أموال العراق مبددة.. هل تعبّد لجنة مكافحة الفساد طريق الولاية الثانية للكاظمي؟

أبرز عائق لخطة محاربة الفساد هو الغطاء السياسي الممنوح للفاسدين، وصعوبة اختراق الجدار الذي تفرضه بعض القوى المنتفعة من شخصيات مدانة بالفساد.

الكاظمي أكد على أن لجنة مكافحة الفساد ستستمر بعملها رغم كل ما يثار حولها (مواقع التواصل)

يجري التعامل مع ملف مكافحة الفساد في العراق بحذر شديد، وتراقب القوى السياسية الإجراءات التي تقوم بها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. ورغم أن الإجراءات أدت للقبض على من يُمكن وصفهم بحيتان الفساد في العراق فإن البعض يربط تلك الإجراءات الحكومية بقرب موعد الانتخابات العامة.

وقد شُكلت اللجنة الحكومية لمكافحة الفساد في أغسطس/آب 2020، ثم كُلف اللواء أحمد أبو رغيف بإدارتها.

ومنذ بداية تشكيل اللجنة، قال رئيس الحكومة إن جميع المتهمين بتبديد المال العام ستتم ملاحقتهم وفق السياقات القانونية.

وبعد فترة قصيرة من تشكيلها، وجّهت كتل وأحزاب سهام نقدها لعمل اللجنة وأدائها، معتبرين أنها تحتجز العشرات بتهم فساد وسرقة المال العام، مشيرين إلى أن اللجنة ارتكبت مخالفات قانونية تتمثل بتعذيب المتهمين، ونزع الاعترافات بالإكراه، وهو ما دفع الكاظمي للخروج عن صمته في فبراير/شباط الماضي، مؤكدا أن لجنة مكافحة الفساد ستستمر بعملها رغم كل ما يثار حولها من أكاذيب لحين تحقيق خطوات إيجابية للحد من الفساد. وفق قوله.

وبالرغم من أن ملاحقة الفاسدين تعد خطوة في طريق تعزيز النزاهة فإن الاستمرار في ذلك من شأنه أن يخلق صداما بين الكاظمي والقوى السياسية.

جمال الكربولي
السلطات العراقية اعتقلت جمال الكربولي مؤخرا بتهم فساد (الجزيرة)

عوائق

ويقول مصدر مقرب من الكاظمي للجزيرة نت إن أبرز العوائق التي تكمن في تعطيل خطة محاربة الفساد، هو الغطاء السياسي الممنوح للفاسدين، وصعوبة اختراق ما سمّاه بالجدار الذي تفرضه بعض القوى المنتفعة من شخصيات مدانة بتهم فساد مالي.

وأكد المصدر -الذي فضّل عدم الكشف عن هويته- أن تلك القوى عند انكشاف أحد الفاسدين المحسوبين عليها ستكون مستعدة للدخول في صراع مع الحكومة ورئيسها، وهي مستعدة لأن يكون صراعا دمويا؛ للحفاظ على مصالحها، وهذا ما يجعل إجراءات الحد من الفساد في مرمى التسقيط السياسي دوما.

الجيزاني: إجراءات مكافحة الفساد تكون مصحوبة بأدلة وملفات تدين المتهم (الجزيرة نت)

وسيلة للتصفية السياسية

ولعل المتتبع لإجراءات لجنة أبو رغيف وما صاحبها من تصعيد سياسي سيجد أن المشكلة بدأت تتفاقم منذ منتصف فبراير/شباط الماضي حين ألقت القوات الأمنية القبض على رجل الأعمال بهاء علاء الجوراني، بعد إدانته بتهم وصفقات فساد في وزارة الصناعة، وهو أمر دفع بمزيد من التصعيد انتهى مؤخرا باعتقال رئيس حزب الحل جمال الكربولي في 18 أبريل/نيسان الجاري، وفق مذكرة قبض قضائية صدرت بحقه على خلفية تهم فساد.

شكّك سياسيون بهدف اعتقال الكربولي، معتبرين أنه يأتي في إطار التصفية السياسية بظل الخلاف القائم بين الكربولي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

من جهته، استبعد القيادي في تيار الحكمة سامي الجيزاني -في حديثه للجزيرة نت- أن يكون اعتقال الكربولي هدفه التصفية السياسية وإنما يأتي في إطار محاربة الفساد، مشيرا إلى أن إجراءات مكافحة الفساد تكون مصحوبة بأدلة وملفات تدين المتهم. وأكد على ضرورة محاربة الفساد باستهداف رؤسائه.

البطيخ يرى أن طموح الكاظمي لولاية ثانية يدفعه لتحقيق إنجازات في ملف محاربة الفساد (الجزيرة نت)

طريق لولاية ثانية

في نهاية العام الماضي أصدرت لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي تقييما للمهام الموكلة للحكومة، واشتمل التقييم على 7 محاور، وكان نصيب محور محاربة الفساد 4% فقط.

ويعتقد العضو بتحالف الفتح غضنفر البطيخ -في حديثه للجزيرة نت- أن طموح الكاظمي لولاية ثانية يدفعه لتحقيق إنجازات في ملف محاربة الفساد.

ورغم معارضة أطراف سياسية خطوات لجنة أبو رغيف لاعتقادهم بوجود عمليات تعذيب جسدي وتغييب متعمد؛ فإن الحكومة طلبت من كل شخص يوجه اتهاما يتعلق بعمليات التعذيب الاحتكام للقضاء.

أما الباحث والمحلل السياسي علي فضل الله فيقول للجزيرة نت إن التحقيق في قضايا الفساد يجب أن يتم بوساطة محققين يشرف عليهم قاضي التحقيق المختص.

حديث فضل الله اتبعه بكلام حول قانونية عمل لجنة مكافحة الفساد والذي أكد خلال ذلك أن لجنة أبو رغيف لا تمتلك الغطاء الدستوري والقانوني في عملها؛ لأن الكاظمي أراد من هذه اللجنة أن تكون أداة لأذرع المنافسين السياسيين وابتزازهم. حسب تعبيره.

ويكمل فضل الله حديثه فيقول إن هناك فرقا كبيرا بين أن تعمل على ترسيخ أطر القانون والعدالة وبين استغلال القانون لترسيخ السلطة، معتبرا أن ما ذهب إليه الكاظمي ومستشاريه من خلال هذه اللجنة هو العمل على ترسيخ سلطتهم داخل مفاصل الدولة.

من جهته قال العضو السابق في المجلس الأعلى لمكافحة الفساد جمال الأسدي للجزيرة نت إن هناك إشارات بأن لجنة أبو رغيف متهمة بتحولها لأداة تصفية سياسية، لكن من حيث الإطار القانوني فلا إشكال فيها، وخصوصا أن عملها مبني وفق قرار قضائي.

ويكمل الأسدي حديثه بالقول إن من أهم العوامل المؤثرة في تحقيق نتائج اللجنة المرجوة هي وجود القاعدة القانونية الثابتة لنجاحها، شريطة ارتكازها على أسس قانونية صحيحة حتى لا يتم الطعن بنتائجها لاحقا.

أما الكاتب والصحفي أحمد الطيب فقد اعتبر تحركات الكاظمي لتعقب المتهمين بالفساد ليست بمستوى الطموح بسبب السلاح المنفلت، مضيفا -للجزيرة نت- أن المواطن لم يلمس نتائج تحقيق واسعة حتى الآن.

نوفل العاكوب
نوفل العاكوب متهم لدى السلطات العراقية بتهم فساد (مواقع التواصل)

وباعتقال الكربولي يصل عدد المتهمين الذين ألقي القبض عليهم من قبل لجنة مكافحة الفساد الحكومية لأكثر من 32 شخصية مهمة في الدولة العراقية، وغالبية تلك الشخصيات تنتمي إلى جهات سياسية متنفذة ومعروفة، ولعل أبرزها -قبل اعتقال جمال الكربولي- هو محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على خلفية تهم فساد وتلقيه رشى مالية.

ويروي شقيقه ميزر حمادي العاكوب للجزيرة نت تفاصيل اعتقاله كاملة، حيث إن هيئة النزاهة في نينوى أصدرت أمر استدعاء بحق شقيقه فذهب للمثول أمامها فتفاجأ بإلقاء القبض عليه وفقا لتوجيهات لجنة مكافحة الفساد.

واعتبر ميزر العاكوب أن ما حدث لشقيقه هو استهداف سياسي، بسبب أن اتهامه بالفساد لم يُثبت بدليل واقعي، وإنما اكتفت اللجنة بالكلام المكتوب على الورق.

ويؤكد أنه بعد 23 يوما استطاع لقاء شقيقه المحتجز بعد أن تقدم بطلب إلى رئيس مجلس القضاء، ليقوم الأخير بإرشاده لمكان احتجاز نوفل.

ويؤكد ميزر أنه لاحظ على جسد شقيقه آثار تعذيب، وأدرك فيما بعد أن المكلف بالتحقيق معه هم ضباط من الشرطة وليسوا محققين من ذوي الاختصاص.

الخبير القانوني جمال الأسدي
الأسدي يعتبر أن الفساد في العراق مستشرٍ بشكل كبير  ويتطلب إجراءات حازمة (الجزيرة نت)

أوجه الفساد

يأخذ الفساد في العراق أوجه متعددة؛ منها ما يظهر في مشاريع القوانين ومنها في أرقام العقود والمخصصات، ففي ظل تعدد الجهات الرقابية المكلفة بالحد من الفساد المستشري، إلا أن الأرقام البيانية تستمر تصاعديا دون وجود رادع حقيقي لذلك.

وبحسب جمال الأسدي، إذا ما تم استعراض أرقام وأوجه الفساد المستشري في العراق بموجب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن اللجنة المالية في مجلس النواب فإن الحصيلة ستقود إلى الإفراط في نفقات الدولة بين عامي 2004 و2016 والتي بلغت نحو ألف تريليون و21 مليار دينار عراقي (900 مليار دولار)، في حين يقدر تهريب الأموال للخارج بـ 350 ترليون دينار خلال الأعوام الماضية، وجميعها هُربت عبر إيصالات وهمية.

وبحسب إحصائية 2017 الصادرة عن اللجنة المالية النيابية فإن الخزينة الرسمية تتكبد خسائر فادحة تفوق ما يهرب منها خارج الحدود، وخصوصا أن العراق يخسر 263 دولارا في الثانية الواحدة بسبب فساد القائمين على المنافذ الجمركية.

المصدر : الجزيرة