مصر حبلى بالغضب.. فهل تنتظر ثورة أم تكتفي بزفرات مواقع التواصل؟

epa02563907 Tens of thousands of anti-Mubarak protestors crowd Tahrir Square in central Cairo on 04 Fbruary 2011 as they rally in what they call the 'Day of Departure,' following Friday paryers, calling on President Hosni Mubarak to leave on their 11th day of protests. EPA/JIM HOLLANDER
مصريون في ميدان التحرير أثناء ثورة يناير/كانون الثاني 2011 (وكالة الأنباء الأوروبية)

تبدو مصر حبلى بغضب يملأ أرجائها، ويمكنك أن تلاحظ ذلك بسهولة في مواقع التواصل الاجتماعي وحديث الناس في الشوارع، لكن هل ينتج عن هذا الغضب ثورة كما يتمنى المعارضون، أم تكون مواقع التواصل مجرد متنفس لزفرات الألم، كما يحذر المشككون وتأمل السلطة ومؤيدوها؟

لولا خطورة الرجم بالغيب، لجزم الجميع أن الثورة تطرق أبواب مصر بشدة، وأن السؤال لم يعد عن احتمالية الثورة من عدمها، بل السؤال الحقيقي متى تندلع ثورة المصريين على الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ونظامه، والأهم كيف سيخرج المصريون في الشوارع مرة أخرى بعد سنوات من القمع والقتل والاعتقالات وتكميم الأفواه، مما راكم تجربة مريرة تدفع الكثيرين لتحسس الرؤوس قبل التفكير في كسر حاجز الخوف.

لكن من رأى خير ممن سمع، وقد شاهد المصريون خلال الأيام الماضية احتجاجات ليلية نادرة ضد الشرطة جرت في منطقة المنيب جنوب القاهرة، وخرج فيها أهالي المنطقة للتنديد بمقتل الشاب "إسلام الأسترالي" بسبب الضرب من قبل قوات الشرطة، التي نفت "كالعادة" تورطها في قتله، وقالت إنه مات نتيجة مشاجرة مع آخرين.

ليلة المنيب الساخنة اشتم فيها البعض روائح ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي كان من أهم أسباب اندلاعها مقتل الشاب "خالد سعيد" بسبب الضرب والتعذيب من قبل قوات الشرطة أيضا، وقالت الشرطة وقتها أيضا إنه مات نتيجة ابتلاعه لفافة بانغو.

روائح يناير التي فاحت من ليل المنيب أعادت إلى الأذهان المظاهرات التي خرجت العام الماضي في 20 سبتمبر/أيلول للمطالبة برحيل السيسي ونظامه، والتي أربكت حسابات النظام المصري، خاصة أنها شهدت خروج متظاهرين جدد لم تعرفهم أجهزة الأمن من قبل، كما أن الدعوة للتظاهر لم تأت من المعارضة التقليدية، بل كانت من الممثل والمقاول محمد علي، الذي مثّل إلهاما للعديد من الشباب غير المنتظم في حركات سياسية أو فكرية.

لم تكن ليلة المنيب وحدها من أشاعت أمل الثورة في نفوس المصريين؛ حيث شهدت الأسابيع الماضية تصاعد الغضب الشعبي تجاه السيسي، وانعكس ذلك على مواقع التواصل التي شهدت ظاهرة قليلة التكرار، حيث تصدرت الوسوم المطالبة برحيل السيسي منصات التواصل لأسبوعين متتاليين، ورغم محاولات اللجان الإلكترونية التصدي لها بوسوم مضادة، لكن ظلت صيحة رحيل السيسي تدوي إلكترونيا.

على رأس تلك الوسوم كان وسم "مش عايزينك" الذي تنوعت صياغته والإضافات عليه، لكن ظلت فكرته هي المسيطرة حتى اليوم الأربعاء متصدرا مواقع التواصل، حيث كان رحيل السيسي هو مطلب الجميع ردا على تصريحات سابقة له كرر فيها استعداده للرحيل إذا طلب المصريون منه ذلك.

واليوم أيضا تصدر وسم "نازلين في وقت مفاجئ" وذلك في إشارة إلى محاولة المتظاهرين إرباك الأجهزة الأمنية التي بدأت في الاستعداد لاحتمال اندلاع مظاهرات في أي وقت، كما تصدر أمس وسم بعنوان "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقال مغردون إن تلك الجملة هي الأقرب لقلوب المصريين بسبب ارتباطها بثورة يناير، حيث كانت الصيحة الأكثر ترديدا في ميدان التحرير.

الاحتقان الشعبي واحتمالات الغضب ربما هي التي دفعت محمد على لتكرار دعوته للتظاهر في الذكرى الأولى لمظاهرات 20 سبتمبر/أيلول، مؤكدا أن أسباب الغضب هذه المرة أكبر بكثير من العام الماضي، وتفاعل مع دعوته العديد من النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

أسباب تصاعد الغضب واحتمال الثورة التي تنتظر شرارتها، يعددها المغردون يوميا بداية من التدهور المعيشي وارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية، وصولا إلى انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير الحياة السياسية وتكميم الأفواه، مرورا بالفشل في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بما يهدد مستقبل مصر المائي ويشكل خطرا على أمنها القومي، فضلا عن التفريط في حقوق مصر بغاز شرق المتوسط، وليس آخرا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين لصالح السعودية.

لكن الأغلبية بمن فيها بعض المؤيدين للنظام، يرون أن السبب المباشر في اشتعال الغضب وانتقاله للشارع هو توسع السلطات في هدم المنازل بدعوى مخالفتها لتراخيص البناء، حتى أن السيسي نفسه قال قبل أسبوع إن هناك تحذيرات تصل إليه من تأثير ذلك على شعبيته، لكنه يصر على تنفيذ ما يراه تطبيقا للقانون وعودة هيبة الدولة.

هدم المنازل لم يفرق بين مؤيد ومعارض، لكنه ربما فرق بين أغنياء مصر وفقرائها، حيث يقول رواد مواقع التواصل إن كل الفيديوهات المنتشرة لعمليات الهدم تأتي من القرى والمناطق الفقيرة، ولم يشاهد المصريون هدما للقصور الفاخرة التي تنطبق شروط المخالفة على العديد منها أيضا.

ويتندّر آخرون على حالة القلق التي انتابت بعض الإعلاميين المؤيدين للسيسي بسبب مشاهد الغضب التي انتقلت من مواقع التواصل إلى الشوارع المصرية، مما دفع المذيع أحمد موسى إلى الانفعال على الهواء ومناشدة السيسي -ربما لأول مرة- بإعادة التفكير في القرار سواء بتخفيض قيمة التصالح لمنع الهدم، أو تمديد المهلة التي تنتهي آخر الشهر الجاري.

وقال موسى إن ما يجري على أرض الواقع من عمليات الهدم وتعقيدات إجراءات التصالح، أعطى فرصة كبيرة للمعارضة والإعلام في الخارج لإشعال غضب المصريين.

ورغم الغضب المتصاعد والاحتقان الذي على وشك الانفجار، فإن هناك من يرى أن التجربة المريرة منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013، تشي بأن مواقع التواصل ربما تكون أيضا متنفسا للغضب، حيث يكتفي المصريون ببث شكواهم وحزنهم إلكترونيا، ثم يعودون أدراجهم حيث دوامة البحث عن لقمة العيش تتصاعد قسوتها بمرور الوقت.

فأي الفريقين أقرب توقعا لما تنتظره مصر؟ هذا ما لا يستطيع أحد الجزم به، وربما تجلّيه وحدها الأيام القليلة المقبلة.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي