كان يشار إليه بالبنان لتميزه.. ما أسباب هشاشة النظام الصحي في العراق؟

النظام الصحي العراقي سجل تراجعا حادا ابتداء بتسعينيات القرن الماضي نتيجة الصراعات والحروب والاضطرابات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد.

Iraq: Nearly 20 killed in Baghdad hospital fire
82 قتلوا وأصيب 120 نتيجة الحريق الضخم الذي نشب بمستشفى ابن الخطيب (الأناضول)

فتح حادث الحريق الضخم -الذي نشب في مستشفى ابن الخطيب في بغداد ليل السبت الماضي وأودى بحياة 82 شخصا وجرح 120 آخرين- الأعين للتعرف على مستوى النظام الصحي في العراق، وسبب التردي الذي آل إليه رغم أنه كان يشار إليه بالبنان لتميزه خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

سجل النظام الصحي تراجعا حادا ابتداء بتسعينيات القرن الماضي نتيجة الصراعات والحروب والاضطرابات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد.

مدينة الطب في بغداد - الجزيرة نت -
مدينة الطب في بغداد افتتحت عام 1970 (الجزيرة نت)

تطور الخدمات الصحية

فترة الخمسينيات من القرن الماضي شهدت بدء المراحل الأولية من تطوير الخدمات الصحية الوطنية، وتنقيح هياكل "القيادة والسيطرة" بتمويل المستشفيات من الموازنة العامة للدولة، وذلك وفقا للأداء وليس على أساس الحاجة.

وفي الستينيات كان حجم الإنفاق كبيرا، إذ بُنيت مستشفيات جديدة في المدن والأرياف وأدخلت التكنلوجيا الحديثة إليها، وتم تصميم المستشفيات على الطريقة البريطانية لتشتمل على 800 سرير لمناطق كثافتها السكانية بين 100 ألف و150 ألف نسمة.

وواصل النظام الصحي تطوره في سبعينيات القرن الماضي، حيث أصبح دور هيئة الخدمات الصحية أكثر وضوحا من خلال المستشفيات والأطباء وتحديد نطاق العمل الصحي في المناطق التي يتراوح نفوسها بين 500 ألف ومليون نسمة ويتم تقسيمها لمناطق صحية تحتوي على عدد سكان بمقدار 200 ألف نسمة.

وشهد عقد الثمانينات استمرارا لحكم المحافظين الذي حُقنت خلاله أيديولوجية مائلة لحرية السوق في نظام الرعاية الصحية عن طريق الإصلاحات الساعية لتفكيك "البيروقراطية الزائدة" لإصلاحات عام 1974.

المراجعات اليومية - الجزيرة نت-
أحد المستشفيات في بغداد (الجزيرة نت)

التراجع والتردي

وفي تسعينيات القرن الماضي شهد القطاع الصحي حقبة مظلمة جراء العقوبات الدولية التي فرضت على العراق حينها مما أدى للحرمان من استيراد الأدوية والأجهزة الطبية، الأمر الذي تسبب بزيادة أعداد الوفيات بين الأطفال والنساء وكذلك هشاشة البنى التحتية الصحية التي لا تناسب الارتفاع السريع لسكان العراق.

وقد شهد العراق ما بعد عام 2003 حروبا طائفية أدت إلى قتل وتشريد الآلاف من المواطنين العزل وما تلاها من حروب ضد الجماعات المسلحة في البلاد، أدت بدورها إلى تدمير كبير في مرافق الرعاية الصحية التي كانت في طور استرجاع عافيتها.

سميسم ترى أن الخدمات الصحية تعتمد في نجاحها على دور الكادر الوسطي من مساعدي أطباء وممرضين (مواقع التواصل)

وتعليقا على تردي الوضع الصحي، اعتبرت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن مهنة الطب والخدمات الصحية تعتمد في نجاحها على دور الكادر الوسطي من مساعدي الأطباء والممرضين، واصفة إياه بالحلقة المفقودة والثغرة الكبيرة في العراق.

وتضيف سميسم، في حديث للجزيرة نت، أن الممرضين في القطاع الصحي أغلبهم من غير الجامعيين ومن غير المؤهلين أكاديميا وغالبا ما يقعون فريسة القضايا السياسية، موضحة أن ما بعد عام 2004 أغلبهم كانوا ينتمون إلى تيار سياسي معين وسيطروا منذ ذلك الوقت على أغلب المستشفيات حتى كانوا يتحكمون في أقسام من المستشفى.

ولفتت سميسم إلى أنه كان "بإمكان الممرض أن يهدد الأطباء والمرضى ويستولي على الصفقات والأدوية وتهريبها للسوق السوداء أو بيعها في مذاخر وصيدليات تابعة لهم، مما يشكل فسادا وتحديا للقطاع الخاص".

وبحسب تقارير ديوان الرقابة المالية فإن أغلب المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من عدم توفر أطباء الاختصاص، مما يتطلب تهيئة العدد الكافي، إضافة إلى عدم توفر الأدوية أو تكون منتهية الصلاحية لدى بعض المستشفيات.

وتشير إحصائيات رسمية إلى وجود 212 مستشفى عاما و95 مستشفى خاصا في جميع أنحاء البلاد يعمل منها 207 مشاف عمومية و93 خاصا على التوالي كليا أو جزئيا. وذكرت الوثيقة نفسها أن عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية بلغ 990 مركزا.

More than 35 killed in Baghdad hospital fire
حادثة مستشفى ابن الخطيب فتحت جرح تردي وضع الخدمات الصحية (الأناضول)

الفساد والبيروقراطية

رغم أنها ليست مشكلة صحية عامة فإن قضية الفساد والبيروقراطية المفرطة والنفايات تعد جميعها قضايا تتسبب بأضرار في عمليات إعادة الإعمار وتحسين نظام الرعاية الصحية العراقية، بحسب الباحث في الشؤون العراقية وليد عبد النبي.

ومن آثار الفساد المالي التي يشخصها عبد النبي للجزيرة نت ظاهرة "الموظفين الوهميين" ويقصد بها كل موظف لا يمارس عمله لمدة طويلة ويتقاضى راتبًا شهريًا حيث يقدر البنك الدولي تكاليف ظاهرة "الموظفين الوهميين" نحو 260 مليون دولار سنويًا من ظهر الموازنة المالية للعراق".

ويحدد البنك الدولي أيضًا أن نسبة مئوية كبيرة من ميزانية القطاع الصحي وإعاناته تذهب إلى البيروقراطيين الذين ليسوا ضروريين أو مؤهلين بنحوٍ كافٍ ولكنهم "حصلوا على المنصب الوظيفي من خلال المحاصصة والروابط الأسرية والسياسية والقبلية".

هجرة العقول

لقد أدى رفع القيود المفروضة على الأطباء المهاجرين في عام 2004 بالتزامن، مع أعمال العنف اللاحقة في جميع أنحاء البلاد، إلى هجرة الأطباء المحترفين إلى الخارج.

وبحلول عام 2013 خفضت نسبة هجرة الأطباء، ومع ذلك أدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية والصراع الذي اتبعه إلى موجة جديدة من هجرة ذوي العقول عام 2014.

ويرى عبد النبي أن الأطباء العراقيين لم يتركوا بلادهم فقط بسبب الصراع مع تنظيم الدولة، بل وأيضا بسبب الفساد المستشري، وانعدام الفرص للمحترفين منهم، نتيجة للفساد وانعدام القانون.

ولا توجد إحصائيات محددة بشأن عدد الأطباء ذوي الاختصاص الذين غادروا البلاد منذ عام 2014، لكن بعض التقديرات تشير إلى أن عددهم يربو على 40 ألفا مما يشكل ضغطا كبيرا على نظام الرعاية الصحية في العراق.

المصدر : الجزيرة