عقد على الثورة السورية وملف المعتقلين يراوح مكانه
يختلط السمع في أذنيه بين الآنيّ والماضي، إذ يتكرر فيهما دوما أزيز الطائرات وصرخات المعتقلين في السجن.
يجلس على كرسي ذي عجلات تحت أشعة الشمس ينظر إلى الجهة الجنوبية. هناك حلب مدينته التي عانى فيها محمد رحمو كثيرا قبل أن يصل إلى ريفها عقب رحلة طويلة ظهرت آثارها على جسده ونفسه اللذين لم يسلما مما جرى معه خلال سنوات قليلة مضت.
غارة جوية
كان ذلك اليوم الأخير الذي يسير فيه محمد على قدميه في مدينة حلب، فقد عاش فترة حصار حلب عام 2016 التي تزامنت مع قصف كثيف من قبل النظام السوري وحلفائه، لم ينسَ رحمو ذلك القصف والغارات وما سببه ذلك من خوف وهلع.
يقول للجزيرة نت إن غارة واحدة ما زالت عالقة في ذهنه وجسده، فقد أدت تلك الغارة خلال فترة الحصار إلى إقعاده عن المشي بعد إصابة في العمود الفقري.
ويضيف أن تعرضه لشلل نصفي كان في مرحلة حساسة بسبب الحصار الذي تعيشه مدينته من قبل قوات النظام التي منعت دخول أي مساعدة إنسانية إليها، الأمر الذي حال دون تلقيه للعلاج بالشكل الكافي والمناسب استنادا إلى وضعه الصحي الذي عانى منه بعد غارات النظام وروسيا على حلب.
اعتقال رغم الإصابة
يتذكر محمد خلال حواره مع الجزيرة نت تلك اللحظات التي حوصر فيها حي بستان القصر في مدينة حلب، ويصف بحرقة وألم الخوف الذي عاشه أهالي الحي قبل أن يصل جنود النظام إلى داخله، إذ لم يتمكن من الخروج بسبب إصابته بشلل نصفي قبل وقت قصير من دخول النظام إلى الحي.
ويقول للجزيرة نت إن وجوده على كرسي ذي عجلات لم يمنع عناصر النظام من اعتقاله واقتياده إلى أحد الأفرع الأمنية في حلب، وأضاف أنه تعرض للتعذيب بشكل كبير دون أي مراعاة لوضعه الصحي، فقد أراد عناصر النظام انتزاع اعترافات لأشياء لم يقترفها مثل حمله للسلاح وانضمامه للجيش الحر.
وتحدث عن انتهاكات جسيمة بحقه وبحق مئات المعتقلين الذين كانوا يلقون ما يلقى محمد في ذلك الفرع، كما شرح بعضا من طرائق التعذيب التي استخدموها معه، مثل "الشبح" أي ربطه من اليدين في سقف غرفة التعذيب وتركه معلقا مع ضرب وإهانة، وطرائق أشد قسوة.
سنتان كاملتان قضاهما محمد في أفرع مخابرات النظام السوري بحلب قبل أن يرى النور مجددا بعد أن وجدوا أنه لا يشكل خطرا عليهم، هرب بعدها إلى مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب حيث لا تتمكن قوات النظام من الوصول إليه مرة أخرى، ولا يذوق ما ذاقه أول مرة.
معتقلون منسيون
لم تكن قصة اعتقال محمد مصابا إلا واحدة من آلاف القصص لمعتقلين ينتظرهم أهاليهم وغالبيتهم لا يعرف مصيرهم، وربما وصول رحمو إلى بر الأمان بعد خروجه من المعتقل جعل منه شاهدا وضحية في آن واحد.
فقد كشف عن وجود مئات المعتقلين في المكان الذي سجن فيه، وهذا ما دفع الجزيرة نت لطرق أبواب المنظمات الإنسانية لمعرفة فاتورة عقد كامل للمعتقلين في سجون النظام، حيث أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن انتهاكات مرعبة تجري للمتعلقين. وتقول في تقرير حديث لها إن أكثر من 130 ألف سوري اعتقلهم النظام خلال الفترة من عام 2011 إلى 2021.
وقد جاء في تقرير الشبكة أن النظام مسؤول عن قتل أكثر من 14 ألف معتقل تحت التعذيب، بينهم أطفال ونساء خلال عقد من عمر الثورة.
من جانبه، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إن عمليات الاعتقال التي نفذها النظام تسمى فعليا عمليات "خطف"، لأن الاعتقال لا يتم بطريقة قانونية. كما تبدأ الانتهاكات بمجرد الاعتقال ويتم منعه من التواصل مع أحد، بل إن المعتقل لا يعرف أين يوجد، بأي فرع أو سجن.
وأضاف عبد الغني في تصريح للجزيرة نت، أن نحو 70% من المعتقلين يعتبرون مختفين قسريا لأن النظام ينكر وجودهم لديه أساسا حيث ينقلهم إلى مراكز الاحتجاز السرية.
وأكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان للجزيرة نت أن النظام السوري اعتقل خلال سنوات الثورة مليونا و200 ألف شخص، بقي منهم داخل سجونه أكثر من 130 ألفا، وقال عبد الغني إن الشبكة التي يديرها وثقت 72 أسلوب تعذيب يستخدمها النظام السوري ضد المعتقلين، وأشار إلى عدم وجود أي محاولات جادة من المجتمع الدولي للضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين أو حتى الكشف عن مصيرهم.