حقوق المرأة في تونس.. أي مسافة بين القوانين والممارسة؟

جدل حول ظاهرة العنف ضدّ المرأة في تونس
رغم ترسانة القوانين المنصفة تستمر التونسيات في الشكاوى من العنف تجاههن (الجزيرة)

كادت نادية "تخسر كل شيء" حتى طفلتها عندما تقدمت خلال فترة الإغلاق السنة الماضية بشكوى قضائية ضد زوجها "العنيف"، في ظل صعوبة تطبيق المؤسسات التونسية القوانين الرائدة في البلاد على صعيد مكافحة العنف ضد المرأة.

وتؤكد السلطات التونسية أن عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف الجسدي واللفظي ضد النساء تضاعف 5 مرات خلال فترة الحجر بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020. ولا يزال المنحى التصاعدي مستمرا.

وتلقى مركز الإصغاء الخاص بـ"الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" في تونس العاصمة في الأشهر الأخيرة عددا كبيرا من الشهادات لنساء تعرّضن للعنف الأسري يفوق بكثير تلك المسجلة في الفترة عينها من العام الماضي.

وأقرّ البرلمان التونسي في العام 2017 قانونا طموحا لمكافحة العنف ضد المرأة، ودعمه سياسيون ومنظمات من المجتمع المدني تعمل على أن تكون المرأة التونسية "تقدمية ومتحرّرة من كل القيود الاجتماعية".

يوسع هذا النص القانوني الذي لقي إشادات، نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبيها للعقاب على صعيد العنف ضد النساء، ويؤكد جليّا ريادة تونس في المنطقة في مجال حقوق المرأة ويكفل حماية قانونية ومادية لضحايا العنف.

لكن في المقابل، يبقى إحقاق الحق للضحايا مسارا صعبا في ظل غياب الإرادة السياسية ونقص الموارد.

تحمّلت نادية الأربعينية سوء معاملة زوجها وتهديداته سنوات عدة ولم تدّع عليه أمام القضاء في غياب أي مورد مالي مستقل لها.

وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية "كان يفعل ذلك (التعنيف) عندما يكون في حالة سكر ثم يعتذر، وكان يسافر شهورا عدة سنويا للعمل خارج البلاد لذلك فضّلت ألا أفعل شيئا".

وتتابع بتأثر ظاهر "لكن خلال فترة الحجر المنزلي وجد نفسه عالقا في البيت وكان متوترا ويسرف في الشرب. وفي يوم من الأيام، أفشت لي طفلتي أنه يلمسها بطريقة غير لائقة". إثر ذلك سارعت نادية لطلب الشرطة التي استدعته بعد أيّام للتحقيق معه.

لم تفض جلسات الاستماع لزوجها إلى نتائج ملموسة. ولم تتمكن نادية من تأكيد التهمة عليه، إذ تمكّن من خلال موارده المالية من الاستعانة بمحام، في حين تفتقر هي للإمكانيات وتخشى إمكان دفعه رشى لتبرئته في القضية.

وطلبت الشرطة من نادية جمع كل الأدلة والبراهين المتوفرة لديها في قرص مدمج، وهو ما فعلته الزوجة المعنَّفة.

وبعد أسابيع طويلة من دون تحقيق نتيجة، وخوفا من فقدان حضانة ابنتها في حال الانفصال عن زوجها، اختارت نادية اللجوء إلى "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات".

وكلفت الجمعية محاميا اكتشف عند فتحه ملف القضية أن الشرطة لم ترسل القرص الذي يحتوي الأدلة إلى القضاء.

وتقول نادية "من حسن الحظ أني حظيت بدعم، كنت سأخسر كل شيء بما في ذلك طفلتي".

وجرى تحويل ملفها إلى قاض آخر، وبعد أيّام قليلة أوقفت الشرطة زوجها.

وللتكفل بالنساء الباحثات عن حماية الشرطة، أنشأت وزارة الداخلية التونسية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ العام 2018.

وكُلّف المئات من عناصر الشرطة المدرّبين خصيصا لهذه المهمات، من بينهم نساء، بما في ذلك التحقيق في حالات العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن الضحايا.

وباتت مدارس الشرطة تقدّم تعليما خاصا لعناصرها بشأن التعامل مع هؤلاء القضايا، كما أن العناصر الذين يحاولون ثني النساء عن ملاحقة أزواجهم المعنّفين يواجهون احتمال السجن.

غير أن حماية النساء ضحايا العنف الأسري تتطلب الكثير من الصبر والجهد، وفق منظمات المجتمع المدني.

وتقول رئيسة "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" يسرى فراوس إنّ "هناك تباينا كبيرا بين قانون 2017 والممارسات المؤسساتية والاجتماعية والتي لا تواكب هذا المنحى".

ويوفر القانون سبل الوقاية والحماية من العنف الأسري ويعاقب مرتكبيه ويعوض ضحاياه، و"هذا يتطلب بنى تحتية ومراكز إصغاء وملاجئ، لكن الدولة لم تخصص ميزانية" لذلك، وفق فراوس.

يُضاف إلى ذلك "غياب النقاش العام بشأن قضايا النساء" منذ انتخابات 2019 التي تقدّم فيها المحافظون، وفق قولها.

وقد خمد الجدل بشأن مسألة المساواة في الميراث بعد أن أطلق الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في العام 2018 مبادرة قانونية من أجل التساوي في توزيع الإرث بين الرجل والمرأة.

وفي تقدير فراوس "يجب أن نخوض معركتين بشكل متواز تشملان القوانين والعقليات" من خلال تدريب قضاة ومحامين والشرطة والأطباء لرفع الظلم عن المرأة.

المصدر : الفرنسية

إعلان