ميديابارت: محاربة الانفصالية.. مشروع قانون جديد يستهدف المسلمين في فرنسا

epa07966966 A woman wearing a tricolore veil holds a poster reading 'Muslims but not scapegoat' as protesters gather in front of Cnews TV headquarters to protest against the French polemist and writer Eric Zemmour in Boulogne, near Paris, 02 November 2019. Zemmour was convicted by the courts for racist remarks and is regularly accused of spreading an anti-Muslim speech. EPA-EFE/CHRISTOPHE PETIT TESSON
السلطات الفرنسية أغلقت الكثير من المؤسسات الإسلامية بذريعة الانفصالية (الأوروبية)

يبدو أن الحكومة الفرنسية تشعل الحرائق لإثبات أنها تعرف كيفية إخمادها، دون اهتمام بما أحرقته أخطاؤها، وهي الآن بعد جدل جامح وبلا جدوى حول "توحش" المجتمع الفرنسي المفترض، تكشف المرحلة التالية المتمثلة في مشروع قانون ضد "الانفصالية"، فما تعنيه "بالانفصالية" وكيف تنوي محاربتها؟

بهذا الملخص افتتح موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي مقالا بقلم كاميل بولوني، يلقي فيه الضوء على مشروع قانون قيد الصياغة تنوي الحكومة عرضه مطلع السنة القادمة على البرلمان، حول ما تسميه "الانفصالية" التي أصبحت من هوايات الرئيس إيمانويل ماكرون.

وقال الكاتب إن هذا المصطلح كان ينطبق حتى الآن على الحركات الاستقلالية في كورسيكا والباسك، أو حتى بريتون وكتالونيا، خاصة عندما ينظم أنصارها أنفسهم في مجموعات مسلحة، إلا أن ماكرون تبناه منذ نهاية عام 2019 ليوسعه كي يشمل ما يعتبره "إسلاما سياسيا" يرغب في الانفصال، وسيكون موضوع ندوة أمنية حكومية اليوم الأربعاء.

وعلى هذا يرى الكاتب أن للمسلمين الحق في الشعور بأنهم مستهدفون بسياسات شعبوية تمييزية، تنكرها السلطة التنفيذية باستمرار ولكن بصورة غير حاسمة، حيث تقول الوزيرة المنتدبة المسؤولة عن الجنسية مارلين شيابا "هذا ليس قانونا ضد المسلمين" كما أنه ليس ضد الكورسيكيين الذين تدعوهم "للبقاء في هدوء، وألا ينظموا أنفسهم بطريقة معادية، للانقلاب على الجمهورية وفرض قوانين المجموعة".

أما بالنسبة لوزير الداخلية جيرالد دارمانين، فإن المسلمين ليسوا وحدهم المعنيين، لأن التجاوزات الطائفية لـ "جزء من اليسار المتطرف" و"المتعصبين البيض" يمكن أن يندرج تحت هذه "الانفصالية" ذات الحدود الغامضة التي هي أقرب إلى أداة لاستبعاد الأهلية السياسية منها إلى فئة قانونية تحدد ظاهرة معينة.

الانقلاب على الجمهورية

وأوضح دارمانين أن "الانفصالي هو الشخص الذي يريد الانقلاب على الجمهورية والانفصال عنها" بحيث يهدف مشروع القانون هذا إلى "مواجهة الجماعات المنظمة بطريقة عدائية وعنيفة تجاه الجمهورية". كما أوضحت شيابا، متجاهلة إمكان حل مثل هذه الجماعات بموجب مرسوم، أن هدفهم "مهاجمة الشكل الجمهوري للحكومة بالقوة".

ولتوضيح "المناطق الرمادية" بالقانون الحالي، تستشهد الوزيرة بانتظام بمثال إمام يدعو إلى "رجم النساء اللاتي يضعن العطر" أو "إلى حرق المثليين" قائلة "يمكن أن يُدان هذا الشخص لأنه دعا إلى العنف، ولكنه لا يمكنك إغلاق الأماكن التي تنظم ذلك".

ويعلق الكاتب بأن هذا القول خاطئ، لأن لدى الولاة -منذ دخول قانون سيلت حيز التنفيذ عام 2017- سلطة الإغلاق الإداري لأي "دار عبادة"، "تقدم فيها ملاحظات أو تعرض فيها أفكار أو تنشر فيها نظريات أو تقام بها أنشطة، تحث على العنف أو الكراهية أو التمييز أو التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية أو التغاضي عن هذه الأعمال".

وبالفعل تم إغلاق 7 أماكن عبادة للمسلمين في غضون عامين -كما كتب موقع ميديابارت- غالبًا على أساس ملاحظات أجهزة المخابرات، مما يثير تساؤلات جادة حول سير الإجراءات وجودة الأدلة، علما بأن الأمثلة التي ذكرتها الوزيرة تخضع لهذا القانون.

وفي نفس السياق، تم تعديل الإجراءات المنصوص عليها في مشروع القانون ضد "الانفصالية" بشكل طفيف الأيام الأخيرة، حيث أعلن المتحدث باسم الحكومة غابرييل أتال أن الجمعيات التي تقدم دورات في اللغة أو دروسا خصوصية يمكن أن تخضع لرقابة أكثر صرامة، وذلك أنه، بالإضافة إلى وجوب إعلان المعنيين لتجنب أي "غسل للدماغ "، لن يتم إبلاغهم قبل شهر من التفتيش، كما كانت الحال.

وعاد كل من دارمانين وشيابا ليعلنا -في مقابلة مشتركة مع صحيفة لو باريزيان- أن تخصيص المنح يمكن أن يكون مشروطا باحترام مبادئ معينة، مثل "المساواة بين الرجل والمرأة، احترام كرامة كل شخص، حرية الضمير" ولكن أيضا بتوقيع "التزم بالعلمانية".

وعندما تقول شيابا "لم نعد نريد (أي) يورو واحد من المال العام يذهب للجمعيات التي هي أعداء للجمهورية" فإنها لا تحدد "أعداء الجمهورية" الذين تدعمهم الدولة حاليا، كما أن دارمانين الذي يحظر ويعاقب إصدار "شهادات البكارة" فإنه لا يجيب عن رد فعل غادة حاتم مديرة دار نساء "سان دوني" التي تفترض أحيانا الاستجابة لهذا الطلب "لإنقاذ حياة" فتاة صغيرة.

البحث عن الوحش الصغير

وقال الكاتب إن الحكومة حاولت لعدة أشهر التمييز بين "الانفصالية" (التقوقع الاجتماعي) وبين "التطرف" رغم أن الحدود بينهما شكلية، وقد فتحت خطط مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف إمكانيات جديدة للسلطات العامة، بحيث أدت إلى إنشاء "مراجع للتطرف" وتعزيز الضوابط بالخدمات العامة، واستهداف الأحياء ذات الأولوية، وزيادة مراقبة المدارس الخاصة.

كما تم إنشاء خلايا إدارية لمحاربة "الإسلاموية" برئاسة المحافظين الذين دعاهم تعميم كاستانير الصادر عام 2019 إلى استخدام سلطاتهم الشرطية لمعاقبة الأشخاص أو الأماكن المشتبه في ارتكابهم "انفصالية" على أساس تقارير أجهزة المخابرات، وذلك بوسائل ملتوية دون التذرع بالبعد الديني.

وعلى أساس هذه الآلية -يقول الكاتب- أشادت شيابا بعمل السلطات العامة التي أغلقت "210 مؤسسات للشرب و15 مكانا للعبادة و12 مؤسسة ثقافية وترابطية و4 مدارس" وقالت الوزيرة إنها "أماكن تجمع لتنظيم الانفصالية الإسلامية" دون أن تكرر عبارة وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير الذي يسميها "حاضنات الكراهية".

ويرى الكاتب إلى أن الدافع وراء الإغلاق الإداري لهذه الأماكن البالغ عددها 250 هو رسميا انتهاكات فعلية للالتزامات القانونية، ولكن ذلك يخفي حقيقة غير رسمية هي الاشتباه الأولي في "الانفصالية" دون أن يتمكن الأشخاص أو المنظمات الخاضعون للعقوبات من إثبات ذلك أو الدفاع عن أنفسهم.

وكمثال، استعرض المقال حالة المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو مؤسسة تعليم عال خاصة مقرها سان دوني، تم إغلاقه نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعد أن افترضت وزارة الداخلية الصلة المباشرة بينه وبين شبهات التطرف الديني.

وأوضح لوران نونيز، وزير الدولة بوزارة الداخلية أن "التعليم المقدم في هذه المؤسسة والتغييرات التي لوحظت في بعض الطلاب من قبل أقاربهم دفعت إلى الدعوة لأكبر قدر من اليقظة" مضيفا أن المنشأة قد أغلقت بعد "زيارة غير متوقعة" كشفت عن انتهاكات لمعايير السلامة من الحرائق.

وتعتقد سهام زين من مؤسسة جمعية حقوق المسلمين أن "السلطات تبحث عن الوحش الصغير في الهياكل التي يديرها مسلمون، أحيانا مع عمليات تفتيش مستمرة، كما في حالة الطوارئ"، وهي "دائرة غير شفافة" تؤدي إلى "انتهاك الحقوق المدنية والسياسية للأفراد والجمعيات والهياكل التجارية، لتعطيل استقلالهم وتنظيمهم الذاتي".

وختم الكاتب مقاله بإظهار قلق المسؤولة بالمؤسسة الحقوقية من "اتصالات حكومية تآمرية" حول الإسلام مشيرة إلى أن "اتهام شخص بشيء ما دون السماح له بالدفاع عن نفسه نفاق فظيع، الدولة تنغلق على نفسها، وهذا يأتي بنتائج عكسية. إنها تشكل عش اليمين المتطرف وتبذر عدم الثقة وتخاطر بخلق التطرف في المستقبل".

المصدر : ميديابارت