وسط دعوات للحماية.. الصحافة هي التُهمة في فلسطين
رغم انشغالها بدور كطبيبة ورعاية أطفالها الخمسة، فإن الفلسطينية ميمونة الريماوي تتابع على مدار الساعة أي أخبار قد تصلها عن الحالة الصحية لزوجها الصحفي الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي علاء الريماوي، الذي يخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ اعتقاله يوم 21 أبريل/نيسان الماضي.
في الأسبوع الأخير لم يصل عائلة الريماوي أي معلومات عن وضعه الصحي، وقالت زوجته للجزيرة نت إنه أُحضر إلى المحكمة الإسرائيلية الأربعاء (28 أبريل/نيسان الماضي) في حالة إعياء شديد، وأبلغ محاميه أنه يعاني من الصداع والدّوار المستمر وأنه يتقيأ دما.
واعتقل الريماوي، الذي يعمل مديرا لوكالة "جي ميديا الإعلامية" ومراسلا لقناة الجزيرة مباشر، بعد اقتحام قوة كبيرة من جيش الاحتلال منزله في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية.
والريماوي (43 عاما) هو أب لخمسة أطفال وسبق أن قضى نحو 11 عاما في اعتقالات متعددة بسجون الاحتلال، آخرها عام 2018 ولمدة شهر ونصف الشهر عندما قررت سلطات الاحتلال إغلاق قناة القدس الفضائية، التي شغل منصب مدير مكتبها في الضفة الغربية، واعتقال مراسليها ومصادرة أجهزتها، مع قنوات وشركات إعلامية أخرى.
هذه المرة يمثّل الريماوي حالة صارخة في اعتقال إسرائيل للصحفيين الفلسطينيين على خلفية عملهم الصحفي. ووجّهت عائلته نداءً للاتحاد الدولي للصحافة والمنظمات المدافعة عن حقوق الصحفيين في العالم، للتدخل للإفراج عنه قبل أن يطول إضرابه وتسوء حالته الصحية بشكل يمس بحياته فعليا.
ويُحتجز الصحفي الريماوي منذ اعتقاله في سجن عوفر الإسرائيلي غرب رام الله، وقررت إدارة السجن نقله إلى العزل الانفرادي "عقابا له على إضرابه المتواصل عن الطعام وزيادةً في التضييق عليه"، كما قال محاميه خالد زبارقة للجزيرة نت.
وحوّلت سلطات الاحتلال الريماوي إلى الاعتقال الإداري (من دون تهمة) لمدة 3 أشهر قابلة للتجديد. وقال محاميه إن هذه السلطات أخضعته بعد اعتقاله للتحقيق مباشرة حول عمله الصحفي وتغطيته الصحفية وتأثيرها.
وأثناء جلسة لتثبيت حكمه الإداري يوم الأربعاء الماضي، قال محاميه إن النيابة العسكرية الإسرائيلية (الممثلة لجهاز المخابرات الإسرائيلية) تحدثت بشكل واضح عن دور الريماوي في التغطية الصحفية مؤخرا.
وكان الصحفي الريماوي يقدم برنامجا يوميا بعنوان "فلسطين تنتخب"، استضاف خلاله ممثلين عن القوائم الفلسطينية المتنافسة في الانتخابات التشريعية من كل الفصائل الفلسطينية، ومن بينها قوائم حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) واليسار الفلسطيني.
وينتظر الريماوي جلسة محكمة أخرى الخميس القادم لتثبيت اعتقاله، بالتزامن مع حملة مناصرة ووقفات مساندة دعت لها مؤسسات حقوقية وحراكات صحفية للمطالبة بالإفراج عنه وعن 15 أسيرا صحفيا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم الصحفية بشرى الطويل.
الإفراج والحماية
وبمناسبة الثالث من مايو/أيار، اليوم العالمي للصحافة، دعا رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قدري أبو بكر المجتمع الدولي لحماية الصحفيين الفلسطينيين من اعتداءات الاحتلال. وقال في تصريح صحفي إن هيئة الأسرى وثقت مئات الانتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، من احتجاز واعتقال تعسفي وأحكام جائرة واعتداء واقتحام وإغلاق لمؤسسات إعلامية ومصادرة معداتها وأجهزتها، بالإضافة إلى ملاحقة واستدعاء وتقييد حركة الكثير من الصحفيين، ومنع آخرين من السفر.
كما طال الاستهداف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية منشوراتهم "بهدف قمعهم وبث الخوف في نفوسهم وتكميم أفواههم، وحرف أقلامهم الحرة وتحييدهم وحجب الصورة البشعة التي تلتقطها عدسات كاميراتهم من واقع الاحتلال".
وطالب أبو بكر المؤتمر الدولي لليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2021، الذي تستضيفه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO) وحكومة ناميبيا، والمنعقد منذ 29 أبريل/نيسان إلى 3 مايو/أيار الجاري في مدينة ويندهوك، بالخروج بتوصيات واضحة تحمي الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين، والتحرك جديا للإفراج عن 16 صحفيا فلسطينيا لا يزالون يُعتقلون في سجون الاحتلال.
ويعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته اليونسكو في ويندهوك (عاصمة جمهورية ناميبيا) في عام 1991، ويعتبر الثالث من مايو/أيار "بمثابة تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة. كما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة".
انتهاكات وإفلات من العقاب
وبهذه المناسبة، وثّق تقرير للجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين، ومقرها غزة، 165 انتهاكا بحق الصحفيين منذ بداية العام 2021. وسجلت فيه 38 إصابة لصحفيين فلسطينيين بالرصاص الإسرائيلي المباشر أو اختناقا بالغاز، أو خلال الاعتداء عليهم بالضرب من قبل جنود إسرائيليين، أو مهاجمتهم من مجموعات المستوطنين وإطلاق الكلاب الشرسة عليهم.
ورصد التقرير أكثر من 42 حالة اعتقال واستدعاء واحتجاز وإبعاد، وفرض إقامة جبرية على صحفيين يعملون في الميدان أو بحق نشطاء إعلاميين اتهموا "بالتحريض على إسرائيل" عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ.
وتذكّر مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، المصور الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة "بجريمة إطلاق الاحتلال النار عليه وفقدانه عينه اليسرى قبل عام ونصف العام تقريبا".
وقال عمارنة للجزيرة نت إنه ورغم توثيق إصابته خلال تغطيته مواجهات مع الاحتلال جنوب الضفة الغربية وأمام الصحفيين، فإن جنود الاحتلال رفضوا الاعتراف بذلك، كما رفضت سلطات الاحتلال تسجيل شكوى على هذه الخلفية عند نقله للعلاج في مستشفى هداسا بالقدس المحتلة، "في محاولة للإفلات من العقاب" كما وصفها.
الاعتقال الإداري بمواجهة الصحفيين
وسلط تقرير لنادي الأسير الفلسطيني الضوء على 4 من الصحفيين المعتقلين إداريّا. وقال إن إسرائيل تنتهج جملة من السياسات لتقييد حرية الرأي والتعبير واعتقال الصحفيين والنشطاء في محاولة مستمرة لتقويض دورهم المجتمعي والثقافي والسياسي، ومنعهم من الكشف عن الجرائم المستمرة بحقّ الفلسطينيين.
وتُشكل سياسة الاعتقال الإداري أبرز هذه السياسات الممنهجة، ويحتجز وفقها 4 صحفيين فلسطينيين آخرهم الصحفي علاء الريماوي، وقبله الصحفي نضال أبو عكر وأسامة شاهين وبشرى الطويل.
وواجهت الصحفية الطويل من مدينة البيرة الاعتقالات الإدارية المتكررة منذ عام 2011، وآخرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على خلفية نشاطها الصحفي في قضية الأسرى الفلسطينيين خاصة.