فلسطينيون بلا هوية.. سُجناء أحيائهم ومدنهم
للمرة الأولى من 9 سنوات تجازف الفلسطينية هند المصري بمغادرة مدينة نابلس شمالا إلى رام الله وسط الضفة الغربية، فهي لا تحمل بطاقة هوية وتخشى توقيفها على أي حاجز عسكري إسرائيلي وترحيلها خارج البلاد.
جاءت المصري ظهر الأحد لتشارك عشرات النساء والعائلات اعتصاما أمام هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، حاملين شعارات "لم الشمل حقّي" للمطالبة بتحريك الملفات المطالبة بمنحهم بطاقات هوية بعد أن قدموا إلى الضفة بتأشيرات وتصاريح دخول، أو انتقلوا من غزة إلى الضفة للعيش هنا، ورفضت سلطات الاحتلال المصادقة على منحهم بطاقات هوية.
تقول المواطنة البالغة 46 عاما إنها تنتظر الحصول على بطاقة هوية منذ عام 2012 ولم يتسن لها ذلك، وتضيف "نحن موجودون هنا مجازا، نخشى التنقل أو الخروج من المدن أو القرى التي نعيش فيها لأننا لا نملك أوراقا ثبوتية".
المصري أم 4 أبناء حصلوا على الهوية الفلسطينية بناء على مواطنة والدهم. تقول "هي المرة الأولى التي أغامر وأخرج إلى الطرقات خارج نابلس ويدي على قلبي خوفا من أن يوقفني حاجز إسرائيلي، والآن أقف في رام الله ولا أعرفها".
تتحدث عن معاناة سنوات "يكبر فيها أهلي بالأردن ويمرضون ولا أستطيع زيارتهم، ويتزوج أشقائي وينجبون ولا أشاركهم أفراحهم ولا أعرف أبناءهم".
جاءت المصري من الأردن إلى نابلس عام 1999 بتصريح زيارة، وهنا تزوجت قريبها، وتقدم زوجها بطلب لم شملها بالحصول على بطاقة هوية ومواطَنة فلسطينية، لكنها اضطرت للمغادرة والعودة إلى الأردن عند انتهاء مفعول تصريحها مع بداية انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000.
وقد تمكنت وأطفالها من دخول الضفة بتأشيرة سياحية عام 2012، وهنا قررت الاستقرار كي ينتهي شتات زوجها الذي قضى سنوات متنقلا بين الضفة والأردن، وأعادت تفعيل طلب الحصول على لم شمل وبطاقة هوية، لكنها لم تتمكن من الحصول عليها، وهي منذ 9 سنوات لم تزر عائلتها في مدينة الزرقاء في المملكة الهاشمية.
لا أهل ولا عمل
إلى جانبها، وقفت سناء علي (45 عاما) وعندما بدأت برواية معاناتهم بكت. قالت "أعيش هنا منذ عام 2007، ومنذ سنوات طويلة لم أستطع زيارة أهلي في عمّان".
وتقيم سناء في بلدة الرام التي تبعد عن رام الله أقل من 10 دقائق جنوبا، لكنها تقول إنها تخشى التنقل بين المنطقتين لأنها لا تملك بطاقة هوية وتخاف أن يقوم الاحتلال بترحيلها.
سناء لديها 3 أبناء، تقول إن زوجها أصيب بمرض أقعده خلال السنوات الماضية، وكانت بحاجة ماسّة للعمل، إلا أنها لم تجد جهة تشغلها بدون بطاقة هوية.
ولا تتوقف المعاناة على النساء فقط، فالفلسطيني محمود جرادات المولود بالأردن قدم إلى الضفة وتزوج عام 1999، ومنذ ذلك الحين تقدم بطلب لم شمل ما زال معلقا.
يقول جرادات الذي يعيش بمنطقة الخليل جنوب الضفة "عندي 7 أبناء أكبرهم عمره 20 سنة وجميعهم يحملون الهويات الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يقنع الاحتلال بأنني والدهم وأقيم معهم كي أحصل على بطاقة هوية". ويتنقل -كما يقول- من منطقة إلى أخرى بطرق التفافية أو في الجبال كي يتجنب الحواجز الإسرائيلية.
ويعيش هذه المعاناة آلاف الفلسطينيين الذين انتقلوا للعيش أو الزواج من قطاع غزة إلى الضفة، لكن الاحتلال يرفض المصادقة على منح أبنائهم بطاقة هوية فلسطينية، إلى جانب رفضه تغيير مكان إقامتهم، مما يجعلهم عرضة للترحيل.
وتواجه المعاناة ذاتها زوجات أجنبيات وعربيات قدمن إلى البلاد بتأشيرة دخول وتزوجن من فلسطينيين منذ سنوات طويلة، مثل التونسية نور بلقاسم حجاجي التي ارتبطت بفلسطيني وتقيم مع عائلته بمنطقة سلفيت جنوب الضفة منذ 20 عاما بدون أية أوراق ثبوتية.
عقوبات سياسية
وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ قال للعائلات المعتصمة إن الملف الذي يعتبر قضية مدنية وإنسانية حولته إسرائيل إلى ملف سياسي، واستخدمته عقوبة بحق الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية.
وتنص الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على أن توافق حكومة الاحتلال على عدد من طلبات لم الشمل سنويا. لكن الشيخ عاد ليقول إن إسرائيل بدأت بتعطيل هذا الملف منذ عام 2000، مشيرا إلى أنه ما زال مطروحا على طاولة التفاوض مع الإسرائيليين.
وقال الشيخ أيضا إن من حق أي فلسطيني موجود على أرضه الحصول على بطاقة هوية وجواز سفر، وإن كل المحرومين من هويات لهم حق المشاركة بالانتخابات، داعيا المؤسسات الدولية لتحريك هذا الملف والضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلزامها باحترام الاتفاقيات الموقعة بهذا الشأن.
آلاف الطلبات
يقول مسؤول العلاقات العامة في هيئة الشؤون المدنية عماد قراقرة للجزيرة نت إن الاحتلال وافق على منح لم شمل نحو 50 ألف فلسطيني عام 2008 وحتى مارس/آذار 2009 بعد أن تعطلت ملفاتهم وعاشوا معاناة الخوف من الترحيل منذ عام 2000.
لكن حكومة الاحتلال وبتسلّم بنيامين نتنياهو رئاستها منذ عام 2009 توقفت بالكامل عن المصادقة على منح بطاقات هوية لطالبي لم الشمل. وحسب تقديرات قراقرة، فإن الملفات المعلقة السنوات العشر الأخيرة فاقت عشرات الآلاف.
ومن جانب آخر قالت مصادر للجزيرة نت إن ما لا يقل عن 35 ألف زوج أو زوجة أو ابن فلسطيني، أو عربي أو أجنبي متزوجين من فلسطينيين، يعيشون في الضفة وضواحي القدس بدون بطاقات هوية بسبب رفض إسرائيل المصادقة على طلبات لم شملهم بعائلاتهم.