الشيخ صباح في الوجدان القطري.. عامل توازن وصوت حكمة
هي كلمات قليلة صرح بها المغفور له بإذن الله أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر 2017، حيث أفاد حينها بأن المهم في مسألة حصار قطر "أننا أوقفنا العمل العسكري".
وكان يقصد بذلك الخطة التي كانت معدة لتنفيذها من قبل دول الحصار الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بعد إعلان الحصار على قطر في الخامس من يونيو/حزيران من العام نفسه.
كلمات خالدة
كلماته تلك أدخلته قلوب القطريين من أوسع أبوابها، لدوره العظيم في تجنيب ليس قطر فحسب بل الخليج كله كارثة لم يكن يتخيل أكثر المتشائمين في المنطقة أن أمرا كارثيا مثل ذلك من الممكن أن يُخطط له من قبل دول المنطقة نفسها.
وقد تذكر القطريون تارة أخرى كلماته تلك وهم يتابعون البرامج الاستقصائية المتنوعة التي تبثها قناة الجزيرة، وآخرها برنامج التحقيق الاستقصائي "المسافة صفر" الذي حمل عنوان "رسائل سيتا" والذي تم التطرق في جزئه الأول قبل أيام إلى الكيفيات التي كان يتم فيها تجهيز سيناريو غزو عسكري لقطر.
وقد جاء ضمن البرنامج ما أوضحه باحث متخصص في العلوم الإنسانية الرقمية مارك جونز بأن الذريعة التي اختلقت للأزمة الخليجية بدأت بقرصنة شبكة تلفزيون قطر ونشر أخبار كاذبة، وإطلاق آلاف الحسابات المزيفة على تويتر وفيسبوك لخلق رأي عام وهمي داعم للحرب.
المسافة صفر والذاكرة القطرية
البرنامج أعاد تنشيط الذاكرة الشعبية القطرية للسيناريو الكارثي الذي لولا الله ثم جهود الأمير الراحل لكان الخليج في وضع لا يمكن تصور شناعته.
وأثناء انشغال الرأي العام القطري بتفاصيل ما جاء في البرنامج يأتي الخبر المفجع أمس الثلاثاء بوفاة أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد، الأمير الذي رغم كبر سنه واعتلال صحته كان حريصا على لم شمل الخليجيين، وسافر إلى العواصم المختلفة لأجل تهدئة الوضع وحلحلة الأزمة التي اختلقتها دول الحصار.
وقد جاء ذلك في وقت كانت المنطقة في غنى عن أي أزمات جديدة، وهذا كان محل تقدير واعتزاز من قبل قطر، حكومة وشعبا.
عامل توازن
جاء خبر وفاة الأمير صباح في وقت يحتاج الخليج إلى عامل توازن وصوت حكمة، وقد اجتمع ذلك في شخص الأمير الراحل، فكانت جهوده واضحة، وكثيرا ما صرح بأنه لم يعد مقبولا ولا محتملا استمرار الخلاف بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، لأنه أوهن قدرات المجلس وهدد إنجازاته.
وليس من المستغرب أن يهب القطريون حكومة وشعبا لذكر مناقب ومآثر الأمير الراحل عبر جميع وسائل التواصل والإعلام، فقد كان لهم بمثابة العامل المطمئن والحكيم في أزمة غير مسبوقة لقطر وللخليج.
وصار في الوجدان القطري أنه ليس من السهل ملء الفراغ الذي أحدثه، وعلى ذلك يرى كثير من المراقبين للأزمة الخليجية أنه لا مؤشرات في الأفق تشير إلى نهاية قريبة لها، مما يعني استمرار بقاء الخليج على صفيح ساخن، لا أحد يدري متى يمكن أن يبرد أو تقل حرارته.