إغلاق معتقل غوانتانامو .. أي خيارات أمام بايدن؟
كل معتقل يكلف الخزانة الأميركية سنويا ما لا يقل عن 13 مليون دولار
يعتزم مجلس الأمن القومي الأميركي (المعاون للرئيس جو بايدن) تقديم عدة بدائل وخيارات للتعامل مع معتقل غوانتانامو، بحيث سيصدر بايدن على إثرها أمرا تنفيذيا في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
وفي إفادة صحفية، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن بايدن يريد إغلاق المعتقل -الواقع في قاعدة عسكرية بحرية أميركية بدولة كوبا في البحر الكاريبي- خلال ولايته، وقالت إن إغلاقه "بالتأكيد هدفنا ونيتنا".
ومنذ استخدام غوانتانامو معتقلا للمشتبه في تورطهم بقضايا إرهابية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 مر المعتقل بالعديد من المراحل، وفشلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما -الذي كان بايدن نائبا له- في إغلاقه رغم تعهده بذلك.
ويرى ديفيد ماك السفير والمسؤول السابق في وزارة الخارجية أنه من حيث المبدأ ينبغي إغلاق المعتقل، إذ إنه أصبح علامة شديدة السلبية على سمعة الولايات المتحدة عبر العالم.
وحسب مراقبين، تعترض مساعي إغلاق المعتقل 3 عوائق أساسية هي موافقة الكونغرس ومصير المعتقلين والمحاكمات العسكرية.
عائق موافقة الكونغرس
لا يمكن لبايدن أن ينجح في سعيه لإغلاق المعتقل دون دعم الكونغرس، ويُعتقد أن إغلاق المعتقل سيساعد على تحسين بيئة الأمن الأميركي مع استعادة واشنطن دور القيادة الذي تخلى عنه ترامب في الكثير من الملفات الدولية.
وكان الكونغرس قبل 12 عاما قد عارض جهود أوباما لإغلاق المعتقل بعدما اقترح البيت الأبيض نقل السجناء المتبقين إلى الأراضي الأميركية، وهو ما اعتبره الكثير من أعضاء الكونغرس بمثابة تهديد للأمن القومي الأميركي.
وعزا مقربون من أوباما فشله في إغلاق السجن -الأكثر إثارة للجدل- إلى عوائق عدة، من بينها عراقيل وضعها الكونغرس عندما أقر قانونا عام 2011 يسمى "قانون إجازة الدفاع الوطني"، ويتضمن قيودا صارمة على استخدام الأموال العامة لعمليات نقل السجناء إلى بلدانهم أو إلى الولايات المتحدة للمحاكمة.
وقال السفير ماك للجزيرة نت إنه "من حيث التكتيكات السياسية، من الأفضل لإدارة بايدن أن تعمل مع حلفائها الديمقراطيين في الكونغرس لمعرفة ما إذا كانوا يستطيعون طرح اقتراح من جانبهم يتمتع بدعم الحزبين بشأن إغلاق المعتقل".
ويرى ماك أنه يمكن للديمقراطيين "إدخال بند إغلاق المعتقل ضمن مشروع قرار الميزانية الفدرالية، ويتم قبوله ضمنيا، هذه القضية السياسية ذات طبيعة عاطفية وخاصة جدا".
عائق مصير المعتقلين
ورغم عرقلة الكونغرس كل الجهود التي حاول أوباما من خلالها إغلاق المعتقل فإنه أحرز تقدما كبيرا نحو تحقيق هذا الهدف، وفي وقت وصل فيه عدد المعتقلين بغوانتانامو إلى ما يقارب 800 -خلال سنوات حكم الرئيس السابق جورج بوش- نجح أوباما في تخفيض كبير لعدد المعتقلين.
وبوسع إدارة بايدن أن تكمل هذه المهمة بأمان من خلال إدراك الثمن السياسي الكبير للإغلاق، والعمل على إقناع الكونغرس بجدوى هذه الخطوة.
وكانت إدارة أوباما وضعت عملية قانونية وسياسية صارمة لفحص كل سجين واقتراح نقل بعض السجناء للخارج، ولم يبق عند مغادرة أوباما البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2017 إلا 41 سجينا فقط بالمعتقل.
ولا يبدو أن هناك دولا مستعدة للقبول باستلام المعتقلين الباقين الذين يوصفون بأنهم "الأكثر خطورة"، كما يرفض الكونغرس بشدة محاولات نقل أي معتقل إلى سجون داخل الأراضي الأميركية.
وحتى اليوم، لا يزال المعتقل موجودا ويقبع فيه عدد من المتهمين بالإرهاب، على رأسهم خالد شيخ محمد الذي يوصف بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول.
ويكلف كل معتقل الخزانة الأميركية سنويا ما لا يقل عن 13 مليون دولار وفقا لدراسات خدمة أبحاث الكونغرس.
معضلة المحاكمات العسكرية
في اليوم الأول من حكمه أصدر أوباما بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2009 أمرا تنفيذيا لوكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" (CIA) بالتوقف عن التعذيب خلال التحقيقات، وإغلاق المعتقل في غضون عام واحد.
ووافقت السلطات القضائية العسكرية الأميركية -التي تراجع أوضاع المعتقلين- على نقل 10 معتقلين إلى دول أخرى، وأجازت سلطة المحاكم العسكرية بالفعل نقل 5 معتقلين إلى دولهم الأصلية، لكن بسبب تعنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لم يتم نقلهم.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ماك -الذي يعمل حاليا خبيرا بالمجلس الأطلسي- إلى أن "التجربة أظهرت أن إجراءات القضاء العسكري أقل فعالية بكثير من نظام المحاكم الأميركية المادية العادية".
وأضاف أن النظام القضائي العادي "نجح في محاكمة الإرهابيين الأجانب، في حين أن الجيش في معتقل غوانتانامو ليس جيدا في محاكمة الحالات المعروضة عليه، كما أن عملية السجن والمحاكمة العسكرية تشكل عبئا باهظ التكلفة على ميزانية البنتاغون".
وفي هذا السياق، كتب محامي قانون الحروب بوزارة الدفاع الأميركية بنجامين فارلي في موقع "جاست سكيورتي" (Just Security) "إدارة بايدن في وضع جيد لاتخاذ خطوات ملموسة نحو تنظيف وصمة غوانتانامو على سمعة أميركا، واستعادة القيادة العالمية الأميركية القائمة على القيم والحريات".
وحسب مراقبين، ربما يمنح مرور كل تلك السنوات منذ 2001 -دون وقوع عمليات إرهابية كبرى- فرصة للرئيس بايدن لتنفيذ وعده الانتخابي الأكثر صعوبة.