النقاء".

الدفاع عن النفس

ونقل ميديا بارت عن تقرير مكتب المدعي العام إشارته إلى أن نشطاء اليمين المتطرف، كالجهاديين، ينظّرون للعنف كوسيلة للدفاع "نحن نتعرض للهجوم (أو سنتعرض له) لذلك يجب علينا الدفاع عن أنفسنا أو أن الاستعداد لذلك" مستنتجا أن وضع "الدفاع عن النفس" هذا يبررون به استخدام القوة، وضرب لذلك مثالا بأحمدي كوليبالي الذي يقول إنه برر جرائمه بأنه هو ومجموعته مستمرون في محاربة الكفار، لقتل "جميع الصليبيين وكل اليهود وجميع الكفار، ما دامت فرنسا تضطهد إخوانه وتكشف ستر أخواته".

وحسب التقرير، يتركز عداء بعض الجهاديين حول "الصليبيين" وبعضهم الآخر يتخيل "فرسان المعبد" أعداء له، أما الجماعات اليمينية المتطرفة فتعبر في خطابها التآمري عن رؤية تراجعية للتاريخ، حيث تبدو الإمبراطورية الرومانية المقدسة وكأنها العصر الذهبي الضائع، وبالتالي نجد في كلتا الحالتين، نفس الإشارة إلى العصور الوسطى، وكأننا "أمام الجنود المسيحيين في العصور الوسطى يقاتلون الغزاة الإسلاميين".

ويقول الموقع الفرنسي إنه -ومع أن التيارين متعارضان- فإن لديهما عدوا مشتركا، هو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حتى إن قلة قليلة من أقصى اليمين تفكر في معركة مشتركة يقومان بها، وقد تصور النرويجي أندرس بريفيك -الذي قتل 77 شخصًا في 22 يوليو/تموز 2011- تحالفًا مع جهاديي القاعدة أو حركة الشباب الصومالية لاستخدام "أسلحة نووية أو إشعاعية أو بيولوجية أو كيميائية صغيرة في العواصم الغربية".

ومن المشترك الذي وجده التقرير أن كلا الطرفين يرى جنته بدولة في حالة حرب، مثل سوريا بالنسبة للجهاديين، وأوكرانيا بالنسبة لليمين المتطرف، حيث وجد في قضية تتعلق "بجمعية إرهابية" لعام 2019 أن أوكرانيا يشار إليها باسم "الوطن".

وأشار التقرير إلى أن "الإرهابيين" والجهاديين من اليمين المتطرف "يشتركون في نفس قائمة الكراهية، كراهية الجمهورية واليهود والمثليين والنساء".

نفس الينابيع

ومع أن الوسائل تختلف -كما يقول الكاتبان- فإن الدعاية الخاصة بكل منها تعمل على نفس الينابيع، وهما يتكيفان، رغم الإطار المرجعي الماضوي، مع الإمكانيات التي توفرها الحداثة، ومثالا على ذلك قام تنظيم الدولة الإسلامية بجذب الشباب عن طريق الشبكات الاجتماعية، كما استثمر اليمين المتطرف في منتديات الألعاب وقواعد ثقافة المهووسين باعتبارها "أماكن للتجنيد وإنشاء ثقافة مضادة".

وفي أحدث القضايا المعروضة على مكتب المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب، لاحظ القضاة نمطا متطابقا، حيث يلتقي القُصّر مع نشطاء اليمين المتطرف في مجموعات مناقشة افتراضية قبل التواصل عبر التطبيقات التي يستخدمها اللاعبون والتطبيقات المشفرة، حيث حددت 3 معايير التسلسل الهرمي داخل المجموعة الافتراضية التي أعدت أعمال عنف، فكان منشئ مجموعة المناقشة ومديرها هو القائد، والشخص الذي يحمل الأسلحة هو الثاني، وأخيرا أولئك الذين لديهم التكوين الأيديولوجي الأكثر صلابة في الصدارة.

وقبل شهرين، عبر مراقب إنترنت، يتتبع الجهاديين لمصلحة الموقع الفرنسي، عن قلقه بشأن ظاهرة التوسع التي كان يراها بشأن نشطاء اليمين المتطرف "إنهم ينمون بسرعة كبيرة ويقومون ببناء أيديولوجية منظمة للغاية، ويتواصلون مع ما وراء الحدود، وبالتالي فإن اليمين المتطرف، مثل الخلافة الإلكترونية التي عرفناها، يتطور إلى كيان افتراضي دولي، نوع من الرايخ الإلكتروني.

أما خارج الإنترنت، فيؤكد مكتب المدعي العام أن نشطاء اليمين المتطرف "مثل الجهاديين" يقومون بالتجنيد في مجالين متميزين: الصالات الرياضية والأسرة، حيث تمثل قاعات الرياضة ونوادي الرماية وغيرها من الأماكن التي تُمارس فيها فنون الدفاع عن النفس "أماكن التنشئة الاجتماعية السياسية والتجنيد للجماعات الأكثر تطرفا" كما أن التنشئة الاجتماعية الأسرية أمر حاسم في الانخراط العنيف.

تراث أسري

ويورد الموقع أن القضاة يستشهدون بمتهم يبلغ من العمر 20 عاما، قال إنه ينتمي إلى عائلة يمينية متطرفة واستضاف، خلال فترة مراهقته، مدونة للنازيين الجدد، كما يستشهد بالأخوين كواشي والإخوة كلاين والأخوين عبد السلام، إضافة إلى العديد من الأمثلة على وقوع الأشقاء في مشاريع إجرامية، كما يقول التقرير.

وينقل ميديا بارت عن دراسة مكرسة لإرهاب اليمين المتطرف في ألمانيا، نشرها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تأكيد الباحثة نيلي كاتارينا ويسمان على أهمية تراث الأسرة، وترى أن "هناك المزيد من الذئاب المنفردة بين إرهابيي اليمين المتطرف الألماني، كما هي الحال في الإرهاب الجهادي".

وفيما يتعلق بنظرية الذئب المنفرد، تصر النيابة العامة الفرنسية في تقريرها على أنه "كما في الظاهرة الجهادية هؤلاء الأفراد لم يكونوا وحدهم قبل لحظة ارتكاب العمل العنيف، بل كانوا يترددون على بيئة ناشطة ولو افتراضية".

وخلص الكاتبان إلى أن اليمين المتطرف، وإن اكتفى بأهدافه التقليدية من يهود ومسلمين وماسونيين وممثلي الدولة، فإن طريقة عمله المتوخاة آخذة في التطور، حيث استورد من الولايات المتحدة طريقة إطلاق النار على الحشد بسلاح آلي أثناء القيادة بمركبة مسروقة، وكذلك استخدام المتفجرات والتسميم والهجوم بالسكاكين، وحتى قطع الحلقوم، وهو ما يستخلصه مكتب المدعي العام بأنه من تأثير النموذج الجهادي.

المصدر : ميديابارت