زيارة بابا الفاتيكان للعراق.. لماذا أور الأثرية أهم المحطات؟

الحكومة العراقية أعربت عن أملها أن يكون لزيارة البابا فرانشيسكو دور في إنعاش السياحة الدينية والآثارية

Pope Francis in Iraq
البابا في أور التقى زعماء مختلف مذاهب وطوائف العراق (الأناضول)

منذ أسابيع ومحافظة ذي قار على قدم وساق تستعد للزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان فرانشيسكو إلى مدينة أور الأثرية وما يسمى "بيت النبي إبراهيم الخليل" عليه السلام، حيث حرصت الدوائر الحكومية على إنجاز أدق التفاصيل كي تظهر مدينة أور بمظهر لائق، أمام أعين وعدسات العالم الذي يتابع زيارة البابا الأولى للعراق.

وجرت الاستعدادات بمحافظة ذي قار على نحو كبير، حيث تشغل مدينة أور اليوم أهمية كبيرة لدى السلطات الحكومية بعدما كانت لسنوات مهملة ولم تحز اهتماما يذكر ولم يخصص لها شيء من ميزانية الدولة رغم دخولها في لائحة التراث العالمي منذ عام 2016.

وهبطت طائرة البابا صباح اليوم مطار الناصرية الدولي بعد إقلاعها من مدينة النجف وبحضور وفد كنسي وشخصيات سياسية ودينية من ممثلي الأديان والطوائف في العراق، حيث كان بالاستقبال محافظ ذي قار المكلف عبد الغني الأسدي إضافة إلى ممثلين عن مسيحيي العراق.

Cardinal Pietro Parolin, Vatican State Secretary vists Iraq
الوفد المرافق للبابا خلال زيارته للأماكن الأثرية في أور (الأناضول)

زيارة دينية اجتماعية

يقول الصحفي حسين العامل إن زيارة بابا الفاتيكان لمدينة أور ذات طابع ديني ومجتمعي، فالجانب الديني منها يكمن في أهمية هذه المدينة الأثرية وقدسيتها المتمثلة بكونها مهد الحضارة الإنسانية وتضم "بيت النبي إبراهيم الخليل" الذي ورد ذكره في الإصحاح رقم 11 من سفر التكوين بالكتاب المقدس.

يضيف للجزيرة نت كذلك كون قدسية هذا الموقع تحظى باهتمام أتباع الديانات الموحدة، ولاسيما المسيحية التي أبدى مركزها الديني (الفاتيكان) وفي أكثر من مناسبة رغبته لزيارة "بيت النبي إبراهيم" في أور.

أما الجانب الاجتماعي -كما يقول العامل- فيتمثل بكون الزيارة تهدف لنشر روح الإخاء والتسامح والسلام بين المكونات العراقية، ويمكن أن تبعث الأمل في نفوس المسيحيين ليتمسكوا أكثر بأرض آبائهم وأجدادهم، وهذا ما يساعد العراق في المحافظة على مكوناته الأساسية التي هاجر الكثير منها إلى بلدان الشتات خلال الأعوام الأخيرة.

ويمكن للزيارة أن تصب في إمكانية استعادة أملاك المسيحيين من الجهات التي استولت عليها، كما يوضح العامل، كون زيارة بابا الفاتيكان يمكن أن تكون مؤثرة خاصة بعد لقائه المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وكبار المسؤولين العراقيين.

واعتبر العامل أن زيارة بابا الفاتيكان يمكن أن تفتح لذي قار الباب نحو العالمية، لو تم استثمارها بصورة صحيحة، من خلال جعل المدينة مركزا عالميا للديانات التوحيدية وقبلة للحجيج المسيحيين، وغيرهم من الراغبين بالسياحة الدينية والأثرية كون ذي قار تضم أكثر من 1200 موقع أثري تعود إلى الجذر الأول للحضارة الإنسانية.

أهمية الزيارة التاريخية

في مؤتمر صحفي موسع أكد المتحدث باسم الحكومة وزير الثقافة حسن ناظم الاثنين الماضي أن الزيارة تعد محطة حوار أديان بمدينة أور، وستكون فرصة للقاء الأديان العراقية هناك من مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وإيزيديين.

وللعراق فرصة للاستفادة من هذه الزيارة اجتماعياً وأثرها في السلم والوئام المجتمعي، كما يوضح ناظم، حيث سيكون لها أثر اقتصادي وسياحي ما أن يضع البابا قدميه في المحجات الدينية لأهميتها لأتباع البابا والديانة المسيحية الكاثوليكية، معربا عن أمله أن يكون للزيارة دور في إنعاش السياحة في البلاد.

حوار حضاري

يوضح الباحث والمهتم بالشأن الآثاري ليث سهر للجزيرة نت أن الزيارة ستسهم في فتح باب الحوار الحضاري مرة أخرى، خصوصا وأن العراق قد فقد الكثير من تنوعه عبر الهجرة الكبيرة لمسيحييه وأقلياته الأخرى، لعلها تساهم في الحفاظ على ما تبقى من تنوعه البشري.

زيارة البابا إلى أور مهمة جداُ في هذا الوقت، كما يقول سهر، وستكون نتائجها مهمة وفعالة، فهي ستسلط الضوء على القيم الإنسانية والتاريخية والحضارية لهذه المدينة وحضورها الكبير في التاريخ الإنساني بشكل عام وتاريخ "الأديان الإبراهيمية" بشكل خاص. وهذه الزيارة أيضا قد تشكل منعطفا مهما في مد يد العون للعراق في الحفاظ على إرثه الخالد خصوصا وأن أور لازالت تعاني الإهمال.

Pope Francis in Iraq
في أور الأثرية أقام البابا "صلاة للأديان" (الأناضول)

خطاب تاريخي

وفي استقبال كبير، وصل البابا أور التي يوجد فيها "بيت النبي إبراهيم" وسط حضور لعدد من ممثلي الأديان والطوائف، حيث ألقى كلمته التاريخية التي قال في جزء منها "نحن أحفاد إبراهيم ولا يمكن لأحدنا العمل بمعزل عن الآخر، ولقاء الأديان للتوحيد والإيمان بدأ من هنا، وإبراهيم بدأ من أور وأصبح أبا لجميع الأديان".

ورغم المحاذير الأمنية كان البابا قد وصل الناصرية وألقى خطاب السلام بالقرب من "بيت النبي إبراهيم" ففي معتقد البابا أن هناك حجا مسيحيا وهو الحج الأكبر الذي يبدأ من موطن النبي إبراهيم وينتهي بكنيسة القيامة في القدس.

Cardinal Pietro Parolin, Vatican State Secretary vists Iraq
زقورة أور الأثرية وقد استعدت لزيارة بابا الفاتيكان (الأناضول)

تغطية أمنية وفنية

يؤكد المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد أن الاستعدادات كانت على أتم وجه لإكمال كافة المتعلقات لإنجاح زيارة بابا الفاتيكان، حيث كان هناك جهد حكومي هائل وبمشاركة عدد من المؤسسات الحكومية في إكمال التغطية المتعلقة بالإعلام وتوفير التفاصيل اللوجستية والفنية خلال الزيارة.

ويضيف مجيد، للجزيرة نت، أن الجهد الحكومي كان متوزعا بدءا من مراسم الاستقبال إلى استقبال الوفود الأجنبية التي ستشارك في الفعاليات، إضافة إلى الجانب الإعلامي وإنجاح الخطة الإعلامية للزيارة بشكل عام.

وتشغل زيارة فرانشيسكو العراق والعالم منذ أمس الجمعة حيث وصل بغداد والتقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والمسؤولين العراقيين ثم انتقل لزيارة كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد، وكذلك زيارة مدينة النجف (جنوب بغداد) للقاء السيستاني ورحلته إلى الجنوب لمدينة الناصرية وإقامة القداس والصلاة قرب "بيت النبي إبراهيم" ليكمل بعد ذلك رحلته بالعودة إلى بغداد. وينتظر أن يزور غدا مدينة أربيل (مركز إقليم كردستان) ومحافظة نينوى شمال العراق.

المصدر : الجزيرة