مقال في لوموند: درس لا ينسى.. 2020 العام الذي تغيّر فيه الشرق الأوسط

مدن إسرائيلية تعلق إعلام البحرين والإمارات وإسرائيل وأميركا على مداخلها
الكاتب: اتفاق الإمارات وإسرائيل يختلف عن باقي اتفاقيات التطبيع (الجزيرة)

لا شك في أن فك الارتباط بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط أمر لا رجعة فيه، وقد أدى إلى إعادة هيكلة عميقة للمنطقة، من نتائجها المحسوسة صعود تركيا والتقارب الإستراتيجي بين إسرائيل ودولة الإمارات.

بهذا الملخص، افتتحت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية مقالا للكاتب جان بيير فيليو في قسم المدونات، قال فيه إن نشاط الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب المضطرب بعد هزيمته أمام الرئيس المنتخب جو بايدن، لن ينسي أحدا الدرس الرئيسي لهذا العام 2020 في الشرق الأوسط.

وهذا الدرس -بالنسبة للكاتب- هو فك الارتباط الأميركي مع منطقة الشرق الأوسط، الذي بدأ في ظل رئاسة باراك أوباما وأصبح الآن أمرا لا رجعة فيه، بما ترتب على ذلك وسيترتب عليه من إعادة تشكيل عميقة للمنطقة.

وعلى أساس هذا التشكل، فإن التقارب الإستراتيجي بين إسرائيل والإمارات -بحسب فيليو- يعني تأكيد هذين الشريكين الجديدين سيرهما قدما في محاربة التهديد المزدوج من إيران والإخوان المسلمين، مهما كانت التوجّهات المستقبلية للبيت الأبيض. أما تركيا، فقد عززت وجودها في شمال سوريا.

صفقة لا مستقبل لها

وتفاخر ترامب في يناير/كانون الثاني 2020 بإبرام "صفقة القرن" من أجل السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وقد أعلن الاتفاق ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقف إلى جانبه، مشيرا إلى أنه سيؤول إلى إنشاء دولة فلسطينية، رغم أن جزءا كبيرا من الضفة الغربية سيضمه المحتل إلى سيطرته، بحسب الكاتب.

ويعتبر البيت الأبيض أن عشرات المليارات من الدولارات الضرورية لتمويل "خطة السلام" هذه، يجب أن تقدمها أوروبا والدول النفطية التي لم يستشرها في ذلك، كما أن طبيعة المشروع القائمة على قسمة ضيزى، تدفع الجانب الفلسطيني إلى رفض أي مناقشة له، وبالتالي يجد ترامب نفسه محاصرا في تصرفه الأحادي، وغير قادر على تنفيذ أي بند من بنود خطته.

وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة امتنعت -قبيل إعلان "صفقة القرن"- عن الرد على تفجيرات ضد قواعدها العسكرية في العراق، وإن كانت بعد ذلك قتلت القائد الرمزي للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، لتختار بعد ذلك عدم الرد على إصابة عشرات الجنود الأميركيين بنيران المليشيات الموالية لإيران.

وثبت -كما يقول الكاتب- أن الوحدات التي نشرتها الولايات المتحدة في العراق، لم تكن قادرة على مواجهة نفوذ إيران المتزايد في ذلك البلد، كما لم تكن قادرة حتى على حماية نفسها من ضربات الموالين لطهران.

وقد أقنع هذا الإذلال القاسي للقوة الأميركية، إسرائيلَ والإمارات -بحسب فيليو- بإضفاء الطابع الرسمي على شراكتهما، بإقامة "معاهدة سلام" لا تكون الولايات المتحدة سوى "شاهد" عليها، حيث امتنع محمد بن زايد -رجل الإمارات القوي- من الذهاب إلى واشنطن لهذه المناسبة.

خصومات القوى الإقليمية

ويرى الكاتب أن المعاهدة الإسرائيلية الإماراتية تتميز بالبعد الإستراتيجي عن باقي اتفاقيات التطبيع الأخرى التي تم إبرامها مؤخرا، حيث حصل المغرب على دعم واشنطن لقضيته في الصحراء الغربية، وحصل السودان على الخروج من "القائمة السوداء" للدول الداعمة للإرهاب، كما حصلت البحرين على تساهل أميركا مع قمعها المتعدد الأوجه.

وتطمح إسرائيل والإمارات -فوق العديد من المشاريع الاقتصادية- إلى تعاون فعال بين قواتهما الخاصة وأجهزة مخابراتهما، بما يخدمهما معا، خاصة أن الإمارات -التي تعمل بالفعل في ليبيا واليمن- قد طورت شبكة من القواعد في البحر الأحمر وعند مدخل المحيط الهندي.

ويهدف هذا المحور الإسرائيلي الإماراتي إلى مواجهة الأهداف الإيرانية في المنطقة، والوقوف أمام صعود تركيا القوي، بعد أن هزمت الإمارات في ليبيا ربيع عام 2020، كما يقول الكاتب.

وخلال هذه الفترة، بقيت الولايات المتحدة -التي أثبتت عدم قدرتها على حل القضية الفلسطينية- مهمشة في أزمات سوريا واليمن وليبيا، ولم ينجح ترامب بكل ما أوتي من قدرات مدمرة على فعل شيء سوى نسف المبادرة الفرنسية في لبنان.

أما روسيا رغم انخراطها في سوريا، والصين رغم استثماراتها الشاملة؛ فقد فشلتا في ملء الفراغ الإستراتيجي الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، لأن أيا منهما لا تستطيع تقديم نظام قوة متكامل، لا يعتمد على القوة العسكرية وحدها كما هي حال موسكو، ولا على التأثير الاقتصادي وحده كما هي حال بكين.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد يكون قادرا على تقديم مثل هذا المشروع، بناءً على المعايير القانونية لسيادة القانون والتنمية الاقتصادية، ولكنه ما زال يجرب نفسه كقوة، وبالتالي يحتاج لتأكيد نفسه في المنطقة المضطربة.

أما بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، فقد سهّل وباء كورونا على الأنظمة قمع تطلعاتها، غير أنه لن يتحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة دون الاعتراف بحقها في الحرية.

وفي انتظار ذلك -يختتم الكاتب- من المرجح أن يحتدم التنافس في عام 2021 بين القوى الإقليمية، مع احتمال اندلاع مغامرات عسكرية جديدة.

المصدر : لوموند