ميديا بارت: الانفصالية أم إجراءات السلامة؟.. لعبة الداخلية الفرنسية لإغلاق المساجد

Police secure a mosque in Creteil near Paris France June 29 2017 after a man was arrested after trying to drive a car into a crowd in front of the mosque. REUTERS/Gonzalo Fuentes
أحد المساجد بفرنسا (رويترز)

قال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن وزير الداخلية جيرالد دارمانان ينتهج سياسة الأرقام على حساب الحقائق عند الحديث عن إغلاق أماكن العبادة المشتبه في كونها "انفصالية"، ويخلط الإغلاق بسبب إجراءات السلامة غير المواتية مع الأمور المرتبطة بالحركات المتطرفة.

وتشير بيانات وزارة الداخلية إلى إجراء ما يقارب 17 ألف عملية تفتيش، أدّت إلى إغلاق 394 مبنى وصفت بأنها "انفصالية"، فضلا عن وضع 89 مسجدا تحت الرقابة، ولكن الصحيفة تتساءل: ما هذه المساجد؟ ولماذا أغلقت؟ لتقول إن وزارة الداخلية ترفض بشكل منهجي إعطاء أدنى عنصر ملموس.

وقال الموقع إن الوزير يترك الأرقام المشوشة تنتشر تحت غطاء من التعتيم، لأسباب إستراتيجية، يفسّرها مكتبه "بمنح الجمعيات فرصة لترتيب أمورها داخليا، وعدم إضعاف أي تحقيقات قانونية"، معتمدا على طريقة مريحة، تسمح بقول ما يكفي لإثارة الشكوك، والصمت عما يثير هجمات الخصوم.

وفي كثير من الأحيان، يستجيب حديث وزير الداخلية -كما يقول الموقع- لجدول أعمال سياسي محدد، فقد أضاف إلى الأرقام السابقة، مثلا أنه "من بين 18 مكانا خضع للمراقبة أغلق 9″، وذلك قبيل جلسة استماع في الجمعية الوطنية مع اللجنة الخاصة المسؤولة عن "مشروع قانون تعزيز احترام مبادئ الجمهورية" المعروف باسم قانون "الانفصالية".

ولذلك، أجرى الموقع تحقيقا بقلم لو سيراه، عن 3 حالات في منطقة سين سان دوني، من ضمن تلك التي تحدّث عنها الوزير لصحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro)، وهي مسجد بري سان جيرفيه "الذي أُغلق في الخريف" بناء على طلب الوزير نفسه و"مسجد سيفران المتطرف جدا" الذي لم يعرف أحد مكانه، ومسجد بوبيني.

إغلاق مسجد بوبيني
قال الوزير إن مسجد بوبيني أغلق بصورة نهائية، وبعد البحث في الموضوع، وجد الموقع أن قصة هذا المكان بدأت عام 2004 بعقد إيجار مع البلدية، سبقتها "فكرة إطلاق حملة تبرعات لبناء مسجد عام 1997″، عطلتها عقبتان كبيرتان هما المال والمشكلات الإدارية.

ويقول يوسف الزاوي، رئيس لجنة تسيير المسجد، إنه في البداية "كانت هناك خيمة كبيرة يصلي الناس تحتها، رغم صعوبة الجو في الشتاء"، وبعد ذلك عثرت الجمعية بمساعدة مجلس المدينة الشيوعي على أجزاء لمبنى قابل للتركيب، بجوار مصنع للصيانة، وركبت مبنى مؤقتا هناك للصلاة في انتظار انتهاء بناء المسجد.

ويقول الموقع إن جمعية مسلمي بوبيني بعيدة كل البعد عن "الانفصالية"، بل إنها معروفة جدا لدى السلطات العامة، وهي تنظم كل عام حفلا لجمع التبرعات في قاعة لمجلس المدينة يحضره المنتخبون.

وبعد حفل الجمعية عام 2019 أصدرت لجنة السلامة الإدارية التي تتحقق من حالة المبنى -كما يقول الموقع- رأيا بشأن أمن المبنى، فقرر المسؤولون عدم صيانته لقرب موعد نهاية بناء المسجد المستقبلي، إلا أن بداية وباء "كوفيد-19" قلبت الأمور رأسا على عقب، فتوقف العمل في المسجد ولم تتم صيانة المبنى.

وقررت محافظة سين سان دوني إغلاق المكان، وقال مسؤول في البلدية إن المحافظة أوضحت لهم أن "الأمر لا علاقة له بقصص الانفصالية"، كما أن أمر الإغلاق الذي وقعه مجلس بلدية بوبيني يشير إلى رأي لجنة السلامة، وحقيقة أنه لم يُنفّذ أي عمل منذ ذلك الحين.

وعندئذ قررت الجمعية الصمت مفضلة التهدئة، وحصلت -كما يقول الموقع- في 15 يناير/كانون الثاني، على رأي لجنة الأمن التابعة للمديرية الإيجابي بشأن افتتاح المسجد الجديد، لاستقبال المصلين بعد 16 عاما من العمل.

غير أن الجمعية اكتشفت بكل ذهول عن طريق الصحافة، أن وزير الداخلية قال إن مسجدهم مشتبه فيه، لأن إمام بانتين السابق الذي فُصل بعد اغتيال أستاذ التاريخ صموئيل باتي خطب فيه، إلا أن هذا العنصر لم يظهر في المرسوم الختامي.

وقد أدان المسؤولون في مسجد بوبيني هذا الكلام وأوضحوا أن الإمام المذكور لم يخطب قط في بوبيني، كما أكد محمد حنيش رئيس مسجد بانتين أن "الصحافة كانت مخطئة"، لأن "إمام بانتين لم يعظ قط ولم يحضر الخطبتين في بوبيني، بل إنه غادر المنطقة بعد الأحداث".

مسجد سيفران "المتطرف جدا"
وعندما أعلن دارمانان في صحيفة "لوفيغارو" إغلاق مسجد "شديد التطرف" في سيفران، كان الجميع سيظن أن المعني هو "مسجد الرادارات" أو مسجد "داعش" كما يُطلق عليه منذ هجمات 2015، لولا أن ذلك المسجد أغلقته البلدية عام 2016، ولذلك بحث موقع ميديا بارت عن المسجد المعني دون جدوى إلى أن أوضحت البلدية له الأمور في النهاية.

ويقول عضو في البلدية "علمنا من مصدر في الشرطة أن المكان المذكور في الصحافة هو مكان بالمنطقة الصناعية"، ومن ثمّ فإن القضية لا تخلو من طرافة، لأن المسجد الوحيد في المنطقة الصناعية في سيفران ملك لجمعية تركية بعيدة كل البعد من أن تكون بؤرة للإرهاب.

والدليل -كما يقول الموقع- أن رئيس هذه الجمعية فاتح ساريكير هو الثالث في المجلس الفرنسي للعبادة وهو تقليديا ثقة لدى السلطات العامة، وقد قال غاضبا "لقد أصبنا بالهلوسة عندما علمنا أن الصحافة تتحدث عنا".

ويبدو أن المكان لم يكن مسجدا بل هو سرادق بني على عجل في موقف للسيارات لاستقبال بعض المصلين في انتظار انتهاء أعمال الصيانة في المسجد المقابل، وقد أصدرت لجنة السلامة أمرا بتفكيكه نظرا لغياب معدات السلامة وقضايا تتعلق بالتركيبات الكهربائية.

وقال ساريكير "لم نعلن السرادق للبلدية وذلك خطأ نعترف به، لكن السلطات تعلم جيدا أنه لا يوجد تاريخ من التطرف وراء كل هذا. لم يذهب أحد من مساجدنا إلى سوريا. يمكن اتهامنا بالمحافظة لا بالراديكالية".

مسجد بري سان جرفي
وبعد كشف الوزير عن مكان العبادة الذي يرغب في إغلاقه في بلدية بري سان جرفي الصغيرة، لم تعرف البلدية المكان المقصود، لأن البلدة الصغيرة ليس فيها سوى مسجد رسمي واحد، ولكن فيها أماكن للصلاة غير رسمية من بينها مسجد تتردد عليه الجالية البنغالية، يعرف باسم "مسجد بنغلاديش"، وقد أُغلق لأسباب تتعلق بوباء "كوفيد-19".

غير أن الاتهامات التي وجهها الوزير عن طريق الصحافة بدا أنها تعني مسجد "التوبة" الذي يقع على بعد 550 مترا من مبنى البلدية، وهو قيد الإنشاء مثل مسجد بوبيني المتعثر منذ وقت طويل، كما يقول رئيسه عبد الغني حدوش.

وبعد إغلاق المكان لأسباب صحية تتعلق بـ"كوفيد-19″ بمبادرة منه، تلقى رئيس المسجد إنذارا من المحافظة، دون أن يعرف السبب، إلا أن ميديا بارت يرى أن ذلك يتعلق بكون الإمام نادر أبو أنس كان واعظا فيه لمدة، وهو مشارك في منصة "السلفية 2.0" التي أطلقتها لجنة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا وتم حلّها قبل أقل من شهرين.

ويقول رئيس المسجد "على الورق، لا علاقة للإغلاق بالشكوك المتعلقة بالانفصالية"، مضيفا "لم يكن لدينا إغلاق لأسباب إدارية، كان بإمكاننا الدفاع عن أنفسنا ضد اتهامات الأصولية، وكنا سنذهب إلى المحكمة لنظهر أن كل هذا هراء".

المصدر : ميديابارت