قبل 73 عاما.. كيف ساهم متطوعون عراقيون في منع تهجير فلسطينيين؟
بقيادة المقدم علي عزيز خاض المتطوعون العراقيون معركة حامية انتزعوا خلالها منطقة العيون الإستراتيجية ومنعوا تسليمها لعصابات الهاغاناه
بطولات كبيرة سطرها المتطوعون العراقيون في معارك عام 1948 في فلسطين، حيث أسهموا إلى جانب أشقائهم العرب في منع تهجير قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني جراء العدوان عليهم من العصابات الصهيونية.
وفي 8 مارس/آذار 1948 خاض المتطوعون العراقيون بقيادة المقدم علي غالب عزيز معركة حامية انتزعوا خلالها منطقة العيون (شمال القدس) من الشرطة البريطانية، ومنعوا تسليمها إلى عصابات الهاغاناه، وهي النواة الأولى التي شكلت جيش الاحتلال الإسرائيلي لاحقا.
المتطوعون العراقيون
منذ وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وما تلا ذلك من قرارات التقسيم في 1936 و1947 وتنامي معدلات الهجرة اليهودية، حرص العراق على الحؤول دون قيام دولة يهودية في فلسطين، مؤكدا على عروبتها ولم يتوان عن تقديم كل أنواع الدعم العسكري والمادي والمعنوي للفلسطينيين، كما يقول أستاذ تاريخ الوطن العربي المساعد الدكتور سعد محسن العبيدي.
ويضيف العبيدي للجزيرة نت أن أول دفعة من المتطوعين العراقيين توجهت إلى فلسطين عام 1936، وبلغ عددهم مئة شخص، وصلوا إلى الأردن بشكل علني، ولكن بعدها دخلوا فلسطين بمساعدة البدو بطريقة سرية.
ويتابع القول إنه عندما صدر قرار تقسيم فلسطين عن الأمم المتحدة عام 1947 أيقظ ذلك القرار المجحف بحق الشعب العربي الفلسطيني المشاعر الوطنية والقومية، وخرجت المظاهرات في معظم المدن العراقية تشجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشهدت بغداد مظاهرات استمرت 7 أيام.
وتمخض الحراك العراقي عن تأسيس "جمعية إنقاذ فلسطين" و"الجبهة المتحدة لإنقاذ فلسطين"، اللتين أسهمتا في حشد المتطوعين وجمع الأموال وشراء الأسلحة وإرسالها إلى فلسطين.
ويتحدث العبيدي عن مشاركة 3 أفواج عراقية من المتطوعين، وأشرف على تسليحهم وتجنيدهم وتدريبهم 3 من جنرالات العراق هم طه الهاشمي وإسماعيل صفوة ونور الدين محمود، ومن أبرز قادتهم المقدم مهدي صالح العاني الذي تمركز في قرية جبع، والمقدم عادل نجم الدين وكان مرابطا في يافا، والرائد عبد الحميد الراوي الذي تمركز في القدس ورام الله.
وحول أعداد المتطوعين، يعتقد العبيدي أنهم كانوا أكثر من 800 مقاتل لأن هناك أعدادا ذهبت من دون علم الحكومة وشاركت في القتال، أما القوات العسكرية الرسمية فبلغ عددها 19 ألف جندي عراقي.
رأس العين
وكان حجم المشاركة العسكرية العراقية في فلسطين كبيرا جدا عام 1948 منذ بدايات المصادمات العسكرية التي كانت نتيجة لتداعيات قرار التقسيم وحتى نهايات الحرب باتفاقيات الهدنة، بحسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب.
وحول معركة رأس العين الأولى أو ما تعرف بمعركة العيون، يقول شبيب للجزيرة نت إن هذه المعركة كانت بقيادة المقدم علي غالب عزيز، حيث استطاع المتطوعون العراقيون أن ينتزعوا منطقة العيون ومنشأة المياه من أيدي القوات البريطانية بما تملكه من ترسانة عسكرية.
كما استطاع المتطوعون العراقيون أن يقدموا إنجازا بطوليا عسكريا، حيث منعوا البريطانيين من تسليمها إلى عصابات الهاغاناه كما جرى في حالات كثيرة أخرى، حيث سلم الإنجليز العديد من المنشآت الحيوية للصهاينة آنذاك.
ويبيّن شبيب أن المعركة أدت إلى استشهاد متطوع عراقي واحد وإصابة آخر بجروح متوسطة نقل على إثرها لتلقي العلاج في أحد المستشفيات الفلسطينية، فهذه معركة بارزة إلى جانب معارك مشرفة ساهم فيها العراقيون.
ويؤكد شبيب أهمية هذه المعركة رغم محدوديتها، حيث كانت مؤثرة واستطاع المتطوعون العراقيون هزيمة القوات البريطانية، وكان لهم دور مشرّف ومساهمة أساسية في الانتصار في تلك المعارك.
منع التهجير
ويرى شبيب أن مشاركة المتطوعين العراقيين في هذه المعارك ساهمت في إبقاء السيطرة على مناطق عربية واسعة، ومنعت تهجير سكانها.
ويشير إلى أن المرحلة الثانية للحرب بدأت بدخول وحدات من الجيش العراقي النظامي إلى فلسطين في مايو/أيار 1948 عن طريق جسر المجامع، واشتبكت بشكل مباشر مع القوات البريطانية والصهيونية هناك، وكان للجيش العراقي دور فاعل ومؤثر في هذه المعركة وقدّم العراق 40 شهيدا خلالها.
من جانبه يقول الأكاديمي والباحث السياسي صدام عبد الستار إن القوات العراقية، سواء من المتطوعين أو الجيش النظامي، كان لها الفضل الكبير في الحفاظ على المناطق التي رابطت فيها، ومنع العصابات اليهودية من دخولها كمنطقة المثلث العربي (شمالا)، التي عرفت في فترة معينة بالمثلث العراقي، حيث خاض العراقيون معارك عنيفة للحفاظ على هذه المنطقة، رغم الظروف القاسية، إذ سقط عشرات الشهداء العراقيين تشهد لهم المقابر التي لا تزال شاخصة هناك.
انسحاب المتطوعين
وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت عبد الستار إلى أن معنويات الجيش العراقي كانت عالية جدا، ولكن مع مرور الوقت انخفضت بسبب عدم تمكينه من المشاركة في القتال كما ينبغي.
ويوضح بالقول "لم يتعد هذا الجيش حدود التقسيم، ولم يسمح له بخوض اشتباكات فاعلة باستثناء الهجوم المعاكس الذي قام به فوج عراقي بقيادة المقدم عمر علي واسترد فيه مدينة جنين في الضفة الغربية في يونيو/حزيران 1948".
ويعزو عبد الستار سبب تراجع الجيش العراقي إلى مشكلتين رئيسيتين، الأولى عدم قيام حكومة العراق بتزويده بكل ما يحتاج إليه من الأسلحة والعتاد، والثانية كونه تحت إمرة عبد الإله (الوصي على العرش في العراق) وغلوب باشا الإنجليزي (الذي كان يقود الجيش الأردني) وقصة "ماكو أوامر" المشهورة، فكان لهاتين المشكلتين انعكاسات خطيرة على المتطوعين العراقيين والفلسطينيين.
ويقول العقيد الركن في الجيش العراقي سابقا سليم شاكر الأمامي إن مصطلح "ماكو أوامر" انتشر في العراق بسرعة آنذاك.
ويبيّن الأمامي -الذي كان أحد القادة العراقيين في الحرب مع إسرائيل- أن هذا المصطلح كان إشارة إلى أن الجيش العراقي أجبر على الانسحاب بعد الهدنة الأولى لأنه وضع والفيلق العربي تحت قيادة ملك الأردن الأمير عبد الله الأول.
ويضيف للجزيرة نت أن كل أوروبا وقفت مع اليهود، في وقت تلقت فيه الجيوش العربية أسلحة فاسدة وكانت فضيحة لسنوات، ولو ترك الأمر لجيشي العراق والأردن لتحقّق الكثير.