لوبوان: هكذا مكنت الاستخبارات الفرنسية إدريس ديبي من السلطة بسبب "قوات حفتر"

لم يكن انقلاب إدريس ديبي عام 1990 لينجح لولا دعم فرنسا التي كانت حاضرة بقوة وكان جيشها يستطيع أن يوقف زحف قواته القادمة من دارفور السودانية دون عناء كبير ولكنه تركه يفعل ما فعل

ديبي (يمينا) مع الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (رويترز)

قالت مجلة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية إن الرئيس الراحل إدريس ديبي إيتنو -الذي توفي يوم 20 أبريل/نيسان الجاري- كان البيدق المناسب الذي اختارته فرنسا في لعبة العلاقات التي لا تنفصم بين فرنسا وتشاد للإطاحة بسلفه حسين حبري الذي خانها بإخفاء "قوات حفتر" مع الأميركيين.

وأوضحت المجلة أن ديبي عندما تولى السلطة في انقلاب في 1 ديسمبر/كانون الأول 1990 لم يكن قادرا على النجاح إلا بفضل دعم فرنسا التي كانت حاضرة بقوة، وكان جيشها يستطيع أن يوقف زحف قواته القادمة من دارفور السودانية دون عناء كبير، ولكنه تركه يفعل ما فعل.

وكان الهجوم الذي أطاح فيه ديبي بسلفه الذي تولى رئاسة تشاد منذ علم 1982 -كما تقول المجلة- مدعوما عسكريا من ليبيا والسودان، في حين أن فرنسا هي الداعم الأساسي للرئيس التشادي حبري، إلا أنها مع ذلك كانت ترى فيه السياسي الذي لا يرحم، وألقت باللوم عليه في شنق ضابط الاستخبارات الفرنسي بيير غالوبين عام 1975، وهو الذي كان يشرف على أجهزة المخابرات التشادية.

قوات حفتر

وكما ورد في مذكرات كلود سيلبيرزان المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي من 1989 إلى 1993 فإن أجهزته علمت في ذلك الوقت أن حسين حبري قد خان فرنسا التي ساعدت قواته عام 1987 مساعدة ليست باليسيرة في صد هجوم عسكري ليبي قوي غزا شمال تشاد، وأسر الجيش التشادي على إثره المئات من الجنود الليبيين، إلا أن حبري باع -دون علم باريس ومقابل مبالغ كبيرة من الدولار- هؤلاء السجناء إلى وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

وحسب المذكرات، تم تنفيذ العملية بأقصى درجات السرية، وقد قام العملاء الأميركيون بتحويل هؤلاء السجناء إلى وحدة من ألفي جندي جيدي التجهيز ومدربين جيدا ويتبعون لما كانت تسمى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بقيادة محمد المقريف، وهو معارض للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

كانت هذه القوات تحت إمرة رجل لم يكن معروفا تماما، قبل أن يصبح بعد 20 عاما شخصية مشهورة، لأنه الآن الخصم الرئيسي للسلطة الليبية الشرعية، إنه العقيد الليبي وقتها خليفة حفتر الذي أصبح في خدمة الولايات المتحدة، ووحدت تحت قيادته وكالة المخابرات المركزية هذه الوحدة في منطقة لا تبعد سوى 80 كلم شمال نجامينا للإطاحة بالقذافي عسكريا، ومع ذلك لم يخبر أحد الفرنسيين -لا حلفاؤهم الأميركيون ولا التشاديون- بإنشاء "قوات حفتر" هذه.

الزمن يتغير

في عام 1990 كانت الجيوش والحكومة الفرنسية تقدر أن حسين حبري هو أحد أعمدة وجودهما في المنطقة، وكان كلود سيلبيرزان وأجهزة الأمن الفرنسي الخاصة لا يزالون -وفقا لمذكراته- يرون أن "النظام فاسد من الداخل، وأن القمع السياسي الوحشي -الذي انخرط فيه حبري- والفساد يقوضان حكمه"، غير أن قوات حفتر كانت خيانة، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلت الاستخبارات الفرنسية تسعى للإطاحة بحبري، وحتى لو اقتضى الأمر التقرب من القذافي لمساعدة المنشق إدريس ديبي في دارفور فلا مشكلة.

ويقول سيلبيرزان في مذكراته إنه ناقش الأمر بكل الطرق مع كل المسؤولين مستخدما في ذلك علاقاته الشخصية والطرق الرسمية، ليتبلور الموقف الذي ستتخذه فرنسا خلال هجوم ديبي قبل أن يغادر قواعده السرية في دارفور.

وقد قاد المتمرد هجومه دون أن توجه له أي ضربة، لأن الفرنسيين يقفون إلى جانبه ممثلين بشخص العميل الفرنسي السابق والدبلوماسي آنذاك في الخرطوم بيير كولون، فلم تتحرك قوات "الصقر" (Épervier) الفرنسية التي كان من الممكن أن توقف لو أرادت تحرك ديبي ورجاله، لكنها تركتهم يمرون وكأنها لم تر شيئا.

ومنذ 1 ديسمبر/كانون الأول 1990 -عندما نجح الانقلاب وأصبح ديبي سيد نجامينا وذهب حبري إلى المنفى في السنغال بكل أموال الخزانة التشادية- وسيد نجامينا الجديد يحتفظ بممثل لإدارة الأمن الخارجي الفرنسي، وقد كان ذلك الممثل ذات يوم جان مارك غادولي الذي قال في مذكراته إنه كان إلى جانب ديبي أثناء الانقلاب الفاشل الذي سعى للإطاحة به عام 2008.

المصدر : لوبوان