ليبراسيون: السودان.. الشارع هو الحصن الأخير للديمقراطية

ما يحدث الآن في السودان سيرسم مصير الثورة الديمقراطية الأخيرة بعد الإخفاقات الأخيرة في الجزائر ولبنان وميانمار، وهو ليس مسألة إقليمية ولا حتى قارية، بل هو إرهاصة عالمية.

باحث فرنسي: النزول للشوارع، كما يفعل السودانيون، لا يشبه التظاهر في باريس، لأن المتظاهرين يعلمون أنهم قد يموتون بالرصاص (الفرنسية)

كان رد الفعل والغضب الشعبي هائلا على الانقلاب العسكري الذي أوقف فجأة التحول الديمقراطي الهش الجاري منذ عام 2019، نزلت الحشود السودانية إلى الشوارع بحماسة مدهشة لتبدأ في مواجهة غير متكافئة أودت بحياة العديد من الأشخاص، ولكنها السلاح الوحيد للمحافظة على تجربة ديمقراطية لم يكتب لها النجاح.

بهذه الخلاصة، تبدأ صحيفة "ليبراسيون" (Liberation) الفرنسية تقريرا لمراسلتها ماريا مالاغارديس، تقول فيه إن المتظاهرين بالخرطوم استطاعوا بالوسائل المتاحة إغراق شبكات التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو والصور التي تشهد على عزمهم القوي على التصدي لمصادرة ثورتهم، رغم أن الإنترنت قطع في جميع أنحاء البلاد بمجرد الإعلان عن الانقلاب.

وتساءلت المراسلة: هل ما يحدث في الشارع هو آخر حركة يائسة لشعب متعطش للحرية، أم إنه اندفاع حاسم لوقف مبادرة الجيش التي تهدف إلى إنهاء ثورة الشعب التي بدأت في أبريل/نيسان 2019 بإسقاط الدكتاتور عمر البشير بعد 30 عاما من حكم دون منازع؟

إن "النزول إلى الشوارع كما يفعل السودانيون لا يشبه التظاهر في باريس -كما يقول الباحث الفرنسي جيرار برونييه- لأن المتظاهرين في الخرطوم استُقبلوا بالرصاص قبل عامين، وهم عندما خرجوا إلى الشارع أمس الاثنين كانوا على علم بأنهم قد يموتون في المساء نفسه"، وبالفعل انفجر الرصاص عند اقترابهم من مقر قيادة القوات المسلحة، وكانت الحصيلة الأولية عدد من القتلى و80 جريحا.

شبح الحرب الأهلية

وكتب أحد مستخدمي الإنترنت أن المعركة الحالية ينظر إليها المتظاهرون والانقلابيون كلاهما على أنها حاسمة و"وجودية"، خاصة وأن رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك -الذي اعتقل لرفضه تأييد الانقلاب- بعث برسالة يدعو فيها إلى "المقاومة".

ونبهت الكاتبة إلى رسم كاريكاتيري ظهر قبل أيام في الصحافة، يصوّر السودان فوق خشبة على حافة الهاوية، ورئيس المجلس السيادي الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان يستعد لركله كي يسقط في الفراغ، وتحت الرسم تعليق منسوب لحمدوك يقول "افعل إذا استطعت"، لتستنتج من ذلك أن المواجهة ستكون فورية، وأن الانقلاب العسكري كان متوقعا.

وأضافت الكاتبة: وفي اليوم الذي ظهر فيه هذا الرسم، انطلقت مظاهرات حاشدة مؤيدة لاستمرار العملية الديمقراطية جمعت "أكثر من 3 ملايين سوداني في المدن الرئيسية بالبلاد، في حين جمعت مظاهرات داعمة للعسكر في الأيام السابقة بشكل مؤلم الحرس الإسلامي القديم وأطفال المدارس الدينية الذين عرضت عليهم الحلوى للتظاهر"، كما يقول الباحث جيرار برونييه، لكن يجب ألا نتجاهل التصدعات داخل المجتمع السوداني والولاءات المتعددة، خاصة وأن الانقلاب يمكن أن يثير المخاوف من "شبح حرب أهلية"، كما يقول دبلوماسي غربي.

إرهاصة عالمية

وأعلن الجيش دون مبرر رسمي حالة الطوارئ وإنهاء الانتقال الديمقراطي من جانب واحد، بعد أن كان من المقرر أن يؤدي المسار إلى انتخابات عام 2023، وتلت ذلك زوبعة من الإدانات الجماعية من واشنطن إلى باريس.

غير أن الانقلاب -كما ترى الكاتبة- يعود بشكل رئيسي إلى رفض الجيش الواضح متابعة اللعبة والتنازل عن السلطة في هذا البلد الهائل الذي لم يعرف منذ استقلاله عام 1956 سوى الانقلابات العسكرية وحربين أهليتين، انتهت إحداهما بقطع ربع أراضيه مع انفصال جنوب السودان عام 2011، وحرمان الخرطوم من نفط حيوي بشكل غير متوقع.

ورغم التجاذب السياسي الحاد، يصر جيرار برونييه على أن "الغضب اليوم يأتي أولا من حقيقة أن الناس جائعون ويحرمون أنفسهم لإطعام أطفالهم أحيانا، كما أنه لم يعد لديهم البنزين لسيارتهم"، إلا أن الجيش مع ذلك لا يجعل هذه الكارثة الاقتصادية وارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 400%، سببا ودافعا لاستعادة مقاليد البلاد بمفرده، وبالتالي فإن السبب والدافع الحقيقي للانقلاب هو خشية التنازل عن الحكم.

وتختم الكاتبة بما يراه دبلوماسي غربي من أن "ما يحدث الآن في السودان سيرسم مصير الثورة الديمقراطية الأخيرة بعد الإخفاقات الأخيرة في الجزائر ولبنان وميانمار، وهو ليس مسألة إقليمية ولا حتى قارية، بل هو إرهاصة عالمية".

المصدر : ليبراسيون