في الذكرى الأولى لانطلاقها.. ماذا حققت المظاهرات العراقية وهل تتجدد؟
أحمد الدباغ – الجزيرة نت
يوافق يوم غد الأول من أكتوبر/تشرين الأول، الذكرى الأولى لانطلاق المظاهرات الشعبية في العراق، والتي عُدَّت الأوسع منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وانطلقت من ساحة التحرير وسط بغداد وتوسعت لتشمل المحافظات الوسطى والجنوبية.
يقول الناشط في العاصمة بغداد حسين علي إن المظاهرات جاءت بعيدة عن تحشيد الأحزاب السياسية ورغباتها، لا بل قلبت معادلات العملية السياسية في البلاد، وحولت الفكر الجمعي العراقي ومجرياته من حال إلى أخرى.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول علي إنه مع بدء المظاهرات، لم يكن أحد يتوقع أن تتوسع للحد الذي صارت عليه، وهو ما أشر إلى أن الشعب العراقي بجميع أطيافه ضاق ذرعا بالطبقة السياسية التي نهبت البلاد وجعلت منها ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.
وإزاء ما تم تحقيقه من مطالب المحتجين بعد مرور عام على المظاهرات، اعتبر علي أنه لم يتم تحقيق الأهداف الرئيسية للاحتجاجات، مشيرا إلى أن تجددها قادم لا محالة.
وعن كم العنف الذي واجهته المظاهرات، يعلق بالقول إن القوات الأمنية والمجموعات المسلحة لم توفر أي وسيلة في قمعها، إذ استُخدمت مختلف الأسلحة والأساليب القمعية التي ذهب ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح.
أعداد الضحايا
أعداد كبيرة من القتلى والجرحى سقطوا خلال المظاهرات التي استمرت أشهرا، ولم تتراجع حدتها إلا مع تفشي فيروس كورونا في مارس/آذار الماضي. وبحسب علي البياتي عضو مفوضية حقوق الإنسان -التي تتبع البرلمان العراقي- فإن الحصيلة النهائية للقتلى بلغت 560 قتيلا، بينهم 18 منتسبا للقوات الأمنية، مع عدد كبير من الجرحى يزيد على 24 ألفا بينهم قرابة 5 آلاف عسكري.
وعن قمع التظاهرات، يكشف البياتي -في حديثه للجزيرة نت- أن تحقيقات المفوضية أثبتت وجود اعتداء من قبل التشكيلات الأمنية على المتظاهرين، دون اتخاذ أية إجراءات حكومية فعالة لمحاسبة المتورطين حتى الآن.
من جهته، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أرشد الصالحي -للجزيرة نت- أن أعداد القتلى الذين سقطوا خلال المظاهرات تجاوز 600 شخص، وأن ما شابها من قمع عرّض العراق لمساءلات كبيرة من مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية.
إيجابيات وسلبيات
ويتفق العديد من الخبراء والمحللين على أن المظاهرات كان لها إيجابيات كبيرة، إذ يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور علي أغوان إنها أضافت بُعدا آخر يتمثل في التماسك الاجتماعي العابر للمكونات والطوائف، مما أدى إلى تحولات إيجابية مجتمعيا، أزعجت بعض الكتل السياسية التي لا تزال تحاول العمل وفق المنهجية القديمة التي تعتاش عليها.
أغوان -في حديثه للجزيرة نت- يضيف أن مظاهرات تشرين أسست لمرحلة قافزة للطائفية، خاصة أن المجتمع المدني للتظاهرات تأسس عبر مخاض استمر 17 عاما من حكم الطبقة السياسية الحالية.
وعلى الرغم من عدم تحقيق المظاهرات تطلعاتها كاملة، فإن أغوان يرى أن هذه التحركات أزاحت الخط الأول لمعارضي ما قبل 2003، إذ إن جميع من تولوا السلطة في البلاد على مدى السنوات الماضية كانوا من قيادات الصف الأول للأحزاب المعارضة لحكم نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وأنه يمكن وصف المرحلة الحالية بأنها ولادة جديدة لطبقة سياسية بعيدة عن تأثيرات الواقع النفسي للشخصيات التي حكمت البلاد.
إنجازات
أما النائب في البرلمان العراقي حسين عرب -المتحدث باسم كتلة "عراقيون"، وهي تحالف من مجموعة مكونات سياسية- فيرى من جانبه أن أبرز ما حققته المظاهرات هو استبدال حكومة عادل عبد المهدي ومحاسبة بعض الفاسدين وتغيير قانون الانتخابات.
واعتبر أن المظاهرات أتاحت فرصة مواتية للعراق للخروج من الخيارات السياسية "المقيتة" وحالة الجمود السياسي التي طالت سنوات، مؤكدا أن العراق بدأ يشهد ولادة عقد سياسي جديد.
أما عن السلبيات التي رافقت التظاهرات، فيؤكد عرب -في حديثه للجزيرة نت- أن المظاهرات شهدت دخول بعض المندسين الذي خرّبوا بعض الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما يجب على المتظاهرين معالجته وعدم السماح به حتى لا تتلوث ثورتهم في حال تجددت.
وبالعودة إلى أرشد الصالحي فإنه يشير إلى أن إيجابيات المظاهرات أكبر من سلبياتها، خاصة أنها أسست لمرحلة تتمثل في أن العراقيين لن يسكتوا على أي نظام سياسي ينتهك حقوقهم ويسرق أموالهم، لافتا إلى أن الرسالة كانت واضحة في أن الوضع في العراق بعد التظاهرات لن يعود إلى ما كان عليه في السنوات السابقة بأي حال من الأحوال.
من جانبه، يرى الصحفي ماجد عبد الحميد أن الإيجابية البارزة في المظاهرات تمثلت في أنها بدأت من مجموعة ناشطين لم يكونوا منظمين، غير أنهم استطاعوا توسيعها وإدامتها شهورا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى عبد الحميد أن الصرخة الأولى للمظاهرات أشارت إلى أن شباب العراق كانوا واعين ومدركين للوضع السياسي في البلاد، وكأنهم متمرسون في السياسة، حيث أجادوا المناورة السياسية والأمنية بكل تفاصيلها.
مكاسب أمنية
ويشير العديد من الخبراء الأمنيين إلى أن هناك إيجابيات كثيرة حققتها المظاهرات العراقية. وبحسب الخبير الأمني والإستراتيجي معن الجبوري، فإن أول ما حققه المتظاهرون هو أنه -ولأول مرة في تاريخ العراق- استطاعت قوة مدنية إسقاط أسوأ حكومة عراقية بعد 2003، والمتمثلة في حكومة عادل عبد المهدي وإخراجها من المعادلة.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي جاء من خارج الأحزاب الدينية التي أحكمت سيطرتها على مقاليد الحكم، وأن المتظاهرين لا يزالون يمارسون ضغطا على الحكومة والبرلمان، في سابقة سياسية لم يشهدها العراقيون على مدى العقود الماضية.
ومن مكاسب المظاهرات الأمنية -بحسب الجبوري- أنها أسست لمرحلة حصر السلاح بيد الدولة، على الرغم من أن المشوار بدأ للتو وقد يحتاج مدة طويلة حتى تتمكن الحكومة من حصره، فضلا عن أنها حدت من نشاط المجاميع المسلحة، مع الإشارة إلى أن الحكومة بدأت في فرض سيطرتها على المنافذ الحدودية للبلاد.
تجدد المظاهرات
ويرى الجبوري أن شرارة المظاهرات لن تنطفئ قريبا، لكنها لن تكون بذات الوتيرة التي كانت عليها، عازيا ذلك إلى أن العراق يشهد تفشيا واسعا لفيروس كورونا، فضلا عن استغلال بعض الأحزاب لذلك وكسب بعض الناشطين والمؤثرين لصالح توجهاتها الحزبية.
وبالعودة إلى أغوان، فإنه يرى أن هناك فرصة لتجدد المظاهرات مع حلول الذكرى الأولى لها، لكنها ستكون من منطلقات أخرى تتمثل في إرسال رسائل للكتل السياسية التي تحاول التلاعب بقانون الانتخابات الذي لم يصوَّت عليه حتى الآن.
ويرجح أغوان أن الأشهر الستة القادمة لن تشهد مظاهرات ضد حكومة الكاظمي، خاصة أن الظرف الحالي يختلف كليا عن العام الماضي، إذ إن كلا من المتظاهرين والحكومة حاليا متضرر من الفصائل المسلحة التي قد تجرّ البلاد إلى المجهول مع التحذيرات الأميركية الأخيرة.
كما أكد أرشد الصالحي على أن دستور البلاد كفل للعراقيين الخروج في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم، شريطة عدم الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وأن على الحكومة وأجهزتها الأمنية توفير الحماية لها.
وحاولت الجزيرة نت الاتصال بالعديد من الأحزاب السياسية، إلا أنهم امتنعوا عن التصريح في الموضوع.
ويبدو أن الموقف الحكومي لا يزال مترقبا لما قد يحدث، خاصة بعد أن كشفت بعض وسائل الإعلام ومن خلال تسريبات عن نية عند بعض الأحزاب والفصائل المسلحة زجّ عناصر منها المظاهرات المرتقبة في الذكرى السنوية الأولى لثورة تشرين، لتغيير بوصلتها وتوجيهها للمطالبة برحيل القوات الأميركية من العراق ومهاجمة حكومة الكاظمي.