هل تكون إيران طوق نجاة لنتنياهو بتشكيل حكومة طوارئ؟

محللون إسرائيليون يرون أن المواجهة بين طهران وتل أبيب مرتبطة بالأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل، ولعل أبرزها الأزمة السياسية وقضية تشكيل الحكومة.

نتنياهو (وسط) متهم بالتصعيد مع إيران لإنشاء حكومة انتقالية وتفادي انهياره سياسيا (رويترز)

وسط الأزمة السياسية بإسرائيل التي تعمق من أزمة تشكيل الحكومة رغم الانتخابات الرابعة، اختار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التصعيد العلني ضد إيران، ويتجه نحو حتمية الصدام مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي انحاز إلى الدبلوماسية مع طهران وذهب إلى مباحثات فيينا تمهيدا للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي مع مواصلة مباحثات فيينا بمبادرة أوروبية، يسابق نتنياهو الزمن لإفشال توجهات واشنطن بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بينما يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي استفزاز طهران بالتلميح إلى دور تل أبيب في استهداف أهداف إيرانية، وآخرها تفجير منشأة نطنز النووية، حيث ردت طهران برفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى 60%.

ومع الإعلان عن رفع درجة تخصيب اليورانيوم الإيراني، تعرّضت سفينة شحن إسرائيلية -أمس الثلاثاء- إلى هجوم صاروخي قبالة سواحل الفجيرة في الإمارات، وهي السفينة الإسرائيلية الثالثة التي يتم استهدافها في مياه الخليج مؤخرا، مما يعكس تصاعد المواجهة البحرية العلنية الدائرة بين تل أبيب وطهران.

وخلافا لما كان متبعا من مختلف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالتكتم وعدم التعليق على أي عملية تنفذ ضد أهداف إيرانية، تميزت الأيام الأخيرة بتسريبات حول هجمات إسرائيلية تنسب إلى الموساد ضد أهداف إيرانية، وأبرزها منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.

وأثارت هذه التسريبات -وفقا للمحللين العسكريين- حفيظة وتخوّف قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، من أن "هناك من يسعى لتوظيف التوتر مع إيران والكشف عن تفاصيل العمليات ضد أهداف إيرانية لدوافع ومصالح شخصية"، في إشارة إلى العلاقة الوطيدة بين رئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس حزب الليكود نتنياهو الذي يدفع نحو توريث كوهين رئاسة الليكود.

وتشير العلامات والدلائل إلى أن نتنياهو يدفع نحو خلق حالة طوارئ من خلال التصعيد المتدرج مع إيران، بغية إقناع قيادات أحزاب المعسكر المناوئ له بالانضمام إلى حكومته، وفقا لمحللين إسرائيليين يعتقدون أن نهج نتنياهو في المواجهة البحرية مع إيران وتصعيده باستفزاز إدارة بايدن، يأتي لإفشال مباحثات فيينا، ويعتبرها كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية "مغامرة مقلقة وخطيرة لا يمكن معرفة تداعياتها".

تصعيد وصدام

ويعتقد المحلل السياسي عكيفا إلدار أن المواجهة بين إيران وإسرائيل مرتبطة بالأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل، ولعل أبرزها الأزمة السياسية وقضية تشكيل الحكومة، حيث وجد نتنياهو ذاته أمام طريق مسدود بكل ما يتعلق بسيناريوهات تشكيل الحكومة، أو حتى باستقرار واستمرار مثل هذه الحكومة مدة طويلة.

وأوضح إلدار -في حديثه للجزيرة نت- أن كافة الإمكانات والسيناريوهات لأزمة تشكيل الحكومة متوقعة، وأيضا كافة الخيارات مفتوحة للمواجهة قبالة إيران وحتى الصدام العلني مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يدفع نتنياهو نحوه لأهداف شخصية ولتجنب الزج به في السجن بتهم فساد، وليس لقضايا أمن قومي.

ورجّح المحلل السياسي أن نتنياهو كلما اشتدت الأزمات الداخلية المتعلقة بتعثر جهوده لتشكيل حكومة مستقرة، وتكشفت الكثير من كواليس ملفات الفساد والإثباتات التي تدينه ونهجه في تغذية الفساد كسياسة عامة بالدولة، سيدفع نحو المزيد من الدبلوماسية أو حتى الهجمات العسكرية المحدودة ضد أهداف إيرانية، من أجل إفشال مساعي الرئيس بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

لكن المحلل العسكري أوضح أنه لا يمكن لأي أحد أن يتوقع كيف ستتطور الأمور جراء سياسات نتنياهو بتصدير الأزمات والقضايا الداخلية على الإقليم، وخاصة الملف النووي الإيراني والمواجهة مع طهران والصدام المتدرج مع البيت الأبيض.

ومن وجهة نظر إلدار، فإن تحديات نتنياهو وإسرائيل لا تقتصر على النووي الإيراني، خصوصا أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ما زال حاضرا، فضلا عن الحرب في سوريا والتدخلات الإقليمية في اليمن والعراق، والأزمات الصحية والاقتصادية بإسرائيل عقب جائحة كورونا، قائلا إن "إسرائيل تسير بطريق مسدود، وتتواجد على صفيح ساخن قد ينفجر بأي لحظة".

سيناريوهات

ذات السيناريوهات والاحتمالات يتوقعها محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر الذي أوضح أن تسلسل الأحداث في إيران يعطي الانطباع بأن نتنياهو فقد المكبح الأخير.

وأشار فيرتر إلى أنه في المرحلة الحاسمة من مستقبل رئيس الوزراء وأزمة تشكيل الحكومة بإسرائيل، هناك خطاب مفتوح في النظام السياسي والأمني، بحيث يطرح التساؤل: هل يسعى نتنياهو إلى إشعال حرب مع إيران أو حزب الله من أجل تشكيل حكومة طوارئ؟

وفي إجابته عن هذا السؤال، يرى فيرتر أن تسلسل الأحداث الأمنية ضد إيران، والتسريبات التي لا تدع مجالا للشك في هوية مرتكبيها، تعطي الانطباع بأن "صاحب البيت (نتنياهو) قد أصيب بالجنون، أو بالأحرى فقد آخر المكابح التي كانت تعمل لديه".

ولفت إلى أن نقاشا علنيا يدور في المؤسستين السياسية والأمنية، عما إذا كان نتنياهو يسعى لإشعال حرب بغية أن يشكل حكومة طوارئ، مثلما كان علق انتخابات مارس/آذار 2020، حيث وظف جائحة كورونا لتشكيل حكومة مع رئيس "أزرق أبيض" بيني غانتس، بحيث إن الفزاعة الإيرانية سيوظفها في خدمة مصالحه الشخصية والسياسية.

تسريبات واتهامات

الموقف ذاته عبّر عنه عضو الكنيست يائير غولان عن حزب "ميرتس"، الذي شغل بالسابق منصب نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقائد الجبهة الداخلية وقائد المنطقة الشمالية، حيث اتهم نتنياهو بأنه يبادر إلى تسريب والكشف عن الهجمات الإسرائيلية في إيران، بغية توظيفها من أجل خدمة مصالحه السياسية، في ظل إخفاقه في حسم الانتخابات وتعثر مفاوضات تشكيل حكومة جديدة بإسرائيل.

وأوضح غولان -في بيان لوسائل الإعلام- أن رئيس الوزراء نتنياهو وفي ظل أزمة تشكيل الحكومة ومحاكمته بتهم فساد، "فقد سحره". ويبدي نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، خشيته من أن "الحديث لا يدور فقط عن كشف العمليات والأنشطة الإسرائيلية التي عادة ما تكون سرية، وإنما عن المبادرة لعلميات أمنية هدفها خدمة احتياجات ومصالح سياسية".

فبعد أن كانت جائحة كورونا طوق نجاة لنتنياهو عقب الانتخابات الثالثة التي شكل فيها حكومة طوارئ مع غانتس، يتساءل غولان عما إذا كانت إيران بمثابة حبل النجاة لنتنياهو بعد الانتخابات الرابعة، وعليه طلب غولان من المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت، "إخراج نتنياهو إلى وضع من تعذر قيامه بمهامه الآن".

المصدر : الجزيرة