ما مصير أرشيف يهود العراق الذي استولت عليه القوات الأميركية عام 2003؟
الأرشيف اليهودي حوى مجموعة من الكتب الحجرية القديمة والكتب الحديثة، ووثائق ومخطوطات يعود تاريخها إلى مئات السنين
بينما كان العراقيون منشغلين بمشهد المجنزرات الأميركية وهي تجوب شوارع بغداد بعد الغزو، كانت هناك وحدات أميركية خاصة مهمتها البحث عن أسلحة الدمار الشامل وأي وثائق مهمة تركها النظام السابق.
وفي 6 مايو/أيار 2003 دخلت قوة أميركية قبوا تحت مقرّ المخابرات العراقية لتعثر على آلاف الوثائق والكتب المغمورة بالمياه، ومن ضمنها الأرشيف الوطني ليهود العراق، فاستولت عليه ثم نقلته إلى واشنطن بذريعة صيانته، لكنها لم تعده حتى اليوم.
محتوى الأرشيف
والوثائق التي عثر عليها في قبو المخابرات تضمنت 3 أنواع؛ وثائق أمنية، وأرشيف حزب البعث، والأرشيف اليهودي، بحسب الكاتب والباحث نبيل الربيعي.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsعندما ارتدى المسيحيون واليهود والمسلمون الطربوش الأحمر.. زمن التعايش العثماني وعصور الطائفية الدموية
الصدر عن اليهود.. إذا كان ولاؤهم للعراق فأهلا بهم
ويبيّن للجزيرة نت أن الأرشيف اليهودي حوى مجموعة من الكتب الحجرية القديمة والكتب الحديثة، ووثائق ومخطوطات يعود تاريخها إلى ما قبل 300 عام.
ويشتمل الأرشيف، بحسب الربيعي المتخصص في كتابة وأرشفة تاريخ أقليات العراق، على كمية من لفائف التوراة لمقاطع من سفر التكوين البالغ عددها 48، مكتوبة على جلد الغزال، وتقويمات باللغة العبرية، و7002 كتاب، ومجموعة من الخطب المطبوعة بشكل جميل طبعها حاخام في ألمانيا عام 1692م، وعشرات الآلاف من الوثائق المدرسية تعود إلى عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف السبعينيات، وكتب مدرسية تربوية لمدارس الأليانس.
كما يضم 1700 تحفة نادرة توثق لعهد السبي البابلي الأول والثاني، وأقدم نسخة للتلمود البابلي، وأقدم نسخة للتوراة جلبت من فيينا عام 1568، ومخطوطات تاريخية، وسجلات شرعية تعود إلى قرون عدة تركها يهود العراق، وكتبا دينية وقصصا تعود إلى القرنين 18 و19، ومذكرات كتبت يدويا عام 1902، وكتاب صلوات عيد الفصح يعود إلى عام 1930 باللغتين العبرية والفرنسية.
ويستطرد الربيعي بالقول "كذلك يحوي مجموعة من المواعظ لأحد رجال الدين طبعت في ألمانيا عام 1892، وكتاب التصوف عام 1815، ورسالة رسمية تعود إلى رئيس الحاخامات بشأن تخصيص الأغنام لرأس السنة، وتقويما عربيا وآخر عبريا لعام 1972-1973، وكتابا مقدسا باللغة العبرية عمره 400 سنة، لافتا إلى اشتمال الأرشيف اليهودي على مجموعة من الوثائق المهمة التي تؤكد تاريخ الحضارة البابلية وتاريخ اليهود.
كنز ثمين
وترجع أهمية الأرشيف اليهودي العراقي -الموجود الآن في أميركا- إلى كونه ثروة تراثية وتاريخية ومادية وطنية، إذ يحتوي على آلاف الوثائق المتنوعة التي تغطي مرحلة زمنية وتاريخية تمتد إلى ألفي عام، كما يقول الدكتور صباح حمدان الكبيسي الأكاديمي والباحث في الأديان وحوار الحضارات.
ويضيف للجزيرة نت أن المخفي أكبر، مشيرا إلى أن من المسروقات التي لم يسلط الضوء عليها صندوق التوراة اليهودية المصنوع من الفضة والذي يحوي لفافة التوراة المكتوبة على جلد الغزال، التي يقال إنها ترجع إلى عهد نبي الله عزرا المدفون في محافظة ميسان جنوبي العراق، وهذه التوراة مع صندوقها لا تقدر بثمن لقدمها ولأهميتها التاريخية والدينية وحتى العلمية.
ويشير الكبيسي إلى أن الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة وفي إسرائيل وفي شتى أصقاع العالم مهتمة جدا بهذا الأرشيف ويعدّونه كنزا، لأنه يدلل على وجود مجتمع يهودي حي ومتفاعل وكبير ومثقف كان حريصا على العلم والدراسة ويعيش ضمن تقاليد روحية ودينية.
دفن الوثائق
ويتحدث الكبيسي عن مشكلة جوهرية تتمثل في الافتقار إلى جرد حقيقي لمحتويات هذا الأرشيف، وأن الحكومة العراقية لم تبلغ بمحتويات الأرشيف، ولم تعلم التالف منها بفعل الماء المتسرب للقبو، ولا الصالح.
وينقل عن الصحف الأميركية أن مئات الوثائق المتضررة دفنت بمراسيم جنائزية يهودية كاملة أشرف عليها مجموعة من رجال الدين وحاخامات اليهود والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والكثير من أبناء وأحفاد اليهود العراقيين المقيمين هناك، وبحضور ممثلين دوليين.
وينوّه الكبيسي بأن دفن مئات الوثائق وما شابه من ضبابية مسألة خطرة جدا، لأنه لا يعرف أحد، ولا حتى الحكومة العراقية، ولا الجهات العلمية المتخصصة بماهية هذه الوثائق وتفاصيلها، وإلى اليوم لا تعرف الدولة العراقية محتويات الأرشيف بكل تفاصيله وليس لديها جرد لمطابقته مع الموجود في الولايات المتحدة.
ترميم أم تهريب؟
ولدى العثور على الوثائق كانت الخيارات المحلية في بغداد لتجفيف المواد والاعتناء بها محدودة، فشُحنت الكتب والوثائق إلى الولايات المتحدة عام 2003، لصيانتها، على أن تعاد إلى العراق عام 2014، بحسب الباحث والكاتب عبد السلام صبحي طه.
وفي حديثه للجزيرة نت يعرب طه، مؤلف كتاب: الكارثة، نهب آثار العراق وتدميرها، عن اعتقاده أن قضية إخراج الأرشيف تمت أولا، ثم أُبلغت الحكومة العراقية من باب العلم بالشيء لا من باب أخذ الموافقة.
ويضيف أنه كان من المفترض بعد إتمام الترميم والدراسة والأرشفة أن يعود الأرشيف إلى العراق، متسائلا "ما الذي سيعاد، وكم صندوقا سيذهب إلى تل أبيب؟".
ويحمّل طه الجهات المعنية قبل الغزو جانبا من المسؤولية، إذ لم تتعامل بطريقة مناسبة مع تراث هذه الطائفة في العراق، فوضع الأرشيف في قبو ليتآكله النسيان وتغمره المياه، أعطى فرصة للمحتل ليأخذه بحجة ترميمه.
ويوضح أنه بعد إخراج الأرشيف من العراق تعاونت جهات عدة على عملية الترميم والأرشفة والدراسة، منها مركز التاريخ اليهودي، وحكومة العراق، والمؤسسة الوطنية للعلوم الإنسانية، ووزارة الخارجية الأميركية، والمنظمة العالمية ليهود العراق، فضلا عن اللجنة اليهودية الأميركية، ومنظمة بناي بريث، وغيرها.
وحدة ألفا ومؤسسة الذاكرة
من جانبه يقول سليم مطر، مؤلف كتاب "تاريخ العراق أرض وشعب ودولة"، إن وحدة "ألفا" الأميركية، اضطلعت بدور أساسي في المهمات الخاصة في أثناء الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003.
ويبيّن للجزيرة نت أن مجموعة من الوحدة الخاصة مكونة من 26 جنديّا أميركيا عثرت في داخل قبو للمخابرات غربي العاصمة بغداد على 200 صندوق من الأرشيف الرسمي العراقي، لدى بحثها عن أدلة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.
ويضيف أن القوة الأميركية استولت على كامل الأرشيف العراقي وأرسلته إلى أميركا، للكشف عنه والسيطرة على أسرار الدولة العراقية وتاريخها.
وعن دور مؤسسة الذاكرة العراقية في هذا المجال، يقول مطر إن هذه المؤسسة تمتلك أكبر أرشيف للدولة العراقية، من أهم وثائقه قاعدة بيانات شمال العراق، التي تضم نحو 2.4 مليون وثيقة إدارية، استولى عليها المسلحون الأكراد عام 1991.
كما تحتوي على أكثر من 750 ألف صفحة من الوثائق الرسمية العراقية التي استولت عليها قوات التحالف في الكويت عام 1991، وكذلك أرشيف قيادة حزب البعث الذي يحتوي على أكثر من 3 ملايين صفحة، تم الاستيلاء عليها بعد اجتياح العراق عام 2003، وكلها نُقلت إلى أميركا.
ويشير مطر إلى أن مؤسسة الذاكرة العراقية أسسها كنعان مكية في واشنطن في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، بدعم مالي من مؤسسات أميركية عدة تابعة للمخابرات، وبالتنسيق مع الكونغرس الأميركي، وعام 2003 زار مكية إسرائيل ليتسلم منها دكتوراه فخرية، وعام 2007 نال شهادة فخرية ثانية، وكذلك أصبح ضمن مجموعة استشارية سرّية لإدارة الأزمات وتقديم النصائح، شكلتها الولايات المتحدة وإسرائيل، على حد قوله.
المهلة الأخيرة
من جانبه نفى رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث العراقي -الدكتور ليث مجيد حسين- تهريب الأرشيف، مؤكدا وجود اتفاق في ذلك الوقت على إخراج الأرشيف وصيانته.
ويؤكد للجزيرة نت أن هناك اتفاقيات موقعة بشأن هذا الموضوع، واقتضى الاتفاق أن يبقى الأرشيف هناك سنوات عدة بعد الصيانة، ثم يعود مرة أخرى إلى العراق، لكن مدة بقائه في الولايات المتحدة طالت لأسباب متعددة، منها تعذر اكتمال عمليات الصيانة وتعقيداتها، وكذلك عدم توفر التخصيص المالي لترميم كامل الأرشيف.
ويكشف حسين عن أن الحكومة العراقية منحت واشنطن الوقت الكافي لاستمرار أعمال الصيانة، وأن آخر مهلة تمديد سوف تنقضي العام الحالي، ومن المقرر أن يعود الأرشيف إلى العراق بعد أشهر، على حد قوله.
ويتحدث حسين عن تحرك جادّ للحكومة العراقية يستهدف استعادة الأرشيف، وأن الجهات المعنية تبذل جهودا كبيرة لإعادته كاملا بلا أي نقصان.
واستبعد فرضية التلاعب كون الأرشيف موثقا بقوائم، فهذا ما ذكرته الوثائق الرسمية في ذلك الوقت، وأوضح أن هناك لجانا عراقية خاصة ستطابق الأرشيف بعد عودته إلى العراق، للتحقق من عدم نقصان أي وثيقة.