لوبس: بين المسلمين والكروات والصرب.. شبح الحرب يخيم من جديد على البوسنة

تطور الأمور بالبوسنة حاليا يشي بأن هذا البلد ربما يتحول إلى إحدى الجبهات الساخنة في الحرب الباردة الجديدة التي يتجابه فيها الأميركيون من جهة والصينيون والروس من جهة أخرى.

Bosnia and Herzegovina commemorates 25th anniversary of Srebrenica massacre, in Potocari
الكاتب: حرب البوسنة لم تندمل جراحها بعد (رويترز)

في عام 1995، أنهى ما عرف آنذاك بــ" اتفاقيات دايتون" حرب البوسنة الدموية، وبعد 26 عامًا، ما زالت النزاعات المفتوحة تهدد بأن تؤدي إلى مواجهة جديدة وتفكك دولة البلقان الهشة.

بهذا الملخص بدأ الموفد الخاص لمجلة لوبس L’Obs الفرنسية إلى العاصمة البوسنية سراييفو جان بابتيست نودي تقريرا يدق ناقوس خطر تدهور الأوضاع في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

لم يعد أي شيء يسير على ما يرام في البوسنة والهرسك التي اخمدت اتفاقيات دايتون حريقها بشكل سيئ، وهي الآن مرشحة للاندلاع من جديد، فهنا في سراييفو يقول هذا المراسل الأجنبي الذي غطى الحرب الأخيرة هناك (1992-1995)، يسأل البوسنيون القلقون "هل تعتقد أنها ستندلع مرة أخرى؟" يعنون الحرب الأهلية، ليجيب بأن ذلك لم يعد مستبعدا، فكل شيء يمكن أن يتدهور، فتستأنف الأعمال العدائية التي توقفت في عام 1995 بين الصرب (السلاف الأرثوذكس) والبوسنيين (السلاف المسلمين) أو حتى الكروات (السلاف الكاثوليك)، مما ستنجم عنه عواقب لا يمكن التنبؤ بها لأوروبا والعالم أجمع، وفقا للمراسل.

وفي سراييفو، يقول المراسل، ورغم شلل الحياة العامة، وما ينتاب الناس من ركون للأمر الواقع ومخاوفهم من الحياة اليومية الصعبة، والتي تفاقمت بسبب كوفيد-19، فإن البعض قلق بشأن بعض الأحداث التي شهدها البلد في الآونة الأخيرة.

فعلى جدران العاصمة البوسنية، تجد أيادي مجهولة قد كتبت "أنا مع السلام"، كما وضع آخرون ملصقات تحث على الدفاع عن الأراضي البوسنية وتشجع على التجنيد بعبارات مثل "أنت أيضًا مطلوب للدفاع عن البوسنة".

وفي الخفاء، يقول بابتيست نودي، يتم تداول الكثير من الأسلحة، ويمكن في مقابل 200 يورو شراء كلاشينكوف.

ويذكر المراسل أن الجميع في هذا البلد يتذكر تلك الحرب التي أودت خلال 3 سنوات بحياة أكثر من 100 ألف شخص ونزوح مليوني لاجئ، مشيرا إلى أن اتفاق دايتون لعام 1995 لم يحسم أي شيء.

ويؤكد أن ما تم التوقيع عليه آنذاك لم يكن معاهدة سلام، بل مجرد خطة معيبة وغير مكتملة أنهت الصراع، دون نزع فتيل العديد من القضايا المتفجرة.

ويضيف أن اتفاق دايتون قسم البوسنة منطقتين، كل منهما تتمتع بحكم ذاتي، واحدة للصرب من جهة، والأخرى للبوسنيين والكروات، وقد أعاد الاتفاق توحيد الجمهورية دون أن يلمها معا، وذلك ما يعكسه غياب الانسجام في المؤسسات المشتركة القليلة التي لا تعمل أو لا تفعل شيئًا يذكر، إن هي عملت أصلا.

ويرى المراسل أن الأزمة ورغم أنها تختمر منذ دايتون، فإنها تفاقمت مؤخرًا بشكل حاد، ففي برميل البارود البوسني غالبًا ما تأخذ شرارات اليوم الصغيرة مظهر الكوميديا ​​البشعة، فلا تلفت الانتباه رغم ما تنطوي عليه من مخاطر، خصوصا مع استمرار تصاعد التوترات.

فبعد أن وصف نفسه بأنه "مؤيد لأوروبا" و"ديمقراطي اجتماعي" من أجل الوصول إلى السلطة، هدد ميلوراد دوديك، زعيم صرب البوسنة، الذي يتمتع عموما بدعم صربيا وروسيا القوية، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالانفصال عن البوسنة.

وهذه التصريحات القومية المشوبة بالشعبوية ليست جديدة بالتأكيد، لكنها، وفقا للمراسل، تأتي الآن على خلفية إنكار الجرائم ضد الإنسانية والمجازر الجماعية للحرب، ويستخدمها دوديك داخليًا لصرف الأنظار عن قضايا الفساد التي تشوه "النخبة" من رجال أعمال وسياسيين ونسيان الركود الاقتصادي الذي تعاني منه المنطقة. (حوالي 30% عاطل عن العمل).

 

وقد أعلن دوديك أن جمهورية سيربسكا (صرب البوسنة) ستبدأ بالخروج من بعض المؤسسات المشتركة التي من المفترض أن تعطي البوسنة المنقسمة مظهر دولة موحدة، وعلى وجه الخصوص، ستترك الأنظمة القضائية والصحية والضريبية المشتركة.

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق، حسب الكاتب، هو أن دوديك أعلن أن صرب البوسنة سينسحبون "في غضون بضعة أشهر" من القوات المسلحة البوسنية وأنهم ينوون تشكيل جيشهم مرة أخرى. وهنا يمكن القول إن المفكر الألماني كارل ماركس لم يكن صادقا في كل ما قاله، وخصوصا عندما قال التاريخ يعيد نفسه مرتين "المرة الأولى كالمأساة، والمرة الثانية كمهزلة".

وقد حاول دوديك أن يكون مطمئنًا فأوضح أن قراراته "الخطيرة" لا تعني أبدا أنه سيكون هناك "ولن تكون هناك حرب ولا إمكانية للحرب"، كما لو أن الإصبع الذي تم وضعه الزناد، لم يكن تاريخيا في كثير من الأحيان إصبع الزعماء السياسيين الذين استغلوا القومية كأداة، فكل شيء سيحدث "بسلاسة"، حسب زعمه.

وهنا يشير المراسل إلى أن الرد الرسمي على تهديدات الزعيم الصربي كان ضعيفا، إذ بدأت النيابة العامة في سراييفو، العاجزة تماما أمام جمهورية سيربسكا، تحقيقا قضائيا في قضية دوديك المتهم بـ "تقويض النظام الدستوري".

كما أصدر رعاة اتفاقية دايتون بالولايات المتحدة، التي فرضت بالفعل عقوبات على دوديك في عام 2017 بسبب عراقيله لخطة السلام، تحذيرًا له، ولكن دون اتخاذ أي إجراءات إضافية.

وعبر الاتحاد الأوروبي في بيان مقتضب، عن قلقه إزاء ما يقوم به أولئك الذين يفترض أنهم صمام أمان وحدة البلاد بالتعبير، وهو ما أصبح مزحة في سراييفو، وأصبح الناس هناك يفضلون الضحك منه حتى لا يبكون.

فبينما تدعم موسكو وبلغراد سرًا المحاولات الخطيرة لزعزعة استقرار البوسنة المتذبذبة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي وعلى نطاق أوسع ما يسمى بـ "المجتمع الدولي" يتعامل مع هذا الأمر الخطير باستخفاف.

وفي الختام، حذر الكاتب من أن تطور الأمور بالبوسنة حاليا يشي بأن هذا البلد ربما يتحول إلى إحدى الجبهات الساخنة في الحرب الباردة الجديدة التي يتجابه فيها الأميركيون من جهة والصينيون والروس من جهة أخرى.

المصدر : لوبس