مسنّون في غزة.. الحرب "قطعة من جهنم" والمقاومة "رفعت رؤوسنا"

يصف المسن السبعيني شعبان صيام أيام الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها "قطعة من جهنم"، عايش خلالها رعبا يقول إنه غير مسبوق ولم يشهده خلال حروب كثيرة مرت عليه.
ويقيم صيام في "مركز الوفاء لرعاية المسنين" رفقة 40 مسنا ومسنة، ويقول للجزيرة نت "كان ليل الحرب قاسياً ومرعباً، وفي كل ليلة من لياليها نشعر بأن الموت يقترب منا".
هذه الأجواء أفقدت صيام شهيته للطعام والشراب، ورغم أنه يتناول عادة أدوية تساعده على النوم، فإن الأرق لازم عينيه طوال الحرب، سوى لحظات قليلة كان يغمض جفنيه خلال ساعات النهار، التي تنخفض في أثنائها الغارات الجوية الإسرائيلية.
ظل صيام يتابع تطورات الأحداث في الميدان عبر شاشة قناة الجزيرة، التي كال لها المديح لوقوفها إلى جانب الحق الفلسطيني، ومع انقطاع الكهرباء عن المركز يلجأ إلى مذياع يعمل على البطاريات يستمع إلى الإذاعات المحلية كي يبقى على صلة بما يدور في الخارج.
هذه المتابعة الحثيثة لصيام جعلته متيقناً أن إسرائيل دمرت "برج الجلاء" انتقاما من الجزيرة ولتمنع كشفها للجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء في غزة.
ويقول صيام الذي ينحدر من أسرة لاجئة من قرية "الجورة"، "رغم كل هذه الجرائم فإن القدس تستحق أن نضحي من أجلها.
القدس بوابة السماء
وصيام هو عم وزير الداخلية في الحكومة التي شكلتها حماس عام 2006 سعيد صيام، الذي اغتالته إسرائيل في الحرب الأولى 2008-2009، ويضيف "القدس ليست لنا وحدنا ولكنها لكل المسلمين، وعلى كل مسلم ألا يبخل بشيء من أجل تحريرها".

مشاهد مؤلمة
وبالنسبة لصيام فإن مشهد اغتيال ابن أخيه سعيد صيام كان مؤلماً على نفسه، غير أنه شاهد خلال الحرب الأخيرة مشاهد لم يتمالك معها نفسه وبكى بحرارة لبشاعتها، وترقرقت الدموع في عينيه وهو يتحدث بألم عن مشاهد المنازل منهارة فوق رؤوس ساكنيها، وانتشال أطفال ونساء من تحت الركام.
وأظهر صيام إلماماً كبيراً بما يحدث في "حي الشيخ جراح" بالقدس المحتلة، وقال إنه يشعر بحزن شديد على اعتداء جنود الاحتلال والمستوطنين على النساء المقدسيات، ومخططاتهم لطرد سكان الحي من منازلهم التي يقطنون فيها حتى قبل قيام إسرائيل.
ويشاطر إسحاق بشارة الصايغ (77 عاماً)، وهو المسيحي الوحيد في المركز ويقيم فيه منذ 3 أعوام، صيام مشاعر الحزن الشديد على انهيار المباني السكنية على أصحابها بفعل الغارات الإسرائيلية.
وقال الصايغ، للجزيرة نت، "إسرائيل مجرمة.. دمرت المنازل ودور العبادة وقتلت أبرياء بلا ذنب".
وأضاف الصايغ، الذي يهوى الشعر ويحفظ الكثير منه، إنه كان يتألم لكل إنسان يفقد روحه في غارة إسرائيلية، ويشعر أن كل منزل يُدمر هو منزله، وكل إنسان يفقد حياته هو ابنه.
ومع أن الصايغ يقول إن أيام الحرب كانت مخيفة، وأنه كان يخشى أن تقصف إسرائيل المركز في كل لحظة، فإنه كان سعيداً بدور المقاومة في الحرب، التي قال إنها "ترفع الرأس وأجبرت إسرائيل على وقف جرائمها".

سنعود يوما
المسنون أظهروا أنهم ليسوا منعزلين عن واقعهم، ويتابعون ما يدور من حولهم، وتقول رسمية العثماني (74 عاما) إن الخوف من الحرب لم يجعلها تفقد الثقة بالله، وكانت دائمة الدعاء على الاحتلال: "اللهم إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم".
وتؤمن رسمية، وهي لاجئة من "المغار" وتحفظ القرآن الكريم كاملاً، بوعد الله لعباده المؤمنين وأن العودة إلى فلسطين ليست ببعيدة.
رسمية التي قضت جلّ عمرها معلمة لغة عربية في مدارس ابتدائية في غزة ومصر، قالت "إن مشاهد قتل الأطفال كانت تجعل قلبي يبكي".
وأكد مدير "جمعية الوفاء الخيرية" فؤاد نجم، للجزيرة نت، أن الحرب تركت آثارا نفسية صعبة على المسنين في المركز، الذي يقع في مدينة الزهراء، وتعرضت الأراضي المحيطة به إلى عمليات قصف جوية عنيفة.
ونبه إلى أن المركز هو الوحيد في قطاع غزة، ويؤوي هؤلاء المسنين مجاناً مدى الحياة، ويقدم لهم خدمات الرعاية والتمريض، وخدمات اجتماعية وترفيهية.