لوبس: بعد 30 عاما من نهاية الاتحاد السوفياتي.. العدو لم يمت بعد
بوتين يعتقد اعتقادا جازما أن إحياء "العدو" السوفياتي القديم هو السبيل إلى اكتساب الاحترام.
لا تزال روسيا في عهد رئيسها فلاديمير بوتين أحد الأبطال الرئيسيين في "اللعبة الكبرى" الجيوسياسية على مستوى العالم، وهي بالمواجهة التي بدأتها مع أوكرانيا وغيرها هذا الشهر تواصل سعيها لإرغام الغرب على الاعتراف بمجال نفوذها، ومن ثم تغيير قواعد اللعبة الدولية.
تقول مجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسية إن "التهديد" باختفاء أحد أعمدة التوازن الإستراتيجي للقرن الـ20 دقّ أجراس الإنذار في الغرب، حتى إن الرئيس الفرنسي وقتئذ فرانسوا ميتران بدا متأثرا لدرجة أن نظيره السوفياتي ميخائيل غورباتشوف هو الذي كان يهدّئ من روعه أثناء اتصال هاتفي بينهما في أواخر ديسمبر/كانون الأول 1991 أيام تفكك الاتحاد السوفياتي.
وتحت عنوان "بعد 30 عاما من نهاية الاتحاد السوفياتي.. العدو ما زال حيا"، يقول بيير هاسكي في عموده بالمجلة إن تفكك الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاما وما آل إليه من فوضى أوحى بفكرة "فقدان العدو" التي ثبت في البداية أنها صحيحة، حتى إنها سميت "نهاية التاريخ"، ولكنها لم تصمد إلا قليلا، قبل أن تولد روسيا بوتين من أنقاض دولة بوريس يلتسين المختلّة وظيفيا والغارقة في الكحول، وتتحول إلى خصم للغرب إن لم نقل إلى "عدو".
وتساءل الكاتب: هل كان الغرب مخطئا عندما تناسى في ذلك الوقت المفصلي أن الروس كانوا روسا، أي ورثة إمبراطورية عظيمة مرت بها فترة شيوعية بالفعل، ولكنها ما زالت إمبراطورية وما زالت أيضا روسية، أم إن عودة القومية الروسية كانت حتمية في صورة هذا الطموح الإقليمي الذي يقوم على شخصية قائد تدرب في مدرسة بجهاز الاستخبارات السوفياتي "كيه جي بي" (KGB) الذي لا يؤمن إلا بصراعات القوة الرجولية؟
تعديل مساحة النفوذ
ليس هذا مجرد نقاش بين المؤرخين -كما يقول الكاتب- بل هو خلفية المواجهة الجديدة التي بدأتها موسكو منذ ديسمبر/كانون الأول بشأن أوكرانيا وغيرها لإرغام الغرب على الاعتراف بمجال النفوذ الروسي، ومن ثم تغيير قواعد اللعبة الدولية.
ويبدو أن مصير أوكرانيا في قلب هذا التوتر الذي يحمل في طياته كل مقومات الحرب، مع أن العقلانية تدعو إلى عدم اندلاعها لتبقى في حدود ما يحدث منذ 7 سنوات في إقليم دونباس، خاصة أن "استقلال أوكرنيا عام 1991 -كما تذكر الباحثة ألكسندرا غوجون- يفسّر داخليا على أنه نتيجة قتال طويل ضد قوى أجنبية، مثل روسيا وبولندا اللتين كانتا دائما تطمعان في احتلال الأراضي الأوكرانية أو تحتلانها بالفعل.
غير أن السياق الأكبر -كما يرى كاتب العمود- هو التحولات العالمية، مع ظهور الصين والاعتراف بوجود قوى إقليمية متطورة والشك في أن الولايات المتحدة ما زالت قوة عظمى أو أنها لا تزال ترغب أن تبقى كذلك، ومن ثم فإن توازن القوى يخضع للاختبار في كل نقطة تلتقي فيها الصفائح الجيوسياسية، لتعديل مساحة النفوذ بين الجهات الفاعلة القديمة والجديدة.
وخلص الكاتب إلى أن روسيا بعد 30 عاما من نهاية الاتحاد السوفياتي ما تزال أحد الأطراف الرئيسة في هذه اللعبة العالمية الكبرى، وأن من الممكن مواجهة بوتين دون النظر إلى روسيا على أنها "عدو"، لأن الرئيس الروسي يعتقد اعتقادا جازما أن إحياء "العدو" السوفياتي القديم هو السبيل إلى اكتساب الاحترام.