"قاعدة صينية" في الإمارات.. هل باتت أبوظبي حليفا "مشكوكا فيه" لواشنطن؟

واشنطن – أطلق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) -عن بناء الصين منشأة عسكرية في دولة الإمارات- صفارات إنذار في واشنطن تجاه مصداقية الحليف الإماراتي، وقدرته على المناورة والمخاطرة بعلاقته القوية مع الولايات المتحدة الأميركية.
وكشف التقرير عن إفشال واشنطن السعي الصيني لبناء القاعدة العسكرية في الإمارات، قبل ساعات من بدء وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن جولة في دول خليجية.
وفي إفادة صحفية الخميس الماضي، لفتت مسؤولة أميركية بوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إلى أن "التركيز على التحديات التي تفرضها الصين لا يعني مغادرة المنطقة"، موضحة أنه "رغم التساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بالمنطقة، فإنها تحتفظ بعشرات الآلاف من الجنود في عدد من القواعد".
يذكر أن للصين عددا محدودا من القواعد العسكرية في الخارج، من بينها قاعدة عسكرية بحرية في جيبوتي منذ عام 2017، وذلك بهدف تسهيل العمليات حول المحيط الهندي وأفريقيا.
وعززت الصين خلال السنوات الأخيرة، علاقاتها الاقتصادية مع الإمارات، وأصبحت واحدة من أكبر شركائها التجاريين في المنطقة، كما عززت الإمارات تعاملها مع شركة "هواوي" (HUAWEI) الصينية التي تحظرها واشنطن لمخاوف تتعلق بعلاقاتها بالحزب الشيوعي والجيش الصينيين، ومخاوف من عمليات تجسس واسعة تتهم بها الشركة.
تأمين ضد الانسحاب الأميركي
وفي حديثه مع الجزيرة نت، اعتبر وليام لورنس -المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والمحاضر بجامعة جورج واشنطن- أن الحديث عن بناء الصين قاعدة عسكرية في الإمارات صحيح في الأغلب، مضيفا أن "الإمارات تريد تنويع علاقاتها الأمنية، وهو ما يعد خطوة جيدة نظريا، إلا أنهم توقفوا خوفا من الغضب الأميركي".
من جانبها، أشارت أيرينا توسكرمان -خبيرة شؤون الأمن القومي- إلى أن خبر بناء القاعدة لم يفاجئها، مشيرة إلى أن "الصين تبحث عن النفوذ العسكري والتجاري على حد سواء في الخليج، وتستغل الفراغ الذي يسببه التراجع الأميركي ورغبة واشنطن في الانسحاب من المنطقة".

وفي حديثها للجزيرة نت، اعتبرت توسكرمان أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بدأت هذا المسار بالدعوة لسحب القوات الأميركية من المنطقة، كما أن التفكير المنفرد لإدارة بايدن -الذي يسعى إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي الإيراني- زاد أيضا من الانقسام الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وأكدت الخبيرة أن بكين تبحث عن أي فرصة لزيادة وجودها العسكري على الأقل كمنافس للولايات المتحدة، إن لم يكن دفعها لمغادرة المنطقة بصورة كبيرة، حسب قولها.
تحالف وتقارب
وعن منطق الإمارات في السعي للتقارب مع الصين في الوقت الذي يجمعها تحالف عميق بالولايات المتحدة، أشارت ترسكرمان إلى أن الإمارات تؤمن بأن وجود علاقات مع المتنافسين الجيو-إستراتيجيين يضعها في موقف مفيد، حيث تتنافس القوتان على النفوذ وتقدمان للدولة الحليفة أهمية أكبر في سعيهما للهيمنة، من خلال الحوافز المالية والسياسية والاقتصادية.
ولم يكن هذا ليحدث، حسب قولها، في وضع اعتقدت فيه الإمارات أن الولايات المتحدة مستعدة لممارسة نفوذها وحماية المنطقة بصور واضحة، فعندما تسمح الولايات المتحدة بإضعاف قوتها، فإن حلفاءها سوف يجدون من المفيد التفاوض والتقارب مع الآخرين.
مستقبل الـ"إف-35″
وفي السياق، انتهت خلاصة تحليل استخباراتي أميركي إلى أن خطوة الإمارات -التي تستضيف آلاف الجنود الأميركيين وتسعى لشراء طائرات مقاتلة متقدمة من طراز "إف-35" (F-35) وطائرات مسيرة متطورة- تركت شكوكا في مصداقية الحليف الإماراتي عند واشنطن.
لكن حتى الآن، لا دليل على أن ما أشير إليه كقاعدة عسكرية صينية سيكون له أي تأثير على المبيعات المقررة من طائرات "إف-16" (F-16) والطرازات المتقدمة من الطائرات المسيرة التي ترغب دولة الإمارات في الحصول عليها.
وأشارت ترسكرمان إلى أنه "وعلى عكس تركيا، التي اشترت نظم صواريخ "إس-400″ (S-400) مباشرة من روسيا، لم تشتر الإمارات بعد أسلحة قادرة على المنافسة مع مثيلتها الأميركية، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن أبوظبي ستتقاسم التكنولوجيات العسكرية الحساسة مع بكين".

بدوره، لم يستبعد المسؤول السابق بوزارة الخارجية وليام لورانس أن تؤثر الأنباء الأخيرة على سعي الإمارات للحصول على مقاتلات "إف-35″، والطائرات المسيرة المتقدمة، مؤكدا أن المعارضة لها داخل الكونغرس ستتصاعد بعد هذا التطور.
من جانبها، طالبت ترسكرمان أن يكون خبر اهتمام الصين بالوجود العسكري في الخليج بمثابة "دعوة للاستيقاظ حتى تعيد إدارة بايدن النظر في الإشارات التي ترسلها إلى حلفائها"، محذرة من أن "الإمارات أو غيرها إن اقتنعت بأن الولايات المتحدة ليست حليفا يمكن الاعتماد عليه ومستعدة للتضحية بمصالحها الأمنية من أجل الاتفاق الإيراني، فإنها ستلجأ إلى آخرين لضمان أمن إضافي وقدرة على المناورة بسهولة أكبر من الناحية الجيوسياسية".
يذكر أن أبو ظبي وواشنطن تجمعهما علاقات عسكرية قوية تتضمن مبيعات ضخمة من الأسلحة المتطورة، وبرامج تدريب وتخطيط إستراتيجي ومناورات مشتركة. وطبقا لبيانات وزارة الخارجية، فقد مدت الولايات المتحدة الإمارات بأسلحة قيمتها 28.1 مليار دولار منذ 2014.
وتصنف الولايات المتحدة الإمارات العربية المتحدة على أنها "حليف رئيسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)". كما وقعت الدولتان عام 1994 اتفاقية تعاون دفاعي بقيت بنودها سرية حتى الآن.