تصريحات قائد الجيش البريطاني.. هل هي للاستهلاك الإعلامي أم تمهيد لحرب مع روسيا؟
لندن- ألقى قائد أركان الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر بتصريحات ثقيلة هزت الأوساط الأمنية والعسكرية في بريطانيا وأوروبا، عندما حذر من احتمال نشوب حرب مع روسيا.
ولم يتوقف الأمر عند التحذير من حرب محتملة مع روسيا، بل إن الجنرال البريطاني اعتبر أن هذه الحرب باتت أقرب من أي وقت مضى، مدفوعة بالأحداث الحاصلة شرق أوروبا وآخرها أزمة اللاجئين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا.
وتتقاطع تحذيرات قائد الجيش البريطاني -المقبل على الرحيل من منصبه بعد أزمة الانسحاب من أفغانستان- مع تحذيرات مشابهة لعدد من المسؤولين السابقين في المخابرات الخارجية البريطاني "إم آي 6" (MI6)، ومن بينهم المفتش العام السابق للمخابرات الخارجية كريستوفر ستيل الذي قال إن روسيا "تعتقد أنها في حرب مع المملكة المتحدة".
نذر حرب
لم يتوقف الأمر عند التصريحات فقط، بل تعدّاه إلى التحرك على الأرض، حيث كشفت صحيفة "ميرور" (Mirror) البريطانية عن خطة لإرسال 600 جندي من القوات الخاصة إلى أوكرانيا، بسبب المخاوف من تحرك عسكري روسي نحو جارتها الشرقية.
وبحسب الصحيفة، فإن الخطة تقوم على إنزال هؤلاء الجنود في أوكرانيا في غضون ساعات، بعد رصد أي تحركات عسكرية روسية.
هذه الخطة ما هي إلا استمرار لحالة التوتر بين الطرفين، بعد أسابيع من مناوشة بحرية كادت أن تتطور لمواجهة بين حاملة طائرات بريطانية وسفن حربية روسية أطلقت قنابل تحذيرية قرب السفينة العسكرية البريطانية في البحر الأسود، وهي المنطقة نفسها التي يقوم فيها حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) بمناورات عسكرية.
وتتصدر بريطانيا المعسكر الأوروبي في مواجهة روسيا، ومحاولات التمدد، وهو ما يجعلها دائما في حالة تأهب، بناء على اتفاق مع واشنطن، يقوم -بحسب تحليلات عسكرية- على تفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين مقابل تولي المملكة مواجهة النفوذ الروسي.
وتختلف تقديرات المحللين لمدى إمكانية نشوب حرب بين لندن وموسكو، أو ما يسميها البعض بالحرب "شبه الباردة" بين الطرفين التي لا تقوم على المواجهة العسكرية المباشرة، هذا الاختلاف يظهر في تقديرات المحللين الذين تواصلت معهم "الجزيرة نت" بين من يعتبر أن المواجهة باتت أقرب أي من وقت وبين يستبعدها تماما.
خطر حقيقي
بكثير من الحذر، يتحدث كريس دويل المحاضر في العلاقات الدولية والقيادي في تجمع "أوقفوا الحرب"، عن الوضع في شرق أوروبا، واصفيا إياه "بالساخن والمؤهل للمزيد من التصعيد"، مستبعدا في الوقت ذاته أن يكون أي من روسيا أو المملكة المتحدة راغبا في الحرب، "لكن لا يمكن تأكيد غياب مؤشرات الحرب".
واعتبر الخبير البريطاني -في حديثه مع الجزيرة نت- أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن الرئيس الأميركي جو بايدن منشغل الآن مع الصين، وفي ألمانيا هناك مرحلة انتقال السلطة بعد ميركل، وتعيش فرنسا على إيقاع التحضير للانتخابات الرئاسية العام المقبل، "ولهذا فإن بوتين يريد استغلال هذا الوضع، وليس هناك سوى المملكة المتحدة التي لها حساسية عالية في أي تحرك روسي نحو أوروبا".
ودعا كريس إلى اتخاذ تحذير رئيس الأركان البريطاني على محمل الجد، "لأن بوتين لديه سجل من التدخلات العسكرية في أوكرانيا ودول الجوار، كما أن العقوبات الأوروبية لا تزعجه كثيرا، ولهذا فهو يرى أنها الفترة المناسبة للتحرك وتعزيز نفوذه".
ويزداد الوضع تعقيدا بسبب "غياب أي تحرك حقيقي للخروج من الأزمة عن طريق الدبلوماسية"، وأيضا "الرغبة البريطانية في إظهار قدرتها على قيادة حلف الناتو والتعاون مع دول أوروبا الشرقية لإرسال رسالة بأنها ما زالت مؤثرة في الساحة الدولية، حتى بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي".
وتوقع كريس أن تدفع بريطانيا "نحو الرد بقوة في حال تحركت روسيا باتجاه أوكرانيا، وكلما زاد التوتر زاد هامش الخطأ، وأي رسالة خاطئة من أي طرف قد تؤدي إلى الحرب، فالحرب في النهاية هي مفاجأة غير متوقعة وغير محسوبة".
الحل الدبلوماسي
وعلى النقيض من رؤية كريس التي تحذر من احتمال نشوب "مواجهة عسكرية محدودة"، يتجه البروفيسور طاهر عباس الأستاذ في معهد الأمن والقضايا العالمية (ISGA)، إلى أن الأمر لن يصل إلى "لغة السلاح".
ويصف البروفيسور طاهر عباس -في حديثه مع الجزيرة نت- تصريحات رئيس أركان الجيش البريطاني بأنها "للاستهلاك الإعلامي والسياسي"، مؤكدا أنها "بعيدة عن الواقع لأنه لا الظرفية ولا الرأي العام يسمحان بأي تحرك عسكري، سواء روسي أو بريطاني، وقادة البلدين لا يفكران في أي مواجهة عسكرية".
وذهب عباس إلى أن ما يقلق الغرب في المقام الأول "هو قضية الطاقة، لأن أوروبا ترى أن بوتين يستغل هذه الورقة من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية توسع نفوذه في المنطقة".
ويتفق طاهر عباس مع كريس دويل في كون الوضع بين "بريطانيا وروسيا جد معقد، ومن الصعب حله على المدى القريب، لكنه بالتأكيد سيجد طريقه للحل بالطرق الدبلوماسية".