مصدر فيروس كورونا.. لوبس: هل تسترت الصين؟ وما دور ترامب؟
العالم قدّم بعض العناصر التي تسهم في تقويض النظرية السائدة عن أصل الفيروس الطبيعي، خاصة أن مديرة المركز شي جنغلي مشهورة بدراسة الفيروسات التاجية المرتبطة بالخفافيش.

في يناير/كانون الثاني 2020، اكتشف العالم -وسط كثير من الرعب- الفيروس الذي ينشر الموت في مدينة ووهان الصينية، وتحدث علماء الفيروسات عن تخطيه حواجز النوع، وكتب 27 عالما في رسالة إلى مجلة "لانسيت" أن "من ادعى لهذا الفيروس أصلا غير الطبيعة يعد من مروجي نظرية المؤامرة"، إلا أن الأميركي جامي ميتزل -المتخصص في مجال التكنولوجيا الحيوية- شكك في أصل هذا الفيروس، ورأى أن ما قاله العلماء "كان من باب الدعاية والترهيب".
وأجرت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية مقابلة مع هذا العالم الذي زار مدينة ووهان، وهو متخصص في الجغرافيا السياسية، وخدم في مجلس الأمن القومي الأميركي، وسألته أورسولا غوتييه عن مصدر سارس كوف-2 المسبب لكوفيد-19: هل الطبيعة أو مختبر ووهان الصيني؟ ليقول إن العلم وحده لا يكفي للإجابة عن هذا السؤال، بل لا بد من معرفة الصين والإستراتيجية الشاملة لبكين.
وترى المجلة أن خبرة هذا العالم الموسوعي الذي لا يخلو من شجاعة -حسب رأيها- هي التي جعلته يحمل عالميا لواء المشككين في الأصل الطبيعي للفيروس المسبب لكوفيد-19، ومن القائلين إنه "تسرب من مختبر"، خاصة أنه كان مستشارا لمنظمة الصحة العالمية بشأن إدخال تعديلات على الجينوم البشري، وهو يحمل شهادة دكتوراه في تاريخ جنوب شرق آسيا، وعاش فترة هناك.
يقول ميتزل إن ما كشفته أخيرا "المجموعة المستقلة للتحقيق في أصل كوفيد-19" (دراستيك) من وجود طلب للتمويل صادر عن مختبر ووهان عام 2018 من بين أمور أخرى، تجعل هذا المختبر في قلب السؤال عن مصدر الفيروس، ويقدم بعض العناصر التي تسهم في تقويض النظرية السائدة عن أصل الفيروس الطبيعي، خاصة أن مديرة المركز شي جنغلي مشهورة بدراسة الفيروسات التاجية المرتبطة بالخفافيش.
ميتزل: الصين فعلت كل ما بوسعها منذ الأيام الأولى للوباء لخنق القضية، بحيث تم إسكات كل مصادر التحذير وتنظيف الشبكات الاجتماعية ومنع العلماء من التعبير، فلم يجد العلماء البيانات اللازمة لإجراء تقييم علمي؛ ونتيجة لذلك شعر الباحثون بأنهم ليسوا قادرين على استخلاص النتائج ففضلوا الصمت
طلب مثير للريبة
هذا الطلب الذي رُفض -كما يقول العالم الأميركي- موجه إلى وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، ويسعى للحصول على 14 مليون دولار لإجراء تجارب تعديل وراثي على كورونا الخفافيش، وبالتحديد لإدراج موقعين في "آر إن إيه" الفيروس التاجي لجعله قادرا على إصابة الخلايا البشرية، غير أن الغريب هو أن فيروسا يحمل نفس المواصفات المقترحة للتعديل الوراثي ومختلفا عن كل فيروسات كورونا ظهر بعد سنة ونصف السنة تقريبا في مدينة ووهان الصينية التي تستضيف معهد علم الفيروسات المذكور.
ومع ذلك، لا يرى ميتزل أن في هذا دليلا قاطعا على أن معهد علم الفيروسات في ووهان هو الذي صنع الفيروس، كما لا يستبعد أن تكون الوكالة الأميركية تعاونت مع المعهد بشأن طلب التمويل، خاصة أنه متشكك في الدور الذي قام به أميركي يدعى بيتر داشاك، كان وقع طلب التمويل الصيني، وهو عالم فيروسات ورئيس منظمة إيكوهيلث ألاينس (EcoHealth Alliance) التي تعيد توزيع التمويل العام الأميركي إلى العديد من المختبرات، بما في ذلك ووهان.
هذا العالم -المقرب من شي جنغلي- اختارته بكين ليكون ضمن فريق الخبراء المستقل الذي زار ووهان في فبراير/شباط 2021 للتحقيق في أصل كوفيد-19، ورفض حتى الآن الإجابة عن أسئلة الكونغرس الأميركي، وهو -كما يقول ميتزل- لا بد أن نصل إليه لأنه لاعب حاسم في المسألة برمتها، ونحن نعلم أنه هو الذي وراء الرسالة التي وقعها 27 عالما إلى مجلة "لانسيت" لمنع أي نقاش حول أصل كورونا.
وعند السؤال: لماذا قبل عدد كبير من العلماء أن يسيروا في هذا المنحى؛ ردّ ميتزل بأن الصين فعلت كل ما بوسعها منذ الأيام الأولى للوباء لخنق القضية، بحيث تم إسكات كل مصادر التحذير، وتم تنظيف الشبكات الاجتماعية ومنع العلماء من التعبير، فلم يجد العلماء البيانات اللازمة لإجراء تقييم علمي؛ ونتيجة لذلك شعر الباحثون بأنهم ليسوا قادرين على استخلاص النتائج؛ ففضلوا الصمت.
وقال ميتزل إن دور الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان "مدمرا"، عندما أعلن في أوج الكارثة الصحية في الولايات المتحدة أن الصين ومنظمة الصحة العالمية هما المسؤولتان الوحيدتان عن الكارثة، خاصة أن وسائل الإعلام ذهبت مع تأكيدات علماء الفيروسات من دون تثبت، "وقد كنت أول شخص غير ترامبي يدافع عن أطروحة المختبر".
ولعبت منظمة الصحة العالمية أيضا دورا مثيرا للجدل، بعد أن تمكنت الصين من تقويض عملها، خاصة أن بكين لديها حق الفيتو على تعيين المحققين في أصل الوباء، فجاء المؤتمر الصحفي في التاسع من فبراير/شباط 2021 كنشاط ختامي لعمل بعثة التحقيق، وقال رئيس الخبراء إن فرضية تسرب الفيروس من المختبر "لم تكن ممكنة بالمطلق"، وما كان ينبغي أن يتم التحقيق فيها أصلا"، وذلك رغم أن المدير العام لمنظمة الصحة تيدروس أدهانوم غيبريسوس -الذي بدا في بداية الأزمة قريبا من الصين- قال للمحققين إن عليهم القيام بما ينبغي، وإنهم ليسوا مضطرين للتوافق التام مع الصينيين، وإنه يدعمهم مهما حدث.
معلومات ناقصة
وعند السؤال عن سبب غياب أي تحقيق أميركي في أصل كوفيد-19، قال ميتزل إن تجربته تفيد بأن الإدارة الأميركية لم تقم بالتنسيق المنظم ودمج أجهزة الاستخبارات ووكالات أخرى، وأن ترامب -المهووس بموضوع الصين- لم يقدم شيئا ملموسا، رغم أن الجميع يعتقد أن لديه معلومات مهمة للغاية، خاصة أنه قال ذلك، وأن وزير خارجيته مايك بومبيو صرح بأن هناك 3 باحثين في معهد ووهان أصيبوا عام 2019 بأعراض شبيهة بكوفيد-19، وأن المعهد له صلات بالجيش الصيني.
غير أن هذا البيان -كما يعتقد ميتزل- لم يعكس كل ما يعرفه الوزير، وطلب ميتزل نفسه علنا مجمل البيانات، بل إنه تمكن من سؤال شي جنغلي التي نفت بشكل قاطع أي روابط لمختبرها بالجيش الصيني، غير أن هذه الروابط إذا ثبتت سيعني ذلك أنها كذبت عن علم، مما يقوض أي مصداقية لبياناتها الأخرى، بما في ذلك أنه لا توجد عينة واحدة من سارس كوف-2 أو أسلافه لديها، وبالتالي سينهار "الإجماع العلمي" الذي تأسس حصريا على تصريحات شي جنغلي.
وللرد على ارتباط مسألة أصل كوفيد-19 بالموقف العام للصين مقابل النظام الدولي، يقول ميتزل إن الصين استفادت بشدة من النظام الدولي الحالي، و"استفادت ببراعة من رهان قادتنا على إدراجها في محفل الأمم، ولكنها بدل الانخراط في اللعبة، تسعى بشكل منهجي لأخذ الفوائد من دون أدنى مسؤولية، بل إنها تريد تقويض المعايير والمؤسسات المشتركة، وهي تلعب لعبة مزدوجة".
وأكد ميتزل أن بكين أخطر من السوفيات الذين رفضوا النظام، لأنها تريد مراجعة النظام بأكمله لصالحها، إذ لو كانت الصين شفافة وصادقة من اليوم الأول، لكان خبراء العالم في ووهان على الفور، ولتوفرت المعلومات لوضع رد فعل أفضل بكثير للتكيف مع الفيروس.