هكذا أسقط الغاز الإسرائيلي أجنة الفلسطينيات
ميرفت صادق – رام الله
في مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ما زالت أريج أبو عليا تخضع للعلاج منذ أسبوع، بعد أن فقدت جنينها وهي في الشهر السابع من حملها، إذ تعرضت حياتها للخطر الشديد إثر اختناقها جراء قنابل الغاز التي ألقاها جنود الاحتلال الإسرائيلي على منزلها بأطراف قرية المغيّر.
في العشرين من الشهر الجاري، ألقى جنود الاحتلال الإسرائيلي عدة قنابل من الغاز الخانق باتجاه منازل عائلة أبو عليا بأطراف القرية الواقعة شمال شرق رام الله. وقال إياد زوج أريج أبو عليا إنها استنشقت كمية كبيرة من الغاز وعانت على إثره من حالة اختناق وضيق تنفس وتعب شديد.
حتى ذلك الصباح كانت الأم (37 عاما) تشعر بحركة جنينها الطبيعية وتقوم بمهامها المنزلية كالمعتاد، قبل أن تجلس مع أطفالها في شرفة البيت، حيث بدأ جنود الاحتلال بإطلاق قنابل الغاز، وسقطت إحداها "قربنا تماما" كما قالت.
وأضافت "تعرضت لاختناق شديد وظننت أنني سأستطيع تجاوزه مع أطفالي كما في كل مرة". وقال زوجها "كنت في عملي، وصلني اتصال من العائلة بأن جنود الاحتلال هاجموا المنازل بالغاز فطلبت من زوجتي مغادرة المنزل مع الأطفال لكنها لم تتمكن بسبب كثافة الغاز".
عندما عاد الزوج إلى منزله مساءً، كانت أريج في حالة إعياء وتشعر بوجع في الصدر وصعوبة في التنفس، ومع حلول الصباح التالي كانت تعاني من وجع شديد في البطن حيث نقلت إلى المستشفى في حالة صعبة.
حاول الأطباء إنقاذ الجنين الأنثى -التي كانت ستسمى "مسك"- بعد توقف نبضها، دون نجاح، بينما دخلت الأم في حالة حرجة. وقال الأطباء إنها تعاني من تميع شديد في الدم بسبب التسمم، وأدى ذلك إلى إصابتها بنزيف داخلي لساعات، مما اضطرها لعملية جراحية أخرى لوقف النزيف.
يقول الزوج أبو عليا، إن الأطباء قدروا إصابتها بحالة تسمم شديدة في الدم، خاصة أنها لم تكن تعاني من أية مشاكل صحية.
وأوضح أبو عليا "لم تكن زوجتي تعاني من أية مشاكل صحية، وقد أنجبت سابقا 8 أطفال بصورة طبيعية، ووصلت إلى حالة الإجهاض بعد اختناقها بالغاز الإسرائيلي".
يذكر أن نوع الغاز الذي بات جيش الاحتلال يطلقه في الشهور الأخيرة ليس مجرد مسيل للدموع، بل يصاب كل من يستنشقه بانسداد في الحلق ووجع شديد في الصدر مع حالة اختناق.
جنين آخر
ويعزز أبو عليا روايته بالقول إنه ليس الجنين الأول الذي تفقده العائلة بالغاز الإسرائيلي، إذ أُجهضت زوجة شقيقه، وتدعى فدوى أبو عليا، بينما كانت حاملا في شهرها الرابع، بعد مهاجمة جيش الاحتلال منازلهم بقنابل الغاز أيضا قبل أقل من عامين.
وتتلقى عائلة إياد أبو عليا وعائلات أشقائه الثلاثة المجاورين له، قنابل الغاز بصورة شبه يومية منذ 3 سنوات على الأقل.
وبدأت معاناة العائلات في أطراف المغيّر منذ وضع المستوطنون الإسرائيليون 3 بؤر استيطانية في مناطق راس التين وعين سامية وجبعيت شرقي القرية (البؤرة عدد من البيوت المتنقلة تسبق إنشاء مستوطنة دائمة).
وكانت العائلة حتى سنوات قليلة تقيم في أراضيها بمنطقة جبعيت، حيث يعمل أبناؤها في الرعي وتربية المواشي، لكن الاحتلال طردهم منها واستولى عليها بعد أن صادر جراراتهم الزراعية وفرض عليهم غرامات مالية طائلة.
وفي السنوات الأخيرة، بدأ جنود الاحتلال يقتربون حتى أمتار قليلة بمحاذاة منازل عائلة أبو عليا، وعادة ما يستبقون تجمع الشبان للاحتجاج على مصادرة الأراضي أو المسيرة الأسبوعية التي تنظم في الجهة الشرقية من البلدة، ويقومون بإطلاق كميات كبيرة من الغاز الخانق.
وفي الحي الذي توجد به روضة أطفال، ومسجد تعرض للحرق بأيدي المستوطنين قبل عامين، يعيش إياد مع 3 من أشقائه، ويقول "عندنا 20 طفلا تحت سن 14 عاما"، وعندما يطلق جيش الاحتلال الغاز فهو يعلم أن هذا الحي مليء بالأطفال والنساء.
حتى الأغنام
في الشهور الأخيرة ومع تصاعد الاعتداءات على القرية ليلا ونهارا، اضطر الفلسطينيون إلى الهروب بأسرهم منها، يقول أبو عليا "اضطررنا للهروب بزوجاتنا وأطفالنا من منازلنا عدة مرات بسبب كثافة الغاز الملقى على بيوتنا". وقبل أيام فقد جيران العائلة، 5 رؤوس من الأغنام بعد اختناقها بالغاز الإسرائيلي أيضا.
يقول إياد إن طفلته الصغرى أميرة "كلما سمعت صوت قنابل الغاز ركضت إلى الداخل وأغلقت الأبواب خوفا". ولدى العائلات هنا محلول جاهز على الدوام مكون من الماء والخميرة لمقاومة آثار الغاز وللتخفيف من اختناق الأطفال خاصة.
وفي الشهور الأخيرة، قرر الاحتلال تحويل أحد معسكراته الواقعة شرق القرية بمنطقة "راس التين" إلى مسكن لمستوطنين من جماعة متطرفة تُعرف باسم "فتية التلال"، وهي المسؤولة عن هجمات يومية على قرى ومزارع فلسطينية بأنحاء الضفة الغربية.
يقول عضو المجلس القروي مرزوق أبو نعيم، إن القرية -التي يزيد عدد سكانها على 3 آلاف نسمة- فقدت 3 من أبنائها منذ عام 2018 بالرصاص الإسرائيلي، في حين أصيب العشرات بجروح مختلفة منها 4 إعاقات دائمة.
وحسب أبو نعيم، يتعمد جنود الاحتلال توجيه قنابل الغاز بكثافة إلى المنازل للضغط على العائلات ودفعها لمنع الاحتجاجات المجاورة لمنازلها وأراضيها.
وفقدت قرية المغيّر نحو 25 ألف دونم من أراضيها لصالح إقامة طريق التفافي يستخدمه جيش الاحتلال والمستوطنون شرقا، ومنع الأهالي من الوصول أراضيهم التي يمتلكون أوراق ملكيتها، بالإضافة إلى آلاف الدونمات المصادرة في جهات أخرى.