الحريري بذكرى اغتيال والده يهاجم الرئيس عون.. كيف تعيق "أزمة الثقة" تشكيل الحكومة بلبنان؟

مراقبون يرون أن خطاب الحريري ثبّت "أزمة الثقة" المتجذرة بينه وبين رئيس البلاد ميشال عون والتي تقود تلقائيًا لأزمة النظام اللبناني

Lebanon's caretaker Prime Minister Saad al-Hariri chats with Lebanon's President Michel Aoun during a military parade to mark the 76th anniversary of Lebanon's independence at the Ministry of Defense in Yarze, Lebanon November 22, 2019. REUTERS/Mohamed Azakir
الحريري (يمين) وعون في مناسبة رسمية سابقة (رويترز)

بينما تستمر حالة التأزم السياسي في البلاد، فتح رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري النار على رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، وذلك في خطابٍ ألقاه في الذكرى الـ16 لاغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري يوم 14 فبراير/شباط 2005.

تأتي ذكرى الاغتيال الذي شكل منعطفًا مصيريا بتاريخ البلاد، لأول مرّة بعد أن دانت المحكمة الدولية في لاهاي يوم 18 أغسطس/آب 2020 اللبناني سليم عياش، أحد أعضاء جماعة حزب الله، باغتيال الحريري، وهو ما دفع نجله سعد للقول "هذا الحكم سيُنفذ، وعياش سيُسلم مهما طال الزمن"، كما حذر من استئناف مسلسل الاغتيالات، وربطه بالاغتيال الأخير الذي امتد للباحث والناشر والناشط المعارض لحزب الله لقمان سليم في الرابع من الشهر الجاري.

"الحريرية السياسية"

ودافع الحريري في خطابه عما يوصف بـ"الحريرية السياسية" التي أرساها والده بعد وصوله لرئاسة الحكومة (1992)، وذكّر من يهاجمها (أي فريق عون) أنها "أوقفت الحرب الأهلية وأعادت لبنان إلى خريطة العالم"، وتابع "أنتم ما هي إنجازاتكم؟ ماذا فعلتم للبلد وللناس؟".

ومن هذا المنطلق، صوّب الحريري مباشرة على الرئيس عون عبر الكشف عن مسار المفاوضات المتعثرة التي دارت بينهما خلال 16 لقاء كان آخرها يوم الجمعة، بعد أن مضى نحو 4 أشهر على تكليف الحريري لتشكيل الحكومة يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وتمحورت عقدة تشكيل الحكومة على النقاط الآتية: الثلث المعطل، وعدد الوزراء، وتسمية الوزراء المسيحيين، وآلية توزيع الحقائب الوزارية.

وجاء هذا الخطاب لأول مرة بعد الفيديو المسرب عن القصر الجمهوري والذي كشف اتهام عون للحريري بـ"الكذب" خلال محادثته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فأتى ردّ غير مباشر من الحريري بالقول "كمية الكذب والخرافات التي أُطلقت لا تطاق".

وشرح الحريري أن تشكيلته الحكومية التي تستند إلى المبادرة الفرنسية، مؤلفة من 18 وزيرا من الاخصائيين غير الحزبيين، وراعت الأسماء الواردة في اللائحة التي قدمها له عون في لقائمها الثاني بعد التكليف، فأراد بذلك أن يدحض نفي عون سابقا تسليمه أي ورقة تتضمن تشكيلة حكومية.

واستفاض الرئيس المكلف بخطابه حول إشكاله الجوهري مع الرئيس عون، رافضا اتهامه بالاعتداء على حقوق المسيحيين، كما ربط تعثر تشكيل الحكومة بإصرار عون على نيل الثلث المعطل (أي الحصول على 7 وزراء بدل 6 حسب طرح الحريري). ومن جملة الأسئلة التي وجهها "لماذا يريد الثلث المعطل؟ مما يخاف؟ إلا إذا كان هناك خلف الستارة من يحرك ويشجع، ليقل لنا بوضوح".

ورأى مراقبون أن خطاب الحريري ثبّت "أزمة الثقة" المتجذرة بينه وبين رئيس البلاد، والتي تقود تلقائيًا لأزمة النظام اللبناني في ظل تراشق الاتهامات والنزاع على الصلاحيات الدستورية، وكأن كل طرف يقرأ الدستور من منظاره السياسي، بما يقضي على أي أملٍ في انفراجٍ قريب.

التدقيق الجنائي

وسارع بيان القصر الجمهوري بالرد على الحريري، مشيرًا إلى أنه "تناول ملابسات تشكيل الحكومة وضمّنها مغالطات كثيرة"، معتبرًا أن الأخير "يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق".

وأسفر خطاب الحريري عن موجة ردود سياسية وشعبية من فريق الرئيس عون، وكان عنوانها المطالبة بـ"التدقيق الجنائي"، وأطلقوا وسم (هاشتاغ) #الحريري_إلى_التدقيق، فغرّد نائب التيار الوطني الحرّ البرلماني (برئاسة جبران باسيل) سليم عون قائلًا "وحده التدقيق الجنائي يكشف الحقائق، ويفصل بين الحق والباطل ويفرز بين مسبّبي الأزمة والمؤهلين لحلّها"، مضيفًا "إلى التدقيق الجنائي درّ من دون تشاطر ومراوغة".

وهنا، يعتبر عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحرّ وليد الأشقر أن "الحريرية السياسية التي أرساها والد الحريري هي من تتحمل مسؤولية ما وصل إليه البلد"، وأن "سعد الحريري عرّج على المشكلة الأساسية عبر التلهي بما دار بينه وبين الرئيس عون، بينما يتهرب من تشكيل حكومة منعًا لفرض التدقيق الجنائي على طاولتها".

وأشار الأشقر في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحريري غير قادر على المزايدة بحقوق المسيحيين أو أي طائفة مغبونة أخرى، مؤكدًا أن عون يلعب دوره في الحفاظ على الدستور، "في حين أن الحريري يريد أن يصادر كامل صلاحياته، بعدم إعطاء المسيحيين حقوقهم بأي تركيبة حكومية يعرضها عليه".

وقال الأشقر إن الحريري تسلم لوائح بأسماء الوزراء الدروز (من الحزب التقدمي الاشتراكي) والشيعة (من الثنائي الشيعي: حزب الله وحركة أمل)؛ بالمقابل، عمل على تقزيم دور رئيس الجمهورية فقط بعدم مشاركته في تسمية أسماء الوزراء المسيحيين.

وذكّر أن الحريري سبق أن أعطى عون الثلث المعطل في الحكومة التي شكلها عقب انتخابه في 2016، و"لم يستخدمه عون حينها بطريقة خاطئة".

"كشف حساب"

لكن الصحفي والمحلل السياسي محمد نمر وصف خطاب الحريري للجزيرة نت بـ"كشف حساب" لمصارحة اللبنانيين بشأن حقيقة مشاوراته مع الرئيس عون، "الذي يخالف الدستور لمجرد فرض تشكيلته الحكومية على الرئيس المكلف".

ويرى نمر أن الحريري يستند لدعم فرنسي وحاضنة عربية وغربية خلافًا لعون "المعزول دوليا بعد العقوبات الأميركية على باسيل"، ويتهمه بتحويل رئاسة الجمهورية إلى منصة لفريقه السياسي، معتبرًا أن رد رئاسة الجمهورية جاء فارغ المضمون.

وبرأي المحلل السياسي، فإن الحريري وضع خريطة طريق لتشكيل الحكومة مدعومة بعاملين: أولًا، ضرورة المصالحة مع المجتمعين الخليجي والدولي لاستعادة ثقة الخارج بعيدًا عن الرضوخ للمحور الإيراني. وثانيًا، أن يملك فريق الحكومة القدرة على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كشرط لحصول لبنان على المساعدات الخارجية.

ويعتبر النمر أن خطاب الحريري كان مفصليًا بتأكيده أن زمن التنازلات قد ولّى، ويستبعد إقدامه على الاعتذار لاحقًا عن تشكيل الحكومة، "لأنه أعاد ترسيخ شروطه باعتبار أن الحكومة لا بد لها أن تتشكل كأحد الشروط الدولية التي حملها الحريري من جولاته الخارجية".

الاستعصاء

وفي المحصلة، وجد مراقبون أن الفجوة بين عون والحريري صارت كبيرة لدرجة تعيق إمكانية التلاقي من جديد، في ظل تمسك كل طرف بموقفه وشروطه، في حين وجدها آخرون امتدادا للصراعات الإقليمية، وفي طليعتها الصراع الإيراني الأميركي.

وهنا، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي علي شكر أن الحريري ارتكز على التسويق لنفسه كشخصية قادرة على التواصل مع الخارج استنادًا لجولاته الأخيرة بين الإمارات ومصر وفرنسا، لا سيما أن المجتمع الغربي والعربي عبّر عن استعداده لمساعدة لبنان، شرط تشكيل حكومة تحظى بشفافية الأداء وتقوم بالإصلاحات المطلوبة منها.

واعتبر شكر في تصريح للجزيرة نت أن أي تسوية خارجية لن تنعكس بحل على الساحة اللبنانية ما لم تعمل القيادات السياسية على التوافق الداخلي، "بينما عبّرت عن عجز كبير على ذلك".

وقال شكر إن الوضع اللبناني متشابك على المستويين الداخلي والإقليمي، معتبرا أن الخارج ينشغل عن لبنان بأولويات أخرى، في حين أن القوى الداخلية التي تجيد لعبة الوقت تنتظر معطى إقليميا جديدا، "مما يعني أن حالة المراوحة العقيمة مستمرة، وتبشر اللبنانيين بمزيد من الأزمات سياسيا وأمنيًا واقتصاديا".

المصدر : الجزيرة