ميديا بارت: غضب مسلمي فرنسا ضد قانون الانفصالية وميثاق الأئمة يطفو على السطح
دعوة لإنشاء منتدى يدعو إلى إنهاء الإجراءات "الاستثنائية" التي تستهدف الفرنسيين المسلمين، "كل يوم يكونون موضع جدل، ويفترى عليهم من قبل شخصيات سياسية لا ضمير لها أحيانا".
قال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن غضبا غير مرئي ضد السياسات المناهضة للمسلمين بدأ التبلور، في الوقت الذي أعلن فيه عن مظاهرة حاشدة اليوم الأحد في باريس، رغم تشتت جهود التعبئة بعد حظر الجماعة التي كانت وراء مظاهرة 2019 ضد الإسلاموفوبيا.
وأوضح الموقع في مقال بقلم لو سيراه، أن رد فعل المسلمين الفرنسيين كان تحت الرقابة منذ شنّ الحكومة هجومها على ما تسميه "النزعة الانفصالية"، إلا أن الرفض غادر المساجد أخيرا، والريح تجري ضد مشروع "ميثاق الأئمة"، وهو وثيقة مكتوبة بإملاء من السلطة التنفيذية من قبل حفنة من المسؤولين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يريدها الرئيس إيمانويل ماكرون أن تصاحب هيكلة الإمامة في فرنسا.
وقال الموقع إنه كشف في ديسمبر/كانون الأول الماضي كيف تحول هذا النص -الذي كان من المفترض أن ينظم وظيفة الإمامة في البلاد- إلى مخطط جاهز يستهدف جميع المسلمين في فرنسا؛ مما جعل 3 من اتحادات المساجد الثمانية الأعضاء في المجلس الفرنسي للعبادة الإسلامية، ترفض بشكل قاطع التوقيع عليه رغم الأبهة الكبيرة التي قُدّم بها في الإليزيه.
وقتها رد وزير الداخلية جيرالد دارمانان بالتهديد في الصحافة، قائلا "سننظر إلى ما سيحدث في دور العبادة التي يديرونها…"، إلا أن الأمر الآن -كما يقول الموقع- لم يعد يتعلق بـ3 اتحادات، بل بمئات المساجد التي انضمت إلى جبهة الرفض.
وقام الأربعاء الماضي 500 من الأطر الإسلامية -بينهم "100 إمام و50 مدرسا للعلوم الإسلامية و50 من رؤساء الجمعيات و300 من طلاب العلوم الإسلامية"- بإنشاء منتدى يدعو إلى إنهاء الإجراءات "الاستثنائية" التي تستهدف الفرنسيين المسلمين.
معارضة تتبلور
ومن بين الموقعين في هذا المنتدى -كما يقول الموقع- شخصيات دينية توافقية للغاية وأخرى أكثر صرامة، ويقول "منبر الكرامة" "لا تخضع أي طائفة أخرى للمعاملة نفسها والتجريم نفسه، حيث تُساءل الجمعيات ودور العبادة ووجهاء الدين من أجل توصيل رسالة ما". وذلك في إشارة إلى التهديدات التي أطلقها وزير الداخلية بعد 3 أيام من اغتيال أستاذ التاريخ صموئيل باتي، عندما أعلن الوزير حل جمعيات وتفتيشها من "دون أن تكون بالضرورة على صلة بالتحقيق" في الاعتداء، "ولكن رغبة في إرسال رسالة".
ويتوجه نقد هذا المنتدى أيضا -حسب الموقع- إلى الشكل الذي اختارته الحكومة لتمرير "ميثاق الأئمة"، حيث إن المجلس الفرنسي للعبادة الإسلامية من منظور الموقعين "كيان لا يعترف بشرعية تمثيله سوى 7.21% من مسلمي فرنسا"، وبالتالي فإن "فرض شروط للسيطرة السياسية والأيديولوجية لا تقبلها أي طائفة أخرى يعد سابقة خطيرة".
وحسب الموقع، فإن النقد الموجه لهذه الهيئة ليس جديدا، حيث تزايد انتقاد افتقارها إلى التمثيل منذ أنشأها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، خاصة مع محاولات الحكومات المتعاقبة استخدام هذه الهيئة لأغراض سياسية، إلا أن الوضع هذه المرة -كما يرى ميديا بارت- يبدو أكثر حساسية، حيث حسمت معركة "ميثاق الأئمة" أمر القطيعة التي كانت قائمة نظريا بين ما يسميه المسلمون "إسلام القصر" الممثل في مسجد باريس الكبير، و"الإسلام الميداني" الممثل في مساجد مستقلة خارج الأجندات السياسية.
وأشار الموقع إلى أن هذه المعركة عجلت أيضا بالقطيعة بين الاتحاد المحلي والاتحادات الوطنية، حيث نظم بعضها -رغم أنه تابع للمجلس الأعلى للديانة الإسلامية- اجتماع أزمة مستنكرا "الشغف الغريب" بكتابة هذا النص و"الغياب التام للتشاور"، وأعلن ابتعاده عن المشروع.
وعدّد الموقع كثيرا من المساجد في مختلف المدن الفرنسية التي سارت في الطريق نفسها التي تهاجم ميثاق الأئمة وقانون "الانفصالية"، موضحا أن تشكيل مجموعة من 100 مسجد من المعارضين "للميثاق" لم يكن بالأمر السهل، خاصة أن "العديد من المساجد كانت تخشى رؤية أسمائها معروضة"، كما يقول أحد وكلاء التعبئة لجمع التوقيعات، مضيفا "اليوم وصلنا إلى 175 موقعا".
ويقول المتحدث السابق باسم جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا ياسر اللواتي إن "خلافا بدأ يبرز بين المساجد وأتباعها"، ولذلك لم يعد لديها خيار سوى التموضع في النقاش".
واليوم بعد شهور من الصمت -حسب ميديا بارت- بدأت الأفكار تتبلور حول كيفية معارضة الحكومة، وانتشرت المبادرات على الشبكة، مثل وسم #لا تلمس إمامي، الذي أطلقه اتحاد "ميلي غوروس" الذي تراقبه الحكومة منذ رفضه التوقيع على "ميثاق الأئمة"، كما أطلق بعض المسلمين وسم #لن نسكت، مع شعار مرسوم على لافتات على نموذج الدعوة إلى تحرير فتيات المدارس الثانوية المختطفات في نيجيريا من قبل بوكو حرام.
تعبئة مشتتة
ويقول إمام مسجد شامبيري فريد سليم "إنه مجتمع ليست لديه ثقافة التعبئة، إنها حقيقة جديدة بالنسبة له"، مشيرا إلى الخوف من الانتقام الذي من المرجح أن يشكل عائقا أمام مشاركة المسلمين الفرنسيين.
وكان إمام شامبيري وقّع على دعوة للتعبئة نشرتها في السابع من فبراير/شباط الجاري منسقية مناهضة لقانون الانفصالية، ووقعتها مجموعات مختلفة، من بينها الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام، و"كتيبة مناهضة رهاب الزنوج"، وشخصيات منخرطة في حوار الأديان كالحاخام غابرييل هاغاي، وأكاديميون مثل فرانسوا بورغات والصحفي آلان غريش.
ومن المقرر تنظيم مسيرة اليوم الأحد 14 فبراير/شباط في في تروكاديرو بباريس، في ساحة حقوق الإنسان، كما أعلن عن أخرى في 20 مارس/آذار القادم، وذلك بالتزامن مع إنشاء حركة أخرى، هي "الجبهة ضد الإسلاموفوبيا" التي تضم نحو 20 جمعية تأسست حول عالم الاجتماع سعيد بوعمامة، وهي تدعو إلى مسيرة يوم 21 مارس/آذار المقبل.
وعلى هذا الأساس، يرى ميديا بارت أن التعبئة في الشارع -إذا تأكدت- ستكون مشتتة، ويقول إمام مسجد "بيساك" عبد الرحمن رضوان إن "مجال المقاومة ضد هذا القانون المعادي للإسلام انقسم إلى قسمين أو 3". وأيا كان السبب فإن عبد الرحمن رضوان قرر التوقيع على جميع المنتديات ودعوات التعبئة التي تعرض عليه.
والسبب في ذلك -كما يقول عبد الرحمن رضوان- هو "ضرورة استثمار كل الحركات لأن ما يحدث أمر خطير؛ فنحن أمام قانون مزدوج يُعد لنا، ويجب على الفرنسيين أن يفهموا أن هذا يهمنا جميعا. المسلمون فيه مستهدفون اليوم وقبلنا كانت حركة السترات الصفراء".