لاكروا: معتقلات سابقات يروين هول ما عشنه في سجون الحوثيين
معتقداتٍ أنهن محميات بالتقاليد والعرف الذي يقضي بأن الحرب "عمل يخص الرجال"، نظمت النساء اليمنيات سلسلة من الاحتجاجات ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على شمال البلاد منذ أكثر من 5 سنوات، غير أنهن دفعن ثمنا باهظا مقابل ذلك حيث كسرت الاعتقالات التعسفية والخطف والتعذيب والاغتصاب "الحصانة الرمزية" التي حظين بها منذ عقود.
بهذه العبارات لخصت صحيفة لاكروا (La Croix) الفرنسية، تقريرا طويلا للصحفي كانتين مولر، بدأه بقسم لإحدى السجينات السابقات عاهدت فيه الله أن تخبر العالم -إذا عفي عنها وخرجت من هذا "القبر"- عن التعذيب والاغتصاب الذي تمارسه مليشيات الحوثي على السجينات، وذلك "لإنقاذ جميع النساء المحتجزات في سجونهم السرية".
وأوضح الكاتب أن هذه السجينة، وهي سونيا صالح (31 عاما) أم لـ4 أطفال، قضت ما يقرب من عام خلف القضبان في سجون مختلفة في شمال اليمن، وجريمتها الانتماء لمنظمة تناضل من أجل إطلاق سراح سجينات الرأي في المناطق التي يحتلها الحوثيون.
تقول وهي تبكي بحرقة والتنهدات تقطع صوتها "ظللت معصوبة العينين ومقيدة اليدين والرجلين عدة أيام"، وتروي بالتفصيل ما تعرضت له من صعق كهربائي وضرب أثناء الاستجواب مضيفة "كلما لم تعجبهم إجابتي، ضربوني أو صبوا علي الماء البارد".
بعد عدة أشهر، لم تعد الشابة التي اتهمت دون محاكمة وبلا دليل بأنها عميل سري أرسلته السعودية أو الإمارات لإثارة ثورة شعبية، قادرة على التعرف على تفاصيل جسدها الذي أصبح أزرق وأسود بالكامل، مؤكدة أنها كانت غير قادرة على الرؤية والمشي بعدما أنهت فترة اعتقالها.
خط أحمر
لم تتعرض سونيا لمثل هذا العنف قط، رغم أن بلدها ابتلي بالحروب الأهلية والاستبداد منذ ولادتها، حتى إن أي يمني يبلغ 25 سنة يكون قد شهد 14 صراعا مسلحا، ولكن أي حكومة مع ذلك أو منظمة عسكرية أو إرهابية، لم تهاجم النساء جسديا قط، بل ظللن خطا أحمر مشرقا في قلب التقاليد اليمنية التي ترتكز على شرف الأسرة والعشيرة والقبيلة.
تقول سونيا التي لم تستفد من ميثاق الأجداد بعد غزو الحوثيين للعاصمة صنعاء نهاية عام 2014، إن عناصر "الشرطة" الحوثية عصبوا عينيها وصادروا متعلقاتها الشخصية، ثم نقلوها إلى مكان احتجاز لم تتمكن من التعرف عليه.
وتعترف وهي محطمة، بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل عدة رجال، مع أن ذلك من المحرمات الكبائر في المجتمع اليمني الذي ينظر إلى الاغتصاب على أنه إهانة لشرف الأسرة وليس مأساة للضحية فقط.
وتقول "لا أستطيع إخبار أقاربي.. لقد جئت من منطقة ريفية وعائلتي ومن حولي لا يفهمون".
وتقول المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، إن 420 امرأة سُجنَّ بسبب أنشطتهن السياسية منذ وصول الحوثيين نهاية عام 2014 إلى صنعاء، ولم تكن سونيا إلا واحدة منهن لكنها الآن تأمل بعد أن نالت حريتها أن تصل إلى القاهرة -كما تقول- لأن عائلتها نبذتها.
على الجانب الآخر من البحر الأحمر، سبقتها إلى العاصمة المصرية التي تعد أحد مخارج الطوارئ القليلة للناجين من سجون الحوثيين، منذ عامين وفاء محمد الشبيبي، بعد إطلاق سراحها مقابل الإدلاء باعتراف كاذب أمام الكاميرا.
تعيش وفاء (33 عاما) الآن في الطابق السابع من برج "مخيف" محرومة من ضوء الشمس، رغم أنها كانت ضابطة شرطة في صنعاء سابقا، وهي ليست شخصية مجهولة سقطت في مجاهيل النفي القسري، لا عمل لها ولا تجد مدرسة لأطفالها الثلاثة الذين فرت معهم.
لا مكان للديمقراطية
تقول وفاء خلف نقابها الأسود "أحيانا نواجه صعوبة في إطعام أنفسنا، لولا مساعدة المنظمات الدولية وتضامن أسرى الحوثيين السابقين في القاهرة.. نحاول أن ننسى، جئنا من أجل ذلك".
في مركز الشرطة الذي كانت تعمل به وفاء، بعد أن تصاعدت الاحتجاجات، تم استدعاء زملائها للمساعدة في تفريق مظاهرة طلابية في إحدى الجامعات بصنعاء، وعندما عادوا صُدموا مما قامت به شرطة الحوثيين من عنف ضد الجميع بالصعق الكهربائي في مناطق حساسة من الجسم.
تم استدعاء القوة بأكملها لاحقا للانضمام إلى موكب احتجاج مؤيد للحوثيين لتضخيم الصفوف، ولكن وفاء وبعض "الشجعان" رفضوا لأنها كما تقول "في ظل النظام السابق، لم يُطلب منا أبدا القيام بذلك. بعد ذلك، أصبحت هدفهم".
مع مرور الشهور، اشتد القمع وأصبح على "كل ضباط الشرطة الذين كانوا يعملون قبل وصول الحوثيين تنفيذ أوامرهم وإلا فقد يختفي الرجال، أما النساء فيسرحن من الخدمة أولا، ثم يقبض عليهن لأدنى مخالفة".
ومع ذلك خرجت وفاء للتظاهر في شوارع صنعاء ضد ارتفاع الأسعار في أكتوبر/تشرين الأول 2018 رفقة أطفالها، مثل معظم موظفي الخدمة المدنية، وقد "كان الحوثيون يعتقلون الأشخاص دون أي مبرر ويضربونهم رجالا ونساءً".
يقول أحمد المؤيد -أحد رموز حركة أنصار الله الحوثية- "نحن نحظر كل المظاهرات وهي ممارسة مبررة.. نحن في حالة حرب ونتعرض للهجوم ولا مكان للديمقراطية.. لا تتحدث معي عن حرية التعبير. هذه أحلام".
ذكريات مؤلمة
عندما كانت وفاء تتحدث عن ذكرياتها المؤلمة انضمت إليها نورة الجروي (39 عاما)، وهي وزيرة الرياضة السابقة والناشطة في حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فقد هربت هي الأخرى من نير الحوثيين، وقالت باكية "الرجال ماتوا في اليمن، وعلى النساء تولي المقاومة".
جريمة نورة أنها صورت مقطع فيديو ناشدت فيه جميع النساء اليمنيات للمقاومة، تجمع لذلك مئات من النساء في موكب مثير للإعجاب يرتدين ملابس سوداء بالكامل وقطعن شارع التحرير في العاصمة صنعاء، ولم تكن واحدة منهن تتخيل أن تتعرض لسوء المعاملة أو الاعتقال "لأن المرأة محمية تاريخيا في اليمن"، كما تقول نورة.
في ذلك اليوم ألقي القبض على 77 امرأة، ما زال 10 منهن في عداد المفقودات ولا يعرف مصيرهن أو هل قتلن على يد "الزينبيات"، وهن نسوة يستغلهن الحوثيون لمهاجمة النساء الأخريات تفاديا للعار.
وبحسب السجينتين السابقتين، هناك عدة أقسام توظف هؤلاء النسوة، حيث يوجد في أحدها حوالي 5 آلاف امرأة مسؤولة عن قمع مظاهرات النساء واعتقال بعضهن في منازلهن والتجسس عليهن، إضافة إلى إمساك النساء لمنعهن من المقاومة أثناء الاغتصاب أو التعذيب، وفقا لتقرير صدر عن مجلس الأمن الدولي في أبريل/نيسان 2020.
وتؤكد نورة "سواء كانت المرأة اليمنية ضحية أو استخدمت من قبل الحوثيين، فإن كرامتها لم تنتهك قط، وبالتالي لم نعتقد أن الحوثيين سيردون على احتجاجاتنا بوحشية وتعذيب، كل هذا لم يحدث من قبل في تاريخ بلدنا".
ضحايا وجلاد
وتقول أمة الرزاق (34 عاما)، الموظفة الحكومية السابقة، التي وصلت القاهرة في يوليو/تموز الماضي وما زالت تعاني من آثار التعذيب "تعرضت للضرب والصعق الكهربائي في ذراعي وصدري بالقرب من قلبي.. لحسن الحظ نجوت من الاغتصاب. أخبرتني صديقات أن الزينبيات صعقنهن بالكهرباء في أعضائهن التناسلية. كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بذلك".
وقالت أمة الرزاق إن "من يسمى بالقاضي جاءهن في السجن لاختيار النساء، ذات يوم أخذ فتاة تبلغ من العمر 14 عاما وعادت بعد 24 ساعة بكدمات في جميع أنحاء جسدها ولم تستطع حتى الجلوس.. أخبرتني لاحقا أن هذا القاضي المزعوم و4 رجال آخرين اغتصبوها.. أخذوا الفياغرا وأعطوها حبوبا".
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن "النساء اللواتي حملن نتيجة الاغتصاب أجبرن على الإجهاض إما عن طريق تناول الحبوب التي قدمها الحوثيون أو في المستشفى".
وقد تكرر عدة مرات اسم أحد الجلادين ويدعى سلطان زبن، وبحسب اليمنيات الموجودات في القاهرة فهو مسؤول عن تعذيبهن واغتصابهن، وهو ما يؤكده تقرير الأمم المتحدة الذي يصفه بأنه مدير التحقيق الجنائي في صنعاء.
تقول الشاعرة برديس الصياغي "كان هو الشخص الذي اعتقلني شخصيا في اليوم الذي جاؤوا فيه لاختطافي من منزلي. لقد أشرف شخصياً على كل ما وقع لي من تعذيب كما اختار بعض النساء لاغتصابهن بنفسه".
لكن أحمد المؤيد، القيادي بحركة أنصار الله، نفى هذه الاتهامات مدعيا أن "هؤلاء النسوة دفعتهن الإمارات للتجسس ونشر الأكاذيب"، ومعتبرا أن سلطان زبن "رجل طيب ومحترف اكتشف الكثير من شبكات التجسس الإماراتية. لذلك اليوم كل هؤلاء الفاسدين الإماراتيين يستهدفونه بهذه الشائعات الكاذبة".