لوموند: يمكننا الآن أن نفكر لكن لا نأكل.. ألم ومرارة في عطبرة مهد الثورة السودانية

الوضع الاقتصادي ولد لدى البعض شعورا بالمرارة يقترب من الحنين إلى الماضي.

ذكرى الثورة.. حشود أمام المدرسة الصناعية بعطبرة مهد الاحتجاجات (الجزيرة نت)
احتجاجات سابقة في عطبرة مهد الثورة (الجزيرة)

بعد عامين من سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، انتشر شعور بأن المهمة لم تكتمل، وخاصة في مدينة عطبرة عاصمة السكك الحديدية ومهد الثورة، حيث تنخر آثار الأزمة الاقتصادية في الحياة اليومية للسكان، وحيث تبدأ سلسلة من المحاكمات لأفراد من جهاز الأمن والمخابرات الوطني التابعين للنظام السابق الذي أطاح به الجيش في 11 أبريل/نيسان 2019 تحت ضغط الشارع.

من هذه الخلاصة، انطلق تقرير لصحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية بقلم موفدها الخاص إلى عطبرة إليوت براشيه، قال فيه إن أولى جلسات المحاكمة في المدينة التي تبعد 300 كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم، بدأت بقضية عصام علي حسين، العامل الذي قتل برصاصة في الرأس يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما كان يشارك حشدا من المحتجين في عطبرة.

وقد وجه الاتهام لــ 16 من أتباع وضباط النظام السابق بقتل 5 متظاهرين سقطوا خلال الأيام الأولى من الثورة التي بدأت بانتفاض أهالي عطبرة ضد ارتفاع سعر الخبز 3 أضعاف على إثر قرار حكومة البشير إنهاء دعم القمح.

ويتذكر الباحث في معهد "ريفت فالي" مجدي الجزولي، أن "كل السخط ركز على رمز السلطة في عطبرة، مقر الفرع المحلي لحزب المؤتمر الوطني الذي تعرض للحرق يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2018" مما أطلق شرارة سرعان ما انتشرت إلى باقي أنحاء البلاد.

إعلان

يقول الجزولي إن عطبرة لها منزلة خاصة في تاريخ السودان، ومكانة رفيعة في السكك الحديدية التي ولدت في ظل الاستعمار، وقد "استقطبت مصانعها آلاف العمال من المناطق المهمشة والفلاحين الذين لا يملكون أرضا، وفيها تشكلت طليعة طبقة العمال، فأصبحت معقل النقابات الأولى والحزب الشيوعي، وكانت على مر السنين مهد الاحتجاجات في السودان، وتمردت على الطغاة الثلاثة الذين حكموا البلاد منذ استقلالها عام 1956.

محاكاة للعدالة

وتقدم وكيلة النيابة في ثوبها البنفسجي صورا تؤكد أنها تثبت تورط قوات الأمن في قمع الاحتجاجات "السلمية" التي جرت بعد صلاة الجمعة في عطبرة، في الوقت الذي يقف فيه أمام المحكمة نحو 50 متظاهرا من لجان مقاومة عطبرة جاؤوا لدعم نضال أهالي "الشهداء" لكن الشرطة منعتهم من الاقتراب.

وقال سعيد علي أحمد الذي قبض عليه وسُجن 3 أيام في ديسمبر/كانون الأول 2018 "على كل مسؤول في النظام الآن، التفكير مرتين قبل إطلاق النار على متظاهر أعزل" مضيفا أن "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها مثل هذا الإجراء القانوني خارج الخرطوم، والمرة الأولى التي أرى فيها مسؤولين أمنيين كبارا وهم يحاسبون" معبرا بذلك عن شعوره بأن العدالة بدأت أخيرا تأخذ مجراها في السودان.

غير أن الجزولي يرى أن الطريق طويل، وأن "المحاكمات الجارية في عطبرة رمزية ولا تستهدف سوى المستويات الدنيا من نظام البشير، إنهم يعاقبون البيادق دون التنغيص على المخططين" لحملة القمع التي قُتل فيها ما لا يقل عن 177 شخصا، حسب منظمة العفو الدولية، بينهم نحو مئة خلال الفض الوحشي لاعتصام مقر قيادة الجيش بالخرطوم في 3 يونيو/حزيران 2019.

ويقول هذا الباحث إن رعاة هذه المجزرة -التي حدثت بعد سقوط البشير- معروفون، وإن المتهم الرئيسي فيها هو قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة، لكنه الرجل الثاني في الدولة، وبالتالي فالحكومة تبحث عن طريقة لتوفير الوقت.

إعلان

وحسب أحمد، فالسودان بالفعل يتغير، والدليل "أننا لو تجمعنا مثل ما نفعل الآن، قبل عامين لكانت الشاحنات الصغيرة قد لاحقتنا ولكان رجال جهاز الأمن والمخابرات الوطني قد ضربونا" مضيفا أنه "لا يمكن إصلاح الوضع بين عشية وضحاها" ومذكرا بضرورة إجراء الانتخابات نهاية الفترة الانتقالية المؤجلة حتى عام 2024.

دولة مفلسة

ليس الجميع هنا يشاركون أحمد تفاؤله -كما يقول موفد لوموند- ففي عطبرة وغيرها من مدن البلاد تنخر آثار الأزمة الاقتصادية في الحياة اليومية للسكان، حيث ورثت الحكومة العسكرية والمدنية دولة فاشلة بعد سقوط البشير، كما أن وضعها ازداد سوءًا تحت تأثير جائحة كوفيد-19.

واليوم تبدو عاصمة السكك الحديدية التي كانت ذات يوم مصدر فخر وطني، قاتمة، حيث صناعة السكك الحديدية ومصانع الإسمنت تعمل ببطء، والبطالة والتضخم في تصاعد، خاصة أن الاندفاع نحو تعدين الذهب والاستثمارات الزراعية الخليجية لم تعط ما كان متوقعا منها.

تشكو عزة صلاح، وهي عضو في لجنة المقاومة في مدينة عطبرة التي تقف وراء عدد لا يحصى من المبادرات الصغيرة في محاولة للتخفيف من وطأة الأزمة، وتقول "لقد اكتسبنا حرية التعبير والفكر والتجمع، ولكن ما هذه الحرية التي نتحدث عنها عندما لا نستطيع الوصول إلى الخدمات الأساسية؟"

ومع أن الحكومة تبنت سلسلة من الإصلاحات في أعقاب توصيات صندوق النقد الدولي، من أجل إعادة البلاد إلى المشهد الاقتصادي الدولي، وأن السودان أزيل من القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب، فإن التقشف المتمثل في إنهاء الدعم على الطحين والوقود واعتماد سعر الصرف العائم، لها تأثير قوي على الأسر ذات الدخل المنخفض، فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي ونقص البنزين والأدوية المستمر.

بالنسبة للناشط السياسي بدر الدين عمر، فإن وجود الجيش في السلطة هو الذي "يفسد الوضع" مشيرا إلى أن المطلب بعد سقوط البشير كان واحدا، وهو حكومة مدنية 100%، إلا أن توقيع اتفاق مع الجيش كان بمثابة خيبة أمل، خاصة أن دور الجيش هو حماية الحدود وليس الدخول في السياسة، على حد تعبيره.

إعلان

وتختتم لوموند بأن الوضع الاقتصادي يغذي لدى البعض شعورا بالمرارة يقترب من الحنين إلى الماضي، تقول ضحى إبراهيم "رمضان أصبح قريبا، لا أعرف كيف سنتمكن من إطعام الجميع. كل هذه الثورة من أجل ماذا؟ على الأقل في عهد البشير كان لدينا خبز".

المصدر : لوموند

إعلان