أسيرة محررة تتحدث عن عزل السجينات داخل زنازين مظلمة وكاميرات مراقبة تمنع الخصوصية

الساعة: الثانية عشرة ظهرا.. المكان: الغرفة رقم 9 في قسم 3 من سجن الدامون الإسرائيلي، أما الحدث فهو ضربات بيد ثقيلة على الباب وصوت يصدح "أنسام شواهنة إفراج" ولما سمعتها تمتمت بصوتها النحيل لزميلاتها "دثروني أريد النوم" فهي لم تعتد تصديق الاحتلال.

وبعد ساعات كانت أنسام (23 عاما) عند حاجز الجلمة العسكري شمال الضفة الغربية تتنفس الحرية وتعانق والديها وزميلاتها الأسيرات المحررات، حينها أيقنت أن السجن صار خلفها وأن 5 سنوات عجاف انتهت.

بعد اتصال بها تحضرت أنسام للقائنا بمنزلها في قرية إماتين قرب مدينة قلقيلية (شمال الضفة) كانت لاتزال صورها وأعلام فلسطين تتدلى من شرفة المنزل، ولنحو ساعتين جلست تسرد للجزيرة نت قصة أسر تجرعت علقمها ليالي وأياما طويلة.

وإلى التاسع من مارس/آذار 2016 عادت أنسام لتخبرنا بلحظة اعتقالها عندما حاولت تنفيذ عملية طعن داخل مستوطنة كدوميم قرب قريتها، حيث حاصرها الجنود المدججون وانهالوا عليها ضربا بعد أن قيدوها وخلعوا عنها ملابسها، وللوهلة الأولى أشيع خبر استشهادها وكأنه يقين.

منزل أنسام شواهنة (الجزيرة)

مراقبة وانتهاك

عاشت الفتاة الأسيرة -وعلى مدار 17 يوما من التنقل بين مراكز التحقيق و28 جلسة من المحاكمة- ألوان العذاب الجسدي والنفسي لا سيما في "معبار" (الترحيلات) بسجن الشارون، إذ تفقد الأسيرات فيه خصوصيتهن الكاملة بفعل كاميرات المراقبة واعتداءات السجانين فعلا ولفظا بما يخدش الحياء، وتقول "نمت بكامل حجابي وملابسي، ولم أستحم لأيام عديدة".

إعلان

ويقبع في سجون الاحتلال نحو 40 أسيرة تتراوح أعمارهن بين 19 و60 عاما، ويقضين أحكاما مختلفة.

وبعد 18 شهرا من الاعتقال قضت المحكمة بحبسها 5 سنوات ومثلها مع وقف التنفيذ قضتها بين سجني الشارون والدامون، حيث تعاني الأسيرات قهرا يتمثل بالحرمان من الزيارة وسحب الأجهزة كالراديو والأدوات كهربائية أو تقليص مدة الفورة (الاستراحة) وأسوأ ما فيها العزل.

الحمام.. طاولة تنس

أما المرض فهو عذاب آخر، فالعلاج مسكنات فقط يقدمها طبيب السجن العام، فرؤية الطبيب الخاص أشبه بمعجزة، فحين مرضت أنسام في فبراير/شباط 2019 عاينها طبيب خاص بعد 6 أشهر وطلب منها صورة أشعة أجريت لها بعدها بـ 3 أشهر وتلقت العلاج في يناير/كانون الثاني 2020.

ومع انتشار فيروس كورونا، لم تتخذ إدارة السجن أية إجراءات وقائية خاصة بعملية التعقيم، فقط منحتهم كمامتين صنعتا من "قماش زي السجن".

وقفة تضامن مع الأسيرة المعزولة فدوى حمادة عند دوار الشهداء وسط نابلس (الجزيرة)

وبعد 6 أشهر، وتحديدا في سبتمبر/أيلول الماضي، حصلت الأسيرات على كمامتين أخريين من النوع الطبي، فاستخدمت أنسام واحدة على مدار 6 أشهر وأرجأت الثانية لحين الإفراج.

ورفضا لذلك اعتصمت الأسيرات بساحة السجن 12 ساعة فأغلق السجانون أبواب الغرف ومنعوهن الدخول مما اضطرهن لنصب طاولة التنس وتحويلها لمرحاض بعد أن أسدلن عليها غطاء لستر أنفسهن، فالسجن مراقب بالكاميرات.

وهذه الكاميرات تفقد الأسيرات أدنى الخصوصية، فيخرجن بحجابهن لساحة الاستراحة ويحرمن من التريض.

وخلال الاستحمام يشغلن 4 حمامات من أصل 8 خشية انقطاع المياه، وفوق ذلك فإنها تقع خارج الغرف فأبوابها شفافة ومكشوفة، كما تفتقد الأسيرة أبسط احتياجها خلال "الدورة الشهرية".

وداخل الغرف تجد الأسيرات أنفسهن مكبلات بالاقتحامات المفاجئة للسجانين بحجة "العدد" والتفتيش "فكثيرا ما ننام بثيابنا وخاصة بعد صلاة الفجر".

إعلان

الحق يتحول للعقاب
ويزيد الطينة بلة أن عدَّ الأسيرات يكون 4 مرات يوميا وينفذه سجانون ذكور "لدواع أمنية" وهناك اقتحامان بغرض "السوجريم" وهو الطرق على الجدران والأرضيات للتفتيش عن أي محاولة للهروب.

والطعام الذي تقدمه مصلحة السجون "لا يصلح للبشر" فالخضار بها عطب والدجاج "نتن الرائحة" كونه يُسلق بريشه واللحم بدمه، ونفس الحال بالنسبة لما يبتعنه من "الكنتين" (دكان السجن) لأنه من المصدر نفسه.

والكنتين عقاب آخر للأسرى نتيجة أسعاره الباهظة والمضاعفة التي تستنزف الأسير الذي يحتاج لنحو 500 دولار أميركي كحد أدنى، فأرخص حذاء يصل لنحو 60 دولارا أميركيا، كما يعاقب الاحتلال "بالكنتين" بحرمانهم منه، وفي سجن الدامون أيضا ذاع عن أنسام "موقعة الفأر" وهو حدث تكلل بنجاحها بقتل فأر كبيرة لحظة وصولها للقسم الذي كان "يعج بالصراصير أيضا".

جانب من مشغولات أنسام بالسجن حيث تقضي الأسيرات جزءا كبيرا من وقتهن في صناعة المطرزات والقراءة (الجزيرة)

وتعيش الأسيرات كما لو كن في "العصر الحجري" فلا يمكنهن متابعة دراستهن العليا بسبب غياب كادر التعليم وقلة أعدادهن، فيذهبن لتثقيف أنفسهن بالمطالعة، لكن الاحتلال ضيَّق عليهن وسمح بدخول الروايات فقط ومنع الكتب الأخرى بحجة التحريض.

الأمهات والعزل

والأمل هو غذاء الأسيرات وعددهن 11 أسيرة، وأكثر ما يجدنه في رسائل ذويهن وصورهم وخاصة الأمهات، فهن يتجرعن حسرة لقاء أبنائهن منذ سنوات كالأسيرة الغزاوية نسرين أبو كميل أم 9 أطفال، وإيناس عصافرة أم لطفلين وزوجة أسير محكوم بالسجن المؤبد.

وأكبر انتهاك هو عزل الأسيرات داخل زنازين مظلمة لا يعرفن فيها النهار من الليل، كحال الأسيرتين فدوى حمادة ونوال فتيحة اللتين عزلتا لعدة أشهر.

ونقلت عنهن "في العزل تفقد الأسيرة خصوصيتها مطلقا بفعل كاميرات المراقبة للزنزانة التي يُشرف عليها سجانون ذكور، وتقيد يديها ورجليها عند خروجها لساحة الفورة".

إعلان

حضرت أنسام جسدا بين عائلتها بيد أن الروح عند رفيقاتها الأسيرات، فهي دائمة التفكير بهن "والحمام الزاجل" بنقل أخبارهن لذويهن والعكس عبر الإذاعات المحلية، فالاحتلال يمنع الزيارة متذرعا بفيروس كورونا.

هي ترفض نزع ساعة السجن وأسورة من الخرز صنعتها في المعتقل وتحلقت حول معصمها النحيل، وقريبا ستنقل تجربتها -في الاعتقال- إلى كتاب تدون فيه وجع الأسيرات على حقيقته.

المصدر : الجزيرة

إعلان