ميديابارت: قمة المناخ.. ماكرون ولعبة النفاق المزدوجة
دمج الطاقة النووية والغاز في التصنيف الأخضر للاتحاد يأتي لجذب الأموال الخاصة مع ضمان رفع تهمة تلويث المناخ عن الشركات التي تستغل هذه الطاقات الخطرة. هذه هي حقيقة الالتزام الفرنسي بالمناخ
في خطابه الافتتاحي في قمة المناخ الـ26 بمدينة غلاسكو، حث الرئيس الفرنسي نظراءه على رفع طموحاتهم المناخية، ولكن وثيقة أوروبية مسربة أظهرت أن فرنسا تسعى -بتحالف مع القومي فيكتور أوربان في المجر والحكومة البولندية المؤيدة لأنشطة الفحم- إلى تصنيف الغاز الأحفوري والطاقة النووية على أنهما "طاقة خضراء" من قبل الاتحاد الأوروبي.
وفي مقال مشترك بين ميكائيل كوريا وجاد ليندغارد، قال موقع "ميديابارت" (Mediapart) الفرنسي إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتردد -أثناء كلمته في قمة المناخ بغلاسكو- في تقديم الدروس للعالم، رغم الإدانتين الأخيرتين ضد حكومته بسبب تقاعس مجلس الدولة والمحكمة الإدارية بباريس عن العمل من أجل المناخ، مشيرا إلى أن "فرنسا والاتحاد الأوروبي يفيان الآن بالالتزامات للحفاظ على الاحترار العالمي عند +1.5 درجة مئوية.
وقال ماكرون "نحن نعلم أن هدفنا هو 1.5 درجة مئوية في نهاية هذا القرن وإننا بعيدون من ذلك لأن مسارنا الحالي يقودنا إلى 2.7 درجة مئوية. مفتاح عملنا الجماعي هو أن تكون هناك في الأيام المقبلة التزامات كافية للعودة إلى 1.5 درجة مئوية"، وأضاف أن على الدول الأكثر مساهمة في الانبعاثات -والتي لا تتفق إستراتيجياتها الوطنية مع هدفنا المتمثل في 1.5 درجة مئوية- أن تزيد من طموحاتها في الأسبوعين المقبلين".
باريس دخلت تحالفا غير مسبوق مع دول أوروبا الوسطى المؤيدة للغاز وغير المهتمة بالمسائل المناخية، مثل جمهورية التشيك والمجر وبولندا
تحالف الغاز والطاقة النووية
غير أن وثيقة لم تكن للنشر تظهر -في خضم حلم النجاح أثناء قمة غلاسكو- سياسة مناخ فرنسية مختلفة تماما عما يروج له الرئيس، كما يروي المقال، وهي عبارة عن صفحتين بسيطتين تم تسريبهما وتقترحان إجراءً مفوَّضا (نص قانوني ملزم صادر عن المفوضية الأوروبية) يطالب بتسمية الغاز الأحفوري والطاقة النووية "طاقة خضراء" من قبل الاتحاد الأوروبي.
ويأتي ذلك في وقت تبنت فيه بروكسل خطة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% بحلول عام 2030 من أجل أن تقود الاتحاد الأوروبي إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ومن بين التدابير التي اتخذتها السلطات الأوروبية إنشاء تصنيف أخضر، من أجل وضع نظام تصنيف بيئي للأنشطة الصناعية المختلفة لإعادة توجيه التدفقات المالية الخاصة نحو المشاريع المتوافقة مع أهداف المناخ الأوروبية.
ومع أن المفوضية الأوروبية تبنت -في أبريل/نيسان 2021- سلسلة من الإجراءات المفوضة المتعلقة بالجانب المناخي للتصنيف الأوروبي؛ فإن الغاز الأحفوري والطاقة النووية لم يتأثرا بهذه النصوص القانونية لأنهما يخضعان لمناقشات مكثفة لم يتم البت فيها بعد، علما أن الدولة العضو المسؤولة عن هذه المناقشات الساخنة هي فرنسا، كما يوضح المقال.
وقد أقامت باريس تحالفا غير مسبوق مع دول أوروبا الوسطى المؤيدة للغاز وغير المهتمة بالمسائل المناخية، مثل جمهورية التشيك والمجر التي يحكمها القومي فيكتور أوربان وبولندا التي تحكمها حكومة محافظة ترفض وضع حد لعمليات تعدين الفحم الضخمة، والسبب وراء ذلك أن باريس تطلب دعم هذه الدول لها من أجل تصنيف الطاقة النووية على أنها متوافقة مع المناخ، وذلك في الوقت الذي يستعد فيه ماكرون للإعلان عن إعادة إطلاق الطاقة النووية بحلول نهاية العام الجاري 2021.
تحالف إيمانويل ماكرون مع "بولندا الفحم" و"تشيك الغاز"، يظهر أن هوسه نووي وليس مناخيا، وليس من مسؤوليته أن يضحي بطموح المناخ الأوروبي مقابل الطاقة النووية غير القادرة على مواجهة تحديات العقد
ويعد تضمين الغاز الأحفوري كطاقة خضراء "انتقالية" ضمن التصنيف الأوروبي سوء فهم مناخي، كما يقول الكاتبان، لأن العلماء توصلوا منذ عام 2015 إلى أنه للحد من تغير المناخ، يجب ترك أكثر من نصف احتياطيات الغاز دون استخراج، كما دعت الأمم المتحدة إلى تخفيض إنتاج الغاز بنسبة 3% سنويا للحفاظ على الاحترار العالمي عند +1.5 درجة مئوية.
ويقول باس إيكهوت -عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الهولندي- إن "فرنسا كانت صريحة بشأن دعمها لإدراج الطاقة النووية في التصنيف الأوروبي. وشوهد العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين في دول شرق الاتحاد الأوروبي لدعم هذا الاقتراح. إنه تحالف "قذر". لقد ذهب الضغط الفرنسي بعيدا جدا".
وأشار الكاتبان إلى أن الفرنسي باسكال كانفين -رئيس لجنة "البيئة" في البرلمان الأوروبي- أعلن موقفه العلني الداعم لتصنيف الغاز والطاقة النووية من قبل الاتحاد الأوروبي على أنهما طاقات خضراء.
هوس نووي لا مناخي
وعلق يانيك جادو -عضو البرلمان الأوروبي في حزب الخضر والمرشح البيئي للانتخابات الرئاسية الفرنسية- بأن "تحالف إيمانويل ماكرون مع "بولندا الفحم" وتشيك الغاز"، يظهر أن هوسه نووي وليس مناخيا، وليس من مسؤوليته أن يضحي بطموح المناخ الأوروبي مقابل الطاقة النووية غير القادرة على مواجهة تحديات العقد".
ويرى البعض في بروكسل أن المقترح المسرب الذي يدعو إلى تصنيف الغاز الأحفوري والطاقة النووية على أنهما طاقات خضراء، بعثه ممثل فرنسا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد اتصل موقع "ميديابارت" بالممثل الفرنسي لدى الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية ولكنهما رفضا التعليق على الوثيقة المسربة.
وسيسمح الإجراء المقترح باعتبار أن حوالي نصف محطات الطاقة الحالية -التي تعمل بالغاز في الاتحاد الأوروبي- "خضراء"، وبافتتاح محطات غاز جديدة حتى عام 2030، وهما مقترحان يتناقضان تماما مع الأهداف المناخية لاتفاقية باريس وأحدث توصيات وكالة الطاقة الدولية لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050.
وختم الكاتبان بما قالته ماري توسان -النائبة الفرنسية عن الخضر- من "أن دمج الطاقة النووية والغاز في التصنيف الأخضر للاتحاد يأتي لجذب الأموال الخاصة مع ضمان رفع تهمة تلويث المناخ عن الشركات التي تستغل هذه الطاقات الخطرة. هذه هي حقيقة الالتزام الفرنسي بالمناخ".