الرئيس الأفغاني المنصرف: غادرت كابل لأنني لم أرد أن أصبح بشار الثاني ومفاوضات واشنطن كانت لأجل الانسحاب وليس السلام

كابل- بعد 5 أشهر من انهيار الحكومة الأفغانية السابقة، أجرى الرئيس المنصرف محمد أشرف غني مقابلة مطولة مع رئيس أركان الدفاع البريطاني السابق الجنرال نك كارتر حول الأحداث الأخيرة.
تناول غني -في المقابلة التي بثت على "بي بي سي" (BBC)- مجموعة من القضايا بما في ذلك المفاوضات مع طالبان في إطار اتفاق الدوحة، ومشاكل الحكم، والسياسات الأميركية، وانهيار الجيش، وسقوط العاصمة كابل يوم 15 أغسطس/آب، ومغادرة البلاد، واتهامات بنقل الأموال إلى الإمارات، وما شابه ذلك.
مغادرة كابل
كان غني ومستشار الأمن القومي حمد الله محب ومسؤولون آخرون يؤكدون على بقائهم في العاصمة والدفاع عنها، وأنهم لن يسمحوا بانهيار الجمهورية، وسوف يقدمون الغالي والنفيس في الدفاع عن الحكومة.
لكن الرئيس المنصرف غير رأيه، موضحا أنه قرر مغادرة أفغانستان لـ 4 أسباب رئيسية:
الأول: منع وقوع الحرب الأهلية بين الطرفين، ويقول غني إنه لا يريد أن يكون بشار الأسد الثاني في إشارة إلى الرئيس السوري، لأن التمسك بالسلطة معناه استمرار الحرب في شوارع كابل" منوها بأنه يتفهم غضب الشعب بشأن سقوط النظام وانهيار الجيش.
الثاني: عدم إعطاء الشرعية لحكم طالبان، بحيث إنه لو قرر البقاء في كابل ووصلت الحركة إلى السلطة فمعناه أنه يضفي الشرعية على حكمها. ويصف وصول طالبان إلى السلطة بالانقلاب، ويتهمها بانتهاك اتفاق الدوحة الذي ينص على نقل السلطة بصورة سلمية إلى جهة محايدة.
الثالث: تأكيد أنه انسحب من المشهد حتى يمهد الطريق لتسوية سياسية في المستقبل لأن طالبان لا تستطيع جلب السلام والوحدة الوطنية، مبرزا أن ما يحتاجه البلد هو سلام حقيقي.
والسبب الأخير، يوضح غني أنه لم يكن يريد أن تحقق المخابرات الباكستانية حلمها بقتل رئيس أفغاني آخر (في إشارة إلى إعدام الرئيس الأسبق نجيب الله عام 1996 بعد وصول طالبان إلى كابل).
ويقول الرئيس المنصرف "الأسوأ من ذلك أن يخضع الرئيس لاستجواب من قبل مسلحي طالبان، مغادرتي غيرت المشهد برمته".
لكن السبب الرئيسي لمغادرته، يشرح غني، هو انهيار القوات المسلحة، ويقول "جاء جميع وزراء الأمن ومستشار الأمن القومي وأبلغوني أن قواتنا قد انسحبت ولا يمكنهم الدفاع عن العاصمة وأن مسلحي طالبان على الأبواب" وهذا تعارض صريح مع اتفاق الدوحة حسب الرئيس السابق.
ويقول عبد الكريم خرم مدير مكتب الرئيس الأسبق حامد كرزاي للجزيرة نت "مقابلة الرئيس المنصرف مع الجنرال نك كارتر رئيس أركان الدفاع البريطاني السابق مليئة بالتناقضات، مثلا يتحدث عن مغادرته البلاد منعا لإراقة الدماء، وفي مكان آخر يوضح بأن المستشار الأمن القومي أجبره على المغادرة لأن حياته في خطر".
الثقة العمياء
يعترف غني -في أول مقابلة من نوعها- بأن الثقة العمياء في الشركاء الدوليين لمحاربة طالبان كانت في غير محلها، وأن المفاوضات الأميركية مع طالبان كانت لأجل الانسحاب وليست لأجل سلام أفغانستان.
يقول طارق فرهادي المستشار السابق لغني للجزيرة نت إن الرئيس كان هو القائد الأعلى للقوات المسلحة لكنه لم يعرف عن سقوط مدينة خوست وجلال آباد شيئا ولم يعلم أين يتوجه" مبرزا بأن ذلك يدل على أن هناك شخصيات تشرف على مجريات الأمور وليس هو.
وأضاف بأن هذه المقابلة كانت مخيبة للآمال لأن الرئيس المنصرف لم يعتذر إلى الشعب، وهو الذي أرسل 60 ألف جندي إلى ميدان المعركة ومعظمهم خسروا أرواحهم، ولم تكن لديه خطة لإنهاء هذه الحرب ومغادرته أثبت أنه كان يثمن حياته لا حياة جيشه وشعبه.
ويتهم غني الولايات المتحدة بتهميش دور حكومته في المفاوضات بين طالبان وواشنطن، وأن القوات التي وصلت كابل كانت لتأمين المطار الدولي، ولم تكلف بالدفاع عن العاصمة.
ويشرح غني "في الصباح، اتصل بي وزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي، وقال إن طالبان تخطط للهجوم على العاصمة ولا يوجد الدعم الجوي، وأخبرني وزير الخارجية الأميركي بتجميد الأموال الأفغانية خشية وقوعها في أيدي الحركة".
يقول الكاتب والمحلل السياسي ملك ستيز للجزيرة نت "الرئيس المنصرف يتحدث عن دور الولايات المتحدة والناتو في إسقاط حكومته، ولا يتحدث عن دوره وإستراتيجيته في كل ما حدث، ولا يتحمل مسؤولية ما يحدث الآن في أفغانستان ولم يستطيع أن يقنع الرأي العام في البلاد".

خليل زاده المتهم
يتهم الرئيس المنصرف المبعوث الأميركي السابق إلى البلاد زلماي خليل زاده بجعل المفاوضات قضية أميركية بحتة و"تم تهميشنا بالكامل، ولم تتح للحكومة الفرصة حتى تجلس مع طالبان".
ويقدم غني المشورة لطالبان بعقد مجلس "لويا جيرغا" بشأن حل الصراع في البلاد، موضحا بأنها تستطيع رسم المستقبل السياسي لأفغانستان.
يقول الكاتب الصحفي حكمت جليل -للجزيرة نت- إن الشرعية المحلية طريق للحصول على الشرعية الدولية، وحتى الرئيس السابق كرزاي عرض على طالبان عقد "لويا جيرغا" لمنح طالبان الشرعية.
ويضيف بأن غني يقدم نفس العرض، وطالبان لم ترفضه بشكل حاسم، وصمتها دليل على أنها تريد عقد "لويا جيرغا" لأنها ضرورية لإضفاء الشرعية.