طمعا ببيته الملاصق للأقصى.. الاحتلال يعتقل أبناء البشيتي ويحول حياته إلى جحيم
تحاول المقدسية بينار البشيتي إخفاء ضعفها وقلة حيلتها أمام طفلتها الصغرى بيلسان، بعد اعتقال شقيقيها هشام وعبد الرحمن، ليبقى ابنها حاتم معها في المنزل الملاصق للمسجد الأقصى والذي لا يفصله عن اقتحام وآخر سوى أيام وأحيانا ساعات.
نجلها القاصر عبد الرحمن (16 عاما) يحتجزه الاحتلال في زنزانة انفرادية منذ الرابع من الشهر الجاري، ويمدد اعتقاله دون أدنى اعتبار لمرض سكري الأطفال الذي يعاني منه ويتطلب متابعة طبية حثيثة، والتهمة الحديثة القديمة هي إلقاء مفرقعات تجاه قوات الاحتلال في البلدة القديمة.
تقول "أعيش حياة خالية من الهدوء والاستقرار، فمنزلنا مستباح للاحتلال وتقتحمه كل مرة كتيبة مختلفة ولا نشعر بالراحة ليلا ولا نهارا بسبب ملاحقة أبنائي الثلاثة".
كاميرات المراقبة
تؤكد بينار براءة ابنها من التهمة الموجهة إليه، وتقول إن لديها مقاطع فيديو وثقتها كاميرات المراقبة تثبت أن عبد الرحمن كان موجودا في حي باب المجلس حيث يقطن أثناء اندلاع المواجهات في حي آخر تتهمه قوات الاحتلال بالمشاركة فيها.
عندما اقتحمت قوات الاحتلال المنزل كان عبد الرحمن وشقيقه واثنان من رفاقه مجتمعين على سطح المنزل المطل على ساحة قبة الصخرة المشرفة، وخلال لحظات كانت القوات الخاصة قد ثبتت الأصفاد في أيديهم وأجبرتهم على الركوع أمامها.
ارتفع السكري بشكل مفاجئ عند عبد الرحمن وطلب من أمه كأسا من الماء وماكينة فحص السكري، فسارعت الأخيرة لطلب سيارة إسعاف لكن طفلها وبعد اعتقاله بساعات تم تحويله للمستشفى لتلقي العلاج وهو مكبل وتحت حراسة أمنية مشددة بسبب الارتفاع الحاد للسكر في الدم.
عقدت 10 جلسات محاكمة لعبد الرحمن حتى الآن، ويرفض الاحتلال الإفراج عنه رغم وضعه الصحي السيئ، الأمر الذي دفع بأسرته لإطلاق حملة إلكترونية للتضامن معه باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية.
والده محمد البشيتي (46 عاما) قال للجزيرة نت إنه أطلق الحملة لأنه لا يريد أن يخسر حياة ولده، مضيفا "الطبيب المسؤول عن حالة عبد الرحمن في المستشفى قال إن الوضع الذي وصل به إلى المستشفى من مركز تحقيق المسكوبية كان مأساويا، وكان من الممكن أن يؤدي إلى فقدانه للبصر أو لدخوله في غيبوبة أو إلى وفاته، وبالنسبة لي كنت أعد الأيام لأرى ابني يغدو شابا ولا أريد أن أخسره وأحلم برؤيته مجددا بيننا".
وعند سؤاله عن عدد المرات التي اعتقل فيها أبناؤه الثلاثة، قال إنها لا تعد ولا تحصى منذ بدأ الاحتلال بملاحقة نجله الأكبر هشام بعد اعتقاله المرة الأولى عام 2013 وكان حينها في الثالثة عشرة من عمره، لكنه أكد أن اعتقالات عبد الرحمن في العام الأخير تجاوزت 20 اعتقالا دون أدنى مراعاة لوضعه الصحي.
"عند وقوع أي حدث في البلدة القديمة تتوجه قوات الاحتلال لمنزلي فورا لاعتقال أبنائي جميعا وتعتقل الموجود منهم في المنزل، وهذا ما اعتدنا عليه بمجرد وقوع عملية أو رشق الحجارة والمفرقعات تجاه الجنود والشرطة".
بعد الإفراج عنهم عقب كل توقيف يتعرض هشام (20 عاما) وحاتم (18 عاما) وعبد الرحمن (16 عاما) للحبس المنزلي والغرامات العالية أو الإبعاد عن البلدة القديمة، وهو ما لا يمكن لأي إنسان طبيعي تحمله، حسب تعبير والدهم.
ينصب تفكير الأب على كيفية جمع مبالغ الغرامات المالية وتوفير كفلاء جدد كل مرة، ويقول إن مهنته منذ سنوات تتمثل في الوقوف أمام المحاكم ومراكز التوقيف والتحقيق، أو أمام البنوك للحصول على قروض تسنده في مسيرة اعتقال أبنائه المكلفة.
يقضي هشام المعتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول حكما بالسجن لمدة عام بتهمة إلقاء المفرقعات تجاه قوات الاحتلال في بلدة العيساوية بالقدس، وما تزال العائلة تجهل مصير عبد الرحمن حتى الآن.
موقع إستراتيجي
موقع المنزل الإستراتيجي الذي تطل نوافذه على ساحات المسجد الأقصى يؤكد ربُّ الأسرة أنه السبب الرئيسي في ممارسة الضغوطات عليه من خلال (اعتقال) أغلى ما يملك لدفعه للرحيل عنه.
هذا ما أكده محامي الأبناء الثلاثة محمد محمود الذي قال إن استمرار استهداف هذه العائلة يعود لموقع منزلها الإستراتيجي، فالسلطات الإسرائيلية تريد إيصال الأب لمرحلة اليأس لتبدأ معه مفاوضات على مغادرة المنزل لكن الأب موقفه واضح ومبدئي تجاه العقار الذي تعيش به العائلة منذ عقود.
زار المحامي عبد الرحمن 4 مرات منذ اعتقاله بداية الشهر الجاري حتى الآن، وقال للجزيرة نت إنه تمكن من استصدار قرار بالإفراج عنه بشروط، لكن المخابرات الإسرائيلية استأنفت على القرار وطالبت بتمديد اعتقاله.
وأضاف "حضر جلسة المحاكمة الأربعاء الماضي مسؤول مخابرات القدس والمستشار القضائي لجهاز الشاباك والمترافع عن غرف 4 في مركز تحقيق المسكوبية" ساخرا من اجتماع كل هؤلاء أمام طفل قاصر للمطالبة بتمديد اعتقاله.
وخلال مسيرته المهنية لاحظ المحامي عدم زجّ القاصرين بالزنازين الانفرادية إلا في حالات استثنائية جدا، كمحاولة أحدهم تنفيذ عملية طعن، لكن أن يعتقل قاصر ويمكث هذه الفترة الطويلة بالزنازين الانفرادية للتحقيق يعد كارثة وتجاوزا للقانونين الإسرائيلي والدولي.
رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب قال إن عبد الرحمن وشقيقيه يتمتعون بعلاقات اجتماعية جيدة مع أهالي الحي وسكان البلدة القديمة، ويواظبون على أداء الصلوات في المسجد الأقصى وهذا لا يروق للاحتلال الذي يستهدفهم ومنزلهم لأطماعه فيه.
ووفقا لأبو عصب فإن الاحتلال اعتقل خلال عام 2020 المنصرم 2100 مقدسي ومقدسية 20% منهم من الأطفال، ويقبع في سجون الاحتلال حاليا 340 أسيرا وأسيرة من القدس بينهم 11 سيدة و22 طفلا يعانون من ظروف قاسية في سجن الدامون، وآخرون في سجن أوفك المخصص للجنائيين.
وختم حديثه للجزيرة نت بقوله إن للاحتلال قرارا سياسيا باعتقال أطفال القدس والحكم عليهم بالسجن الفعلي لفترات طويلة وفرض غرامات عالية عليهم، بهدف تعريض ذويهم للضغط الشديد، ليحولوا دون مقاومة أبنائهم للاحتلال.