قتلى وجرحى باحتجاجات متفرقة.. دعوات للعصيان المدني في السودان وضغوط دولية متصاعدة لعودة الحكومة المدنية

واشنطن تطالب بعودة الحكومة المدنية وتعلن تعليق مساعدات للسودان بقيمة 700 مليون دولار

رفضت قوى الحرية والتغيير في السودان ما سمته الانقلاب على السلطة، ودعت إلى عصيان مدني شامل والخروج إلى الشارع للتظاهر حفاظا على مكتسبات الثورة، في حين سقط 7 قتلى و140 جريحا خلال مظاهرات في مناطق متفرقة، رفضا لإعلان المكوّن العسكري حالة الطوارئ وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية.

وقالت قوى الحرية والتغيير -في بيان- إن إعلان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الانقلاب على السلطة وإلغاء عدد من مواد الوثيقة الدستورية، يعيد السودان إلى مرحلة المجلس العسكري الانتقالي.

ودعت قوى الحرية والتغيير إثيوبيا وحكومة جنوب السودان والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، إلى إعلان رفضهم الصريح لهذا الانقلاب وعدم الاعتراف به.

وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين من مجلس الوزراء ومجلس السيادة، وبتنحي كل أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وتسليم السلطة للحكومة المدنية.

كسر الطوارئ

بدوره، دعا "تجمع المهنيين السودانيين" إلى كسر حالة الطوارئ بحشود وفعاليات مسائية، ردّا على قرارات البرهان. وقال -في بيان- إن البرهان كتب نهايته بيده، وعليه الآن أن يواجه غضبة شعب حررته ثورة ديسمبر من الخوف.

كما دعا البيان لجان المقاومة، والقوى الثورية المهنية والنقابية والمطلبية والشعبية، إلى الوحدة ومقاومة الانقلاب.

ودعا القيادي في "تجمع المهنيين السودانيين" محمد ناجي الأصم إلى المقاومة السلمية لما سماه الانقلاب في السودان، وقال -في بث عبر مواقع التواصل الاجتماعي- إن من واجب الجميع مقاومة هذا الانقلاب العسكري الذي يريد العودة بالسودان إلى عصر الدكتاتورية، بحسب وصفه.

من جهته، دعا عضو "لجنة تفكيك النظام المعزول" صلاح مناع من سماهم "الشرفاء في قوات الشعب المسلحة السودانية"، إلى الانحياز للشعب وتاريخه ونضاله وإلى مدنية الدولة.

وأضاف مناع -في تغريدة- أن الثورة مستمرة والردة مستحيلة، مؤكدا أن الثوار عادوا إلى المكان الذي أسقط (الرئيس السابق عمر) البشير، واليوم سوف يسقط البرهان، على حد تعبيره.

كما قال عضو مجلس السيادة السوداني محمد حسن التعايشي إن ما يحصل في السودان انقلاب عسكري، وأضاف -في تسجيل صوتي- أن على الشعب السوداني مقاومة الانقلاب بالطرق السلمية.

قتلى وجرحى

في هذه الأثناء، قالت مصادر بوزارة الصحة السودانية للجزيرة إن 7 قتلى و140 جريحا على الأقل سقطوا خلال تفريق محتجين تظاهروا ضد قرارات البرهان.

وبث ناشطون على مواقع التواصل صورا لمصابين قالوا إنهم تعرضوا لإطلاق الرصاص في محيط القيادة العامة، كما بثوا مقطع فيديو يظهر كثافة إطلاق النار من قوات الجيش السوداني على المتظاهرين، وإصابة أحدهم بشكل مباشر في محيط القيادة العامة بالخرطوم.

وقال متظاهرون في محيط القيادة العامة إن عناصر من الجيش أطلقوا النار على متظاهرين اقتربوا من أسوار القيادة.

مظاهرات شعبية

وشهدت العاصمة السودانية مظاهرات شعبية في مناطق عدة، رفضا لتحرك المكون العسكري ضد المدنيين، وانتهاكه للوثيقة الدستورية والشراكة بين الجانبين.

ففي حي "جبرة" خرجت مظاهرات رافضة لحملة الاعتقالات التي قام بها الجيش، وفي منطقة "الكلاكلة" -جنوبي الخرطوم- انطلقت مواكب رافضة لما يسميه المتظاهرون انقلابا عسكريا.

كما خرجت مظاهرات في "شارع الأربعين" بمدينة أم درمان منذ ساعات الصباح الأولى.

وقد انتشرت قوات من الجيش والدعم السريع، وما تعرف بحركات الكفاح المسلح، وأغلقت الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية.

وأفاد مراسل الجزيرة بأن متظاهرين أقاموا المتاريس وأحرقوا إطارات السيارات في شارع الجامعة وشوارع رئيسية أخرى بالعاصمة السودانية الخرطوم، وفي أم درمان.

وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات في مناطق متفرقة من الخرطوم وأم درمان، بعد حملة اعتقالات نفذتها قوات عسكرية مشتركة بحق قيادات حزبية ووزراء في الحكومة السودانية.

في المقابل، احتفى مناصرو "قوى الحرية والتغيير- الميثاق الوطني" المعتصمون أمام القصر الرئاسي في الخرطوم، ببيان البرهان وإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وإقالة جميع الولاة.

توقف الطيران

وفي سياق متصل، قال موقع فلايت رادار المختص في تتبع حركة الطائرات، إن رحلات دولية من مطار الخرطوم وإليه توقفت بسبب التصعيد في السودان.

وأظهرت مقاطع فيديو تداولها نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك احتشاد المتظاهرين في محيط المطار، احتجاجا على الاعتقالات التي نفذتها القوات الأمنية فجر اليوم، وشهدت المنطقة انتشارا كثيفا لقوات الجيش.

اعتقالات

وفي وقت سابق اليوم الاثنبن، قال مكتب رئيس الوزراء السوداني إن "قوة عسكرية اختطفت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وزوجته"، واقتادتهما إلى جهة غير معلومة. وأوضح المكتب -في بيان- أن القوات الأمنية اعتقلت عددا من أعضاء مجلس السيادة، والوزراء، وقادة سياسيين.

ودعا مكتب رئيس الوزراء الشعب السوداني إلى التظاهر، واستخدام الوسائل السلمية لاستعادة ثورته من أي مختطِف، ووصف ما حدث بأنه يمثل تمزيقا للوثيقة الدستورية، وانقلابا مكتملا على مكتسبات الثورة.

وقال البيان إن حمدوك هو القائد الذي قدّمته الثورة على رأس الجهاز التنفيذي، وأهون عليه أن يضحي بحياته على أن يضحي بالثورة وبثقة الشعب السوداني.

كما قال فاتح عرمان، شقيق ياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء السوداني، إن قوة عسكرية اعتقلت شقيقه من منزله. وأضاف -في منشور على صفحته بفيسبوك- أن ياسر عرمان اقتيد إلى جهة مجهولة.

ونشرت ابنة وزير الصناعة السوداني إبراهيم الشيخ صورا تظهر لحظة اعتقال والدها من قبل قوة عسكرية مشتركة، اقتحمت منزله فجر الاثنين، واقتادته إلى جهة غير معلومة.

إعلان البرهان

وقد أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، في خطوة تلت إجراءات شملت اعتقال رئيس الوزراء وأعضاء في حكومته ومسؤولين آخرين، ووصفتها وزارة الإعلام بـ"الانقلاب العسكري المتكامل الأركان".

وفي بيان بثه التلفزيون الرسمي اليوم الاثنين، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وإعفاء جميع الولاة ووكلاء الوزارات.

كما أعلن تجميد عمل لجنة إزالة التمكين إلى حين مراجعة أعمالها، مشيرا إلى التمسك باتفاق جوبا للسلام الموقع عام 2020.

وتعهد رئيس مجلس السيادة بالتزام القوات المسلحة بـ"الانتقال الديمقراطي" حتى تسليم الحكم للمدنيين من خلال انتخابات عامة، كما تعهّد بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تستمر مهامها حتى موعد إجراء الانتخابات في 2023.

إدانات محلية ودولية

وقد دان "حزب الأمة القومي" في السودان الاعتقالات التي طالت مسؤولين حكوميين، وقال إن الحزب يدين ما وصفها بالانقلابات التي تشكل انتهاكا للوثيقة الدستورية.

من جانبه، أعلن "حزب البعث السوداني" اعتقال قادة في الحزب، ضمن حملة الاعتقالات التي نفذتها القوات الأمنية فجر اليوم الاثنين.

كما دان "حزب المؤتمر السوداني" حملة الاعتقالات التي طالت وزراء في الحكومة، وقادة في قوى الحرية والتغيير.

وأعلنت نقابة أطباء السودان الإضراب العام في المستشفيات، باستثناء الحالات الطارئة، بعد حملة الاعتقالات التي طالت مسؤولين سودانيين.

بدوره، أعلن "تجمع المصرفيين السودانيين" دخول موظفي القطاع في إضراب وعصيان مدني مفتوح؛ احتجاجا على الاعتقالات.

 

وقالت وزارة الثقافة والإعلام السودانية إن قوة عسكرية مشتركة اقتحمت مقرّ الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، واحتجزت موظفين. وأعلنت الوزارة أن إعلان البرهان يمثل استيلاء على السلطة بانقلاب عسكري، ودعت إلى رفض ما وصفتها بالمحاولة الانقلابية، وإلى إطلاق سراح المعتقلين.

دوليا، دعت الأمم المتحدة -اليوم الاثنين- إلى الإفراج الفوري عن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والمسؤولين الحكوميين والسياسيين الذين تم اعتقالهم، وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس والعودة فورا للحوار من أجل استعادة النظام الدستوري.

وقال فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالسودان -في بيان- "أدعو قوات الأمن إلى الإفراج الفوري عن الذين تمّ اعتقالهم بشكل غير قانوني أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية، وتقع على عاتق هذه القوات مسؤولية ضمان أمن وسلامة المحتجزين لديها".

من جهتها، دانت السفارة الأميركية في الخرطوم ما سمتها الإجراءات التي تقوّض الانتقال الديمقراطي في السودان، ودعت من سمتهم الفاعلين الذين يعطلون انتقال السودان إلى التنحي، والسماح للحكومة الانتقالية -بقيادة المدنيين- بمواصلة عملها المهم لتحقيق أهداف الثورة.

ونصحت الخارجية الأميركية رعاياها بالاحتماء في أماكنهم وعدم التوجه للسفارة أو المطارات في الخرطوم وبورتسودان، كما طالبت بإطلاق سراح السجناء السياسيين وعودة الحكومة المدنية، وأعلنت تعليق مساعدات للسودان بقيمة 700 مليون دولار.

وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس إنها "ترى في الخطوات التي اتخذها البرهان انقلابا عسكريا"، مضيفا "لن نتردد في مساءلة من يقترفون أي أعمال عنف ضد المدنيين في السودان، وسنتخذ الإجراءات اللازمة بحقهم، وقد اطلعنا على تقارير عن استعمال ذخيرة حية، وعلى النظام السوداني عدم استعمال العنف مع المتظاهرين".

وأضاف "كنا واضحين بشأن إطلاق سراح المعتقلين بالسودان وعودة الحكومة الانتقالية وعدم قمع المظاهرات، محمّلا الجيش السوداني المسؤولية عن صحة وسلامة رئيس الوزراء والمسؤولين المعتقلين الآخرين.

وقال برايس "لم تكن لدينا أي فكرة عن خطوة الجيش في السودان، ونحن ننسق مع حلفائنا في المنطقة"، مضيفا "نراقب عن كثب كل التطورات في السودان وما جرى يتعارض مع تطلعات السودانيين".

قلق عميق

كما عبر البيت الأبيض عن شعوره "بقلق عميق" من التقارير عن استيلاء العسكر في السودان على سلطة الحكومة الانتقالية، وقال "نرفض تصرفات الجيش وندعو للإفراج الفوري عن رئيس الوزراء وكل من وضعوا رهن الإقامة الجبرية".

وأعلن أن الولايات المتحدة تواصل دعمها القوي لمطالب الشعب السوداني بالتحول الديمقراطي، وقال إن إجراءات الجيش السوداني تتعارض بشكل صارخ مع إرادة الشعب وتطلعاته إلى السلام والحرية والعدالة.

وأعرب المبعوث الأميركي الخاص للسودان جيفري فيلتمان عن قلقه من تقارير عن سيطرة الجيش على الحكم، وقال إن أي تغيير للحكومة الانتقالية بالقوة سيضع المساعدات الأميركية في خطر.

كما أبدى مكتب الولايات المتحدة للشؤون الأفريقية قلقه إزاء التقارير القادمة من السودان.

ودان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاولة الانقلاب، وأكد دعمه للحكومة السودانية الانتقالية.

ودعت مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى إطلاق سراح جميع القادة السياسيين، والعودة إلى الحوار.

ودعا مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الشركاء والدول الإقليمية، لإعادة العملية الانتقالية في السودان إلى مسارها.

واعتبرت الخارجية البريطانية أن هناك خطرا متزايدا لاحتمال تدهور الأوضاع في الخرطوم ومناطق أخرى.

وقالت وزيرة المملكة المتحدة لشؤون أفريقيا إن الانقلاب العسكري بالسودان خيانة غير مقبولة للشعب وانتقاله الديمقراطي، بينما أوضح السفير البريطاني في الخرطوم أنه لا يمكن للجيش السوداني أن يحمي الانتقال الديمقراطي ويعتقل السياسيين المدنيين.

وقال وزير الخارجية الألماني إنه يجب إنهاء ما سماها محاولة الانقلاب على الفور.

وأعلنت الخارجية التركية أنها تتطلع إلى تمسك الأطراف كافة في السودان بالالتزامات التي نصّ عليها الإعلان الدستوري، وعدم قطع المسار الانتقالي.

وجاء في بيانٍ للخارجية القطرية أن دولة قطر تتطلع لضرورة إعادة العملية السياسية إلى المسار الصحيح، تحقيقا لتطلعات الشعب السوداني.

ودعت الرياض إلى ضرورة ضبط النفس والتهدئة وعدم التصعيد في السودان، وفق بيان أصدرته وزارة الخارجية السعودية.

وقالت مصر إنها تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في جمهورية السودان، مؤكدةً على أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوداني والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذي يضمن سلامة هذا البلد، مؤكدةً كذلك أن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة.

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار إن شعب السودان يعود إلى الشوارع لحماية الانتقال الديمقراطي.

ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المجتمع الدولي إلى الضغط من أجل العودة لمسار الانتقال إلى الحكم المدني بالسودان.

وقبل إجراءات اليوم، كان السودان يعيش -منذ 21 أغسطس/آب 2019- فترة انتقالية كان من المفترض أن تستمر 53 شهرا، وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام.

لكن، منذ أسابيع، تصاعد توتر بين المكونين العسكري والمدني بالسلطة الانتقالية، بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.​​​​​​​

المصدر : الجزيرة + وكالات