قضية المغيبين في العراق.. دعاية سياسية أم ملف إنساني

صورة عن مظاهرة في العراق للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ، بعثها المراسل وقال إن مصدرها الفرنسية
مظاهرة سابقة في العراق للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين (الفرنسية)

آلاف الأسر العراقية ضاعت بين الانتظار والترقب لمعرفة مصير أبنائها المُغيّبين والمخطوفين منذ أعوام؛ لتكون أبرز أسباب الإخفاء الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية بعد العمليات العسكرية، التي شهدتها محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة، يزداد استغلال الملف الإنساني هذا سياسيا من جهات وأفراد متعددة، ليبقى السؤال الأهم يبحث عن إجابة مقنعة متى يُعالج هذا الملف في العراق؟.

النقطة الغامضة والمعقدة جدا في هذا الملف أنه يصعب تحديد الجهة، التي تقف وراء ذلك بشكل مباشر وصريح، رغم أن أصابع الاتهام غالبا ما توجّه نحو فصائل ومليشيات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة.

هل يتدخل الحشد الشعبي في الصراع الأميركي الإيراني؟
فصائل بالحشد متهمة باعتقال العشرات وإخفائهم (الجزيرة)

تحول من الوفاة للاختفاء

ما يجعل هذا الملف أكثر تعقيدا أيضا، وجود مئات الأشخاص، الذين تم تحويلهم من حالة الوفاة إلى الاختفاء أو التغييب القسري من عوائلهم أو ذويهم، بعد مقتلهم في عمليات عسكرية شنتها القوات الحكومية ضد تنظيم الدولة، أو فرّوا إلى خارج البلاد لملاحقتهم قضائيا بتهم الإرهاب.

في أكتوبر/تشرين الأول 2015، اعتقل فصيل يتبع الحشد الشعبي الطالب في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الموصل (أ.ح 29 عاما) في سيطرة الرزازة أثناء محاولة هروبه من مناطق سيطرة تنظيم الدولة مع مجموعة من أصدقائه باتجاه بغداد عبر طريق قضاء بيجي-الأنبار.

يؤكد شقيق المعتقل للجزيرة نت -شرط عدم الإفصاح عن اسمه لدواع أمنية- أنه بعد البحث والاستفسار تبيّن أن أخاه مُعتقل وموجود في إحدى المدارس بمنطقة جرف الصخر (60 كيلومترا جنوب غربي بغداد) لدى فصيل من الحشد الشعبي بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة، مؤكدا وجود 8 آخرين من أقربائه من قرية الحود بناحية القيارة (جنوبي الموصل) معتقلين أيضا لدى الفصيل نفسه.

يعرّف القانون الدولي الإخفاء القسري على أنه "توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلاء للدولة، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته".

وطالبت الأمم المتحدة العام الماضي إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة لتحديد مصير الآلاف من المغيبين والمخفيين، وتحديد الجهات التي تعتقلهم وأماكن احتجازهم، من الذين لا يعلم ذووهم عنهم شيئا منذ سنوات.

وتقف السلطات الحكومية مكتوفة الأيدي تجاه هذا الملف، خاصة بعد أن أصدر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي توجيها نهاية العام الماضي لوزارة الداخلية بالكشف عن مصير المغيبين والمختطفين.

ووفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن في العراق يوجد أحد أكبر الأعداد من الأشخاص المفقودين بالعالم، إذ تقدّر اللجنة الدولية للمفقودين، التي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في استرداد المفقودين وتحديدهم، أن العدد قد يتراوح منذ عام 2016 إلى 2020 بين 250 ألفا ومليون شخص، أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch)، فقد وثقت عمليات الإخفاء القسري المستمرة على أيدي قوات الأمن العراقية.

وكشفت تقارير صحفية نُشرت في وقت سابق أنه في مدينة الموصل وحدها هناك أكثر من 8 آلاف شخص مُخفَى منذ عام 2014، والقسم الأكبر منهم محتجز قسرا لدى الحكومة والفصائل المسلحة، وبلغ عدد المغيبين في قضاء الدور بمحافظة صلاح الدين من الفصائل المسلحة أكثر من 15 ألف مغيب، معظمهم في سجون سرية، وفي الأنبار هناك أكثر من 3 آلاف مغيب، وفي ديالى أكثر من ألفي مغيب.

عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي
البياتي: ملف المفقودين والمغيبين لا يتم التعاطي معه بالمستوى المطلوب ومهمل من الجهات المعنية (الجزيرة نت)

تفاقم الأزمة

ويعدّ ملف المفقودين والمغيبين من أكثر الملفات توسعا في العراق؛ إلا أن المؤسف فيه كما يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان، علي البياتي، أن التعاطي معه ليس بالمستوى المطلوب ومهمل من الجهات المعنية.

ويشكو البياتي من وجود عوائق كثيرة منعت إحراز أي تقدّم في هذا الملف، أبرزها عدم وجود قاعدة بيانات مركزية في مؤسسات الدولة، تضم كل المطلوبين للإرهاب والمحتجزين والمسجونين والنازحين والعائدين منهم؛ لتطابق الأسماء وتقارنها مع المطلوبين بقضايا الإرهاب والمسجونين والموقوفين، فضلا عن الإجراءات المتبعة ونقص التشريعات.

واستلمت المفوضية كما يؤكد العضو فيها للجزيرة نت منذ نهاية عام 2017 حتى الآن أكثر من 8 آلاف شكوى وادعاء عن أشخاص مغيبين أو مفقودين أو مخطوفين ما زال مصيرهم مجهولا، ويؤكد ما يُقال بأن تهمة الانتماء لتنظيم الدولة تلاحق جزءا منهم بالإضافة إلى هروب جزء آخر إلى خارج البلاد.

ومن هذه الأعداد، عرفت المفوضية مصير نحو 200 شخص حتى الآن كانوا مسجونين بأحكام، منتقدا في الوقت ذاته الجانب الحكومي، ويصف أداءه بغير المقبول، وطالب بتشريع قانون يُعالج الإخفاء القسري باعتبار أن العراق وقع على قانون الإخفاء القسري، والمباشرة في التحقيق من المؤسسات الأمنية للتعاطي مع ملف أي شخص مفقود أو مغيب، بالإضافة إلى حسم ملف المقابر الجماعية.

مصطفى سعدون / مدير المرصد العراقي لحقوق الانسان
مصطفى سعدون مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان (الجزيرة نت)

من جهته، اعتبر رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، أن العراق يشهد عمليات تغييب قسرية كبيرة مستمرة منذ سنوات، رافضا الأقاويل التي تدعي أن عدد حالات التغييب القسري في العراق تراجعت إلى الصفر.

وأضاف أن المرصد وثّق نحو 500 حالة تغييب وإخفاء قسري بالمعلومات والأدلة في محافظة نينوى وحدها فقط، وتلقى بلاغات لنحو 8 آلاف شخص من ذويهم فقدوا أو غيّبوا خلال العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة.

ولا يخفي رئيس المرصد -في حديثه للجزيرة نت- وجود بعض من الذين قدمت بلاغات عنهم أنهم من المغيبين أو المفقودين داخل السجون العراقية بتهمة اعترافهم بالانتماء لتنظيم الدولة، مع وجود أعداد هربوا إلى خارج البلد.

البيدر وصف المساعي الحكومية تجاه قضية المغيبين بالخجولة وربما المتواطئة (الجزيرة نت)

تجارة سياسية

ورغم البعد الإنساني لقضية المغيبين قسرا؛ إلا أن المحلل السياسي علي البيدر لا يخفي استغلال البعض له لأغراض سياسية وانتخابية متكئا على الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي.

ويلتقي البيدر مع البياتي عند زاوية وصف المساعي الحكومية تجاه هذه القضية بـ"الخجولة جدا"، ولربما متواطئة بعض الشيء مع هذه الملفات، كونها تخصّ مكونا معينا في العراق يعدّ الأشد ضعفا من بين المكونات الرئيسة الأخرى حاليا، وهم السنة.

ويُفسر البيدر هذا السلوك الحكومي غير الجاد بأنه ينم عن عدم تفاعلها مع حجم الكارثة وأعداد الضحايا، التي تبلغ الآلاف ممن ابتلعتهم الحواجز الأمنية التي تنصبها الكثير من الفصائل المسلحة على أبواب المدن بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة.

ويتهم البيدر مفوضية حقوق الإنسان بأنها مُسيسة وتمثلُ أحزاب السلطة، وتجامل بتقاريرها وتصريحاتها الجهات السياسية، وطالب بجهد دولي على غرار ما حدث في محاربة تنظيم الدولة لإنهاء ملف المغيّبين والمفقودين في العراق، وكشف الجناة ومحاسبتهم، محذرا من أن استمرار هذه الظاهرة سيفقد المواطن الشعور بالوطن والوطنية.

المصدر : الجزيرة