الحاجة مزيونة ورحلة فقدان البصر والرفقة في زيارات الأسرى بسجون الاحتلال

يتعافى بصر الحاجة الفلسطينية مزيونة أبو سرور من مخيم عايدة (شمال مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية)، بعد صدمتها من عدم إدراج اسم نجلها الأسير المحكوم بالمؤبد ناصر أبو سرور ضمن صفقة لإخراج قدامى الأسرى.
ورغم مرور نحو 7 سنوات على عدم إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن الدفعة الأخيرة من الأسرى المعتقلين قبل اتفاق أوسلو عام 1993، ضمن اتفاق مع السلطة الفلسطينية آنذاك، فإن الحاجة مزيونة ما زالت تستذكر رفيقتها في زيارات السجون الحاجة صبحة والدة الأسير محمود أبو سرور.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنادي الأسير: الأسرى الفلسطينيون بسجون الاحتلال الإسرائيلي يواجهون حرمانا مضاعفا
إضراب مؤقت بسجون إسرائيلية احتجاجا على إجراءات تضييقية ونادي الأسير يحذر
عشرات الأسرى يتضامنون معه.. تدهور خطير في صحة الأسير المضرب عن الطعام ماهر الأخرس
صدمة.. فوفاة
توفيت الحاجة صبحة بعد إصابتها بسكتة قلبية، عندما لم يدرج اسم ابنها محمود وقتئذ ضمن الدفعة الأخيرة، وتأثرت كثيرا بهذه الصدمة؛ مما أدى إلى وفاتها.
لم ينته الأمر بعد بالنسبة للحاجة مزيونة التي وعدت الحاجة صبحة بأن تحافظ على العهد بينهما بالاهتمام بمحمود -نجل صبحة- كما تهتم بناصر ابنها، وأن تقدم لهما نفس المتابعة والزيارة داخل سجون الاحتلال.
تعتبر الحاجة مزيونة وفاة رفيقتها قهرا وظلما ووجعا للقلب بعد نحو 23 عاما من الزيارات المشتركة بينهما للسجون؛ فالحاجة صبحة توفيت وفي خاطرها أن يشيعها نجلها محمود وأن تراه بين يديها، ولكن وفاتها حالت دون ذلك.
تتردد الحاجة مزيونة بين فينة وأخرى على قبر الحاجة صبحة في مقبرة مخيم عايدة، تقف أمامها باكية عليها وعلى كل من فقدتهم، وهي على مشارف الثمانين عاما من عمرها، وتطمئنها وهي تتحدث معها في قبرها أنها رأت محمود وأنه بصحة جيدة.
وتقول الحاجة مزيونة إن محمودًا تأثر كثيرا بفقدان والدته، ويخبرها بأنه لا يريد الخروج من السجن، متسائلا: "لمن أخرج بعد وفاة والدتي؟"
زيارة ممنوعة
يمنع الاحتلال الإسرائيلي الحاجة مزيونة من زيارة محمود مباشرة؛ بحجة أنه لا صلة قرابة مباشرة بينهما، رغم محاولات الأسرى داخل السجون إقناع إدارة سجون الاحتلال بأن والدة محمود توفيت، وأن من حملت هذه الأمانة الحاجة مزيونة.
يساعد الصليب الأحمر في إصدار تصريح زيارة لشقيق محمود أو شقيقته، وتسجل الحاجة مزيونة لزيارة نجلها ناصر، وفي الزيارة نفسها تلتقي محمودا وتعده بأنها ستقدم له ما كانت والدته تقدمه له من كل شيء.
يطلب ناصر من والدته الحاجة مزيونة أن تبقى بصحة جيدة حتى يخرج من السجن ويعيش معها ويعوضها عن سنوات الاعتقال التي اقتربت من 30 عاما، إلا أنها تمازحه وتقول إنها ستحاول ذلك، وستطلب من الله ألا تموت قبل أن تراه حرا، ولكنها تعود وتبكي بعد ابتسامتها، وتقول "إن كل هذا حسرة في القلب لا يعلمها إلا الله".
فقدان متجدد
رافقنا في طريقنا من منزل الحاجة مزيونة إلى مقبرة المخيم إبراهيم مسلّم الناشط في لجان المقاومة الشعبية في بيت لحم، وهو أسير محرر وشقيق الأسير خليل المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.
يقول مسلم للجزيرة نت إنه وشقيقه خليل -الذي ما زال أسيرا- فقدا والدهما وأمهما، ويعتبر الحاجة مزيونة الأقدم في رحلة معاناة أهالي الأسرى، وتعد رمزا في الصبر والصمود لنحو 30 عاما من اعتقال نجلها ناصر ونجل رفيقتها الحاجة صبحة والدة محمود، فكثير من الأسرى المحكومين بالمؤبد والأحكام العالية فقدوا آباءهم وأمهاتهم.
واعتبر مسلم أن فراق الأهل وعدم إلقاء نظرة الوداع الأخيرة من الأسير على أمه أو أبيه أكثر ألما من القيد والأسر والحرمان وظلم السجان، ويتجدد هذا الشعور مع المناسبات المختلفة التي تمر على الأسير داخل سجون الاحتلال، وينهي مسلم حديثه بالقول إنه يجب إنهاء هذا الملف بتحرير الأسرى من سجون الاحتلال فهم لا يريدون أي امتيازات أخرى إلا تحررهم.