البريطانيون خارج الاتحاد الأوروبي.. هكذا بدا الوضع في اليوم الأول وجونسون حريص على ألا يخسروا هذين المنتجين

دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مواطنيه إلى اغتنام فرصة استقلال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي والحفاظ على وحدة البلاد، وذلك بعد سريان القوانين الجديدة التي يشملها الاتفاق البريطاني الأوروبي، وخروج بريطانيا من السوق الأوروبية والاتحاد الجمركي.

من جهتها، قالت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورجن إن بلادها ستعود للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي بدأت فيه الشاحنات البريطانية عبور الحدود مع فرنسا، بعد إعفاء المصدرين من الضرائب والتعريفة الجمركية على ضوء الاتفاق التجاري الأخير.

وطوت بريطانيا صفحة نحو نصف قرن من التكامل الأوروبي، ودخلت اليوم الجمعة مع حلول عام 2021 مرحلة جديدة بعد إنجاز خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبي، من دون أن تظهر عراقيل بشكل فوري، لكن مع العديد من العوامل المجهولة.

The UK Officially Leaves The European Union
ساعة "بيغ بين" الشهيرة بلندن تظهر لحظة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الليلة الماضية(الأناضول)

وبعد 4 سنوات ونصف السنة على استفتاء 2016، بات بريكست نهائيا عند الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش الخميس، مع توقف البلاد عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي مع انسحابها من السوق الموحدة الأوروبية والاتحاد الجمركي.

وبعد 47 عاما من التكامل الأوروبي المضطرب، وبعد 4 سنوات ونصف السنة من التقلبات التي تلت استفتاء عام 2016، أُنجز بريكست أخيرا، بعدما بات رسميا في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، لكن أرجئت مفاعيله عبر فترة انتقالية كان هدفها امتصاص الصدمة.

"سنة التغيير والأمل"

في افتتاحية نُشرت في "ديلي تلغراف" (The Daily Telegraph)، أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون -أبرز مهندسي بريكست- أن 2021 ستكون "سنة التغيير والأمل"، مشيدا باتفاق التبادل الحر الذي أُبرم مع بروكسل قبل أعياد الميلاد.

وقال جونسون "بالنسبة إلينا، هذا يعني انتهاء الخلافات الحاقدة حول أوروبا التي سممت سياستنا منذ فترة طويلة"، مضيفا "بالنسبة لأصدقائنا هذا لا يعني بالتأكيد أنهم خسرونا، أو خسروا رغبتنا في سيارات المازيراتي أو نبيذهم".

ضوابط جمركية

واتفاق التبادل الحر الذي تم التوصل إليه مع بروكسل يجنب الطرفين خروجا قاسيا كان سيترك تداعيات اقتصادية مدمرة، لكن التغيير فعلي؛ فالتنقل الحر الذي يتيح للبضائع والأشخاص الحركة من دون عراقيل على الحدود توقف، باستثناء التنقل بين إسبانيا وجبل طارق؛ المنطقة البريطانية، وكذلك بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.

وبات من الآن وصاعدا يتعين تعبئة بيانات جمركية، والخضوع لعمليات تفتيش صحية للتصدير عبر المانش، والحصول على بطاقة إقامة من أجل الاستقرار على الضفة المقابلة، وشهادة صحية للكلاب والقطط التي تُنقل مع أصحابها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وصباح الجمعة، وبينما انطلقت أولى العبّارات نحو فرنسا، كان مرفأ دوفر الإنجليزي هادئا من دون العراقيل التي كان البعض يخشاها بسبب الإجراءات الجمركية الجديدة وعمليات التفتيش التي دخلت حيز التنفيذ، وكان شرطيون يتحققون من أن سائقي الشاحنات ملتزمون بالقواعد، وأنهم غير مصابين بفيروس كورونا المستجد قبل السماح لهم بمتابعة طريقهم.

Dawn Of The Post-Brexit Era For The UK
موظفو جمارك يفحصون شاحنات أوروبية بعد وصولها ميناء لارن بأيرلندا الشمالية فجر الجمعة (غيتي)

ومرّت نحو 200 شاحنة عبر نفق المانش "دون أي مشكلة" ليل الخميس الجمعة، حسب إدارة "غيتلينك" مشغلة النفق.

وقال ناطق باسم المجموعة "تمت إدارة حركة المرور بشكل جيد بالنسبة إلى ليلة استثنائية وتاريخية، كل شيء سار على ما يرام". وتابع "كل الشاحنات أكملت الإجراءات" التي فرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وعلى الجانب الفرنسي، دخلت الإجراءات الرسمية الجديدة حيز التنفيذ منتصف الليل مع وصول أول شاحنة لنقل البضائع الثقيلة من رومانيا، إلى نقطة تفتيش الشاحنات المتجهة إلى المملكة المتحدة.

مخاوف وتحديات

ووعد جونسون مواطنيه بمكانة أقوى في العالم لبريطانيا بصفتها رائدة في التبادل الحر. لكن في المستقبل القريب، فإن بريطانيا -التي تغادر حضن أوروبا- تسجل وفيات عالية وإصابات بفيروس كورونا المستجد، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ 3 عقود.

وأبرمت لندن اتفاقات تجارية مع 60 دولة، بينها اليابان، لكن التسوية التي كانت ترغب فيها مع الولايات المتحدة قد تتعثر مع مغادرة دونالد ترامب السلطة ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.

Lorry drivers show documentation as they arrive at Eurotunnel to travel to France, Folkestone, Britain
سائق شاحنة يجهز وثائقه الثبوتية لإبرازها قبل السفر إلى فرنسا في اليوم الأول بعد نهاية الفترة الانتقالية لبريكست (رويترز)

لكن البلاد تواجه تحديات كبيرة، خاصة الانتشار المتسارع لوباء كورونا الذي تسبب في وفاة أكثر من 73 ألفا و500 شخص، وهي حصيلة من بين الأسوأ في أوروبا، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ 3 عقود.

وداخليا، على جونسون توحيد صفوف البريطانيين الذين انقسموا تجاه البريكست مع تصدّع وحدة البلاد، إذ إن أيرلندا الشمالية وأسكتلندا صوتتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.

وعد بالعودة

وفي هذا الصدد، كتبت رئيسة الوزراء الأسكتلندية -العازمة على إجراء استفتاء جديد على الاستقلال- على تويتر "أسكتلندا ستعود قريبًا يا أوروبا".

وإذا كان الهدوء عمّ البلاد الجمعة، فإن العراقيل المحيطة بالموانئ متوقعة مع استئناف النشاط الكامل الأسبوع المقبل، خاصة إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ حركة المرور.

هكذا يمكن أن يشهد ميناء هوليهيد البارز في ويلز بالقرب من أيرلندا "عمليات تأخير في الأسابيع المقبلة"، كما حذر مركز الإعلام لحركة النقل البري في ويلز على تويتر. وتم رفض 6 شحنات الجمعة لأنها لا تنطبق مع القواعد.

وقال وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفني -في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC) "سيتعرض التبادل التجاري -البالغ قيمته 80 مليار يورو- من الآن فصاعدا لعراقيل عبر بحر أيرلندا بين بريطانيا وأيرلندا بسبب الضوابط والتصاريح والبيروقراطية والكلفة والتأخر".

رحيل بصمت

وغادرت بريطانيا السوق الأوروبية الموحدة من دون أي كلمة وداع من جانب الاتحاد الأوروبي. وفي بروكسل لم يعلق أي من قادة المؤسسات الأوروبية على "الطلاق النهائي" بين الطرفين.

واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته إلى الفرنسيين الخميس بمناسبة حلول السنة الجديدة أن المملكة المتحدة تبقى "صديقتنا وحليفتنا" رغم خروجها من الاتحاد.

مع بريكست، ستخسر الشركات العاملة في مجال الخدمات الماليّة -وهو قطاع رئيسي في لندن- حقّها في عرض خدماتها بشكل تلقائي في الاتحاد الأوروبي، وسيترتب عليها أن تفتح مكاتب في الدول الأعضاء لتتمكّن من العمل فيها، وستستثنى الجامعات البريطانية من الآن فصاعدًا من برنامج "إيراسموس" لتبادل الطلاب.

ويوفّر الاتفاق لبريطانيا إمكان الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضمّ 450 مليون مستهلك، من دون رسوم جمركيّة أو نظام حصص، لكنّ الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحقّ فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنّب أيّ منافسة غير عادلة في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.

وعندما دقّت الساعة 23:00 مساء الخميس بالتوقيت المحلّي، لم تعد المملكة المتّحدة تطبّق قواعد الاتحاد الأوروبي وانتهت حرية التنقّل لأكثر من 500 مليون شخص بين بريطانيا و27 دولة في الاتحاد الأوروبي.

إلا أن جبل طارق -وهو جيب بريطاني قبالة سواحل جنوب إسبانيا- يبقى استثناء، بعد إبرام صفقة في اللحظة الأخيرة مع مدريد لتجنّب عراقيل حدودية كبيرة.

وفي ما يتعلّق بالصيد البحري، الذي كان موضوعًا شائكًا في المفاوضات حتى اللحظة الأخيرة، ينصّ الاتفاق على مرحلة انتقالية حتى يونيو/حزيران 2026.

المصدر : الجزيرة + وكالات