ميديا بارت: الصراع في ناغورني قره باغ قد يصبح حربا كبرى

Servicemen of the self-defense army of Nagorno-Karabakh rest at their positions near the village of Mataghis April 6, 2016. REUTERS/Staff TPX IMAGES OF THE DAY
الكاتب: الصراع حول ناغورني قره باغ قد يكون الأكثر تفجرا بين 6 صراعات إقليمية نشأت عقب تفكك الاتحاد السوفياتي (رويترز)

قال موقع ميديا بارت الفرنسي (Mediapart) إن الاشتباكات المتجددة في إقليم ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، تحولت إلى "حرب صغيرة" ولم تعد سلسلة من المناوشات كالتي كانت تحدث بانتظام منذ "حرب الأيام الأربعة" عام 2016، ورجّح أن عدم وجود آفاق للمفاوضات هو ما دفع باكو إلى المضي في الهجوم.

وقال جان بيير بيرين في تقرير للموقع إن الصراع على إقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه أغلبية من الأرمن، قد يكون الأكثر تفجرا من بين 6 صراعات إقليمية نشأت عن تفكك الاتحاد السوفياتي، وذلك لأنه يختلط فيه العنف العرقي والنزاعات التاريخية والإقليمية وتدخل بعض القوى، ولا سيما تركيا وروسيا.

وأوضح الكاتب أن مناظر الدبابات والعربات المدرعة المشتعلة الذي تعرضه الدولتان، يدل على أن الاشتباكات حول الجيب الأرمني عنيفة، مما يثير مخاوف عبّر عنها رئيس الوزراء الأرمني نيكول باتشينيان بأنها قد تتحول إلى "حرب كبرى ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها".

وأشار الكاتب إلى أن أرمينيا أصدرت مرسوما "بالتعبئة العامة" وفرضت "الأحكام العرفية" لأول مرة منذ عام 1990، كما أن أذربيجان تحدثت بنفس اللهجة الحربية إذ أعلن الرئيس إلهام علييف الأحكام العرفية وحظر التجول في باكو والمدن الكبرى الأخرى وبالقرب من خط المواجهة.

تقدم أذري

وفي الوقت الحالي، نشر الجيش التركي خريطة تظهر تقدم القوات الأذرية على "خط التماس" بأكمله، مما يعني أن جيش أذربيجان أخذ زمام المبادرة واستعاد السيطرة على عدة قرى.

واستعاد الكاتب تاريخ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، مشيرا إلى أن أعمال عنف عرقية مروعة قد سبقته في البلدين حتى قبل تفكك الاتحاد السوفياتي، وأن الحرب بينهما بدأت فور رحيل الجيش السوفياتي، في رهان أساسه الاستحواذ على ناغورني قره باغ، وهي مقاطعة من أذربيجان يسكنها بشكل أساسي الأرمن، أعلنت استقلالها بدعم من أرمينيا عام 1991، دون أن يعترف بها أحد حتى أرمينيا نفسها.

وقد استمر هذا الصراع حتى عام 1994 مع هجومين أرمنيين رئيسين في 1992 و1993، وقتل فيه حوالي 30 ألف شخص، وأصبح نحو 400 ألف أرمني و800 ألف أذري في عداد اللاجئين، كما استولت القوات الأرمنية على الجيب، ولم تكتف بذلك بل ضمّت جميع الأراضي الواقعة بينه وبين أرمينيا.

ومنذ ذلك الحين -كما يقول الكاتب- والجمهورية الانفصالية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 150 ألف نسمة في أكثر من 4400 كيلومتر مربع، تعتمد كليا في بقائها على المساعدات المالية في ظل نظام وقف إطلاق النار.

غير أن أذربيجان لم تستسلم ولم تتراجع عن استعادة ناغورني قره باغ، وقبل كل شيء الأراضي الحدودية التي تفصل الجيب الانفصالي عن أرمينيا، لذلك تظل الحدود بين البلدين واحدة من أكثر الأماكن عسكرة في أوراسيا، خاصة أن محادثات السلام لم تنجح أبدا.

People carry the coffin of a member of Azerbaijani Armed Forces who was allegedly killed during the fighting over the breakaway region of Nagorno-Karabakh, in Tartar district
جنازة أحد أفراد القوات المسلحة الأذرية ممن قُتل في الصراع حول ناغورني قره باغ (رويترز)

صراع مجمّد

وفي محاولة لوضع حد للصراع، أنشأت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هيكلا مكونا من 11 دولة عام 1992 يسمى مجموعة مينسك، لكن هذه المجموعة بقيت غير فعالية بصورة صارخة، كما يقول الكاتب المتخصص في شؤون القوقاز جان لوي غورو، وبالتالي كانت فرص التوصل إلى حل ضئيلة، حيث كانت الولايات المتحدة غير مبالية بالموضوع، وفرنسا عاجزة، والروس غير راغبين في إنهاء الصراع الذي استغلوه لإقناع أرمينيا بالانضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي هيكل سياسي عسكري تقوده موسكو من المفترض أن يوازن الناتو.

ويضيف غورو أن ناغورني قره باغ واحد من تلك الصراعات المجمدة الشهيرة التي لا يمكن تفسير استمرارها إلا بأنها تخدم الجهات التي لديها الوسائل لتسويتها، خاصة أن موسكو تستطيع فرض مفاوضات السلام على الجانبين، ولكنها -لأجل مصالحها الخاصة- تفضل إبقاء هذا الجرح مفتوحا، مشيرا إلى أنه كان بإمكان موارد أذربيجان الكبيرة وخبرة الأرمن في التجارة تحويل الجيب إلى قصة ازدهار اقتصادي.

وإذا كان موقف موسكو مائلا لباكو في الماضي مع أنها سلحت الطرفين لمصلحة مجمعها الصناعي العسكري، فإنها تميل اليوم أكثر نحو أرمينيا -بحسب ما يقول الكاتب- مع وجود قاعدة وحرس حدود روسي على أراضيها واتفاقية عسكرية ملزمة للبلدين.

وفي المقابل، أشار الكاتب إلى أن تركيا انخرطت بشكل علني إلى جانب باكو، حيث أكد وزير الدفاع أن أنقرة ستدعم أذربيجان "بكل ما لديها من وسائل"، ووعد الرئيس رجب طيب أردوغان بتقديم المساعدة "لإخوانه الأذريين".

وفي هذا السياق، يقول الخبير سيرغي ماركيدونوف في مساهمة بمعهد أبحاث مركز كارنيغي في موسكو، إن "هذا التصعيد الجديد لا يمكن أن يقال إن تركيا هي سببه، ولكن مع تعطل المحادثات، ساهمت أنقرة بلا شك في اتخاذ أذربيجان موقفا أكثر صرامة".

خيبة أمل

ولكن هذا -بحسب الكاتب- لا يعني أن أذربيجان تقع تحت حكم أنقرة، بل إنها أقامت علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة وجورجيا، حيث يمر خط الأنابيب الذي يسمح لها بتصدير النفط المستخرج من بحر قزوين إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، كما نوّعت إمداداتها من الأسلحة من خلال تحالف مع إسرائيل التي تزودها بالنفط وتتلقى منها أنظمة دفاع متطورة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ.

وقد أعلن الرئيس علييف عام 2016 أن بلاده وقّعت عقدا بقيمة 5 مليارات دولار مع تل أبيب، مما أثار غضب أرمينيا التي تتمتع بأفضل علاقات مع إيران التي عرضت وساطتها، مع أن من المتوقع أن ترفض باكو ذلك.

وأشار الكاتب إلى أن الاشتباكات في المرات السابقة لم تؤد إلى استئناف جدي للمحادثات، مما خيب آمال باكو التي أحياها وصول نيكول باتشينيان إلى السلطة بعد "الثورة المخملية" عام 2018، حيث بدا أنه لا علاقة له بناغورني قره باغ، إلا أن العكس هو ما وقع عندما بدا مؤيدا قويا للإقليم أكثر من سلفه.

المصدر : ميديابارت