باحثان أميركيان: روسيا ليست قوة عظمى بالشرق الأوسط ولا ينبغي لواشنطن تهويل خطرها
الدول العربية "الاستبدادية" أجادت فن استغلال العروض الروسية سعيا للحصول على شروط أكثر ملاءمة
حذر مقال بمجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) واشنطن من تهويل الخطر الذي تشكله روسيا على المصالح الأميركية، لا سيما في الشرق الأوسط.
وجاء في المقال المشترك -الذي كتبه الباحثان فريدريك ويري وزميله أندرو وايس في مركز "كارنيغي" (Carnegie) للسلام الدولي – أن روسيا ليست قوة عظمى في الشرق الأوسط.
ولطالما ظلت روسيا تستغل عثرات واشنطن وشكوكها تجاه بعض شركائها الأقدمين لتوسيع دائرة نفوذها في الشرق الأوسط، إلا أن تهديدها للنظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة يعد أقل خطورة مما درج جون بولتون وهربرت رايموند مكماستر -مستشارا الأمن القومي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب- على التحذير من مغبته.
وبحسب المقال، فقد أرادت روسيا من معرض الأسلحة الذي أقامته في أواخر أغسطس/آب الماضي بذلك الشكل المبهر -وبحضور ممثلين عن 41 دولة- توجيه رسالة واضحة مفادها أنها عادت بقوة إلى الساحة الدولية، وعلى وجه الخصوص إلى الشرق الأوسط.
على أن أهداف موسكو الطموحة، لا سيما في العالم العربي، تفوق نفوذها الفعلي، برأي كاتبي المقال اللذين يشددان على ضرورة أن يتجنب صناع السياسة الأميركيين المغالاة في تقدير قدرات روسيا في الشرق الأوسط.
ويلفت الباحثان "ويري" و"وايس" إلى أن الدور الذي تضطلع به روسيا في الشرق الأوسط يعد -ببعض المقاييس- كبيرا، فهي قد نشرت قواتها ومرتزقتها في سوريا وليبيا اللتين تمزقهما الحرب "تأكيدا لإجادتها ملء فراغ القوة، الذي خلّفته واشنطن".
واستخدم الكرملين أيضا مجموع متنوعة من الوسائل الأخرى لإقحام روسيا في بنية دول شمال أفريقيا والشام والخليج، حيث تبيع السلاح لدول عربية مثل الجزائر ومصر والعراق؛ وتعمل بشكل وثيق مع السعوديين في إدارة أسواق النفط العالمية من خلال مجموعة "أوبك بلس" (OPEC Plus).
وتدير موسكو "غزواتها العسكرية والدبلوماسية" هذه في الواقع بخفة وذكاء وبكلفة منخفضة. فنظام رئيسها فلاديمير بوتين ليس لديه ما يدعوه للقلق من مراقبة برلمان مستقل أو صحافة حرة لأدائه، ما يعني أن السياسة الروسية لا تعيقها مخاوف من ردة فعل عكسية أو اتهامات بانتهاكها حقوق الإنسان، وفقا لمقال فورين أفيرز.
ومع ذلك فإن تأثير النفوذ الروسي في الشرق الأوسط -برأي الباحثين الأميركيين- أقل ضآلة مما يعتقد الكثيرون. وبنظرة عن كثب لـ"غزوات" روسيا في المنطقة، سيتضح للمرء جليا ما تعرضت له من خيبات أمل وإخفاق هناك.
تأثير النفوذ الروسي في الشرق الأوسط -برأي الباحثين الأميركيين- أقل ضآلة مما يعتقد الكثيرون، وبنظرة عن كثب لـ"غزوات" روسيا في المنطقة، سيتضح للمرء جليا ما تعرضت له من خيبات أمل وإخفاق هناك.
سوريا وليبيا والجزائر ومصر.. نفوذ محدود
ففي سوريا على سبيل المثال -التي عادة ما يُنظر إليها على أنها حجر الزاوية في عودة موسكو إلى الشرق الأوسط مرة أخرى- لطالما تعرضت محاولات روسيا لفرض وقائع على الأرض لعثرات.
وفي ليبيا، لم يحقق التدخل الروسي الغاية المنشودة منه، رغم نشر موسكو مرتزقة من مجموعة "فاغنر" للقتال هناك لصالح "أمير الحرب" خليفة حفتر، حسب وصف الكاتبين.
وكانت المحاولات الروسية لتعزيز نفوذها في أماكن أخرى من المنطقة أكثر سوءا، إذ لم تكن الجزائر أو مصر -اللتان حصلتا على كميات كبيرة من الأسلحة الروسية- على استعداد لتأسيس شراكات إستراتيجية دائمة مع موسكو أو منحها إذنا طويل الأجل باستخدام قواعد جوية أو منشآت بحرية.
ويخلص الكاتبان من ذلك إلى أن هذا النفوذ المحدود -حسب وصفهما- يؤكد أن أدوات السياسة الروسية غير كافية للتصدي للمشاكل العويصة التي تواجه المنطقة.
وعلى واشنطن –برأيهما- الإقرار بأن موسكو ستفشل في تحقيق مبتغاها نظرا لقدراتها المحدودة وإمكانية أطراف المنطقة المحليين في إرباك خططها.
ومع وضع أوجه القصور تلك بعين الحسبان، لا بد لواشنطن أن تتفادى النظر إلى المنطقة من خلال عدسة الحرب الباردة، فليس كل تطور يحدث في الشرق الأوسط يعد مكسبا أو خسارة في معركة بالوكالة مفتوحة النهاية بين الولايات المتحدة وروسيا، كما يقول فريدريك ويري وزميله أندرو وايس في مقالهما المشترك. ومن ثم على صناع السياسة الأميركيين الكف عن التنافس مع موسكو لبيع أسلحة أكثر من أي وقت مضى لدول المنطقة.
ويزعم الباحثان أن الدول العربية "الاستبدادية" قد أجادت فن استغلال العروض الروسية سعيا للحصول على شروط أكثر ملاءمة، ويحذران في الوقت نفسه الولايات المتحدة من الوقوع "في هذه الخدعة".
ومما لا ريب فيه أن وضعية واشنطن في الشرق الأوسط الكبير قد تأثرت بالإخفاق الذريع في أفغانستان، لكن في نهاية الأمر، يعتقد الكاتبان أن رصيدها ومكاسبها في المنطقة لا يمكن أن تجارى حتى الآن.