ماهر الأخرس.. 65 يوما من معركة الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال

من فيديو مسرب قبل أيام فقط، عرفت عائلة الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس (49 عاما) آخر أحواله الصحية، بعد 65 يوما من الإضراب المتواصل عن الطعام رفضا لاعتقاله الإداري، وأدركت أن خطرا كبيرا يتهدد حياته في مستشفى كابلان الإسرائيلي حيث يقبع منذ بضعة أسابيع.
منذ الـ27 من يوليو/تموز الماضي، أعلن الأسير الأخرس -المنحدر من قرية سيلة الظهر قضاء مدينة جنين شمال الضفة الغربية- أمام عائلته وجنود الاحتلال الذين جاؤوا لاعتقاله أنه مضرب عن الطعام منذ تلك اللحظة، وأن لا شيء يستدعي اعتقاله غير التنغيص عليه ومضايقته.
ومن الفيديو أيضا، انتزعت تغريد الأخرس (أم إسلام) صورة لزوجها الأسير، وطبعت منها نسخا وبوسترات كثيرة لتصحبها معها خلال الفعاليات والوقفات التضامنية معه على الرغم من قلتها، فهي شاهد حي على آخر معاناة زوجها الأسير الذي فقد -وفقا لقولها- "أكثر من نصف وزنه بفعل الإضراب".
ولم تعرف الزوجة ولا أي من عائلة الأسير الأخرس تفاصيل أوضاعه الصحية قبل هذا الفيديو، الذي قيل إنه سُرِّب بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي بتجميد الاعتقال الإداري للأسير الأخرس عند 4 أشهر فقط، لكنها كانت ولا تزال تستشعر خطرا كبيرا يتهدد حياته، حتى وإن تظاهروا بأنهم "خففوا الحراسة العسكرية، وأزالوا القيد والأغلال من يديه داخل المشفى".

تدهور خطير
وظهر الأسير الأخرس في الفيديو متحدثا بصوت خافت وجسم هزيل، ليخبر بسوء حاله الصحي وتعنّت الاحتلال بإطلاق سراحه رغم ذلك، وقال إن تجميد القرار الإداري ليس إلا "خدعة" إسرائيلية لإنهاء الإضراب، وأن ذلك لن ينطلي عليه وهو مستمر بإضرابه.
ومنذ اعتقاله، منعت إسرائيل أم إسلام أو أي أحد من أبنائها من لقاء والدهم في السجن أو حتى في المستشفى، واقتصرت الزيارة على محاميه ولمرتين أو 3 فقط، وبعد شهر أو أكثر من اعتقاله.
وتقول في روايتها للجزيرة نت، إن زوجها تعرض للعزل الانفرادي والتنكيل عبر نقله بين عدة سجون، ولا سيما عيادة سجن الرملة حيث يقبع الأسرى المرضى في أوضاع "كارثية" صحيا وخدميا.
وتضيف أنه يعاني ظروف اعتقال "سيئة للغاية"، وأنه حُرم من أبسط حقوقه في الدخول للمرحاض "ووضعت الكاميرات لمراقبته حيث مكان اعتقاله". وليس هذا مستغربا، فالاعتقال كله ومن اللحظة الأولى هدف الاحتلال منه إذلال الأسير الأخرس وتكدير عيشه، حتى إن ضابطا رفيعا اتصل بالجنود لحظة اعتقاله وأخبره أنه سيكدر عيشه وسيدمره اقتصاديا، وقال بالحرف وفق أم إسلام، "بدي أخرب بيتك ومزرعتك"، وأن هذا كان سببا آخر في إصراره على الإضراب.
ومن المفارقة في أمر اعتقال الأخرس أنه هو من طالب سلطات الاحتلال بالتحقيق معه، فقد كان واثقا من أنه لم يفعل ما يزعج الاحتلال، لكنهم رفضوا ذلك وحولوه للاعتقال الإداري ودون محاكمة، ومنعوا زيارته في إجراء عقابي واضح.
في سجونها تعتقل إسرائيل أكثر من 4 آلاف فلسطيني بينهم نحو 350 أسيرا في الاعتقال الإداري الذي يوصف بأنه أسوأ أنواع الاعتقالات وأكثرها صلفا، حيث يبقى ملف القضية "سرّيا"، وتكال الاتهامات للأسرى جزافا وبلا علم بها، وليس هناك حد زمني لفترة الاعتقال التي قد تُجدد بقرار عسكري في اللحظة الأخيرة دون محاكمة ودون علم الأسير.
"لو كان جبلا سينهار"
وفي منزلها تترقب أم إسلام وبجانبها الحاجة خيرية الأخرس والدة ماهر أي أخبار تأتيهم عن ابنهم الأسير، ويعيشون قلقا غير مسبوق عليه خاصة وأنه يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، وأن الإضراب قد يزيد في إصابته بالأمراض أو تلف في أعضائه الداخلية.
ولا تنقطع الحاجة خيرية (72 عاما) عن الدعاء بتثبيت نجلها الأسير فيما تمسك سبحتها، لكنها لا تخفي تخوفها عليه، وتقول "لو كان جبلا سينهار، ولن يتحمل جسده أكثر من ذلك".
وعلى الرغم من قرار تجميد اعتقاله، يرفض الأسير الأخرس السماح للجهات الطبية الإسرائيلية بفحصه أو معالجته، ويؤكد أن ذلك لن يكون إلا بعد حصوله على قرار رسمي بالإفراج فعلا، وهذا وفقا لزوجته "لمنع اعتقاله ثانية، وجعل ذلك ديدن كل ضابط إسرائيلي جديد للمنطقة"، خاصة وأن زوجها الأسير بات ينشغل في مزرعة الأبقار خاصته بعيدا عن الناس.
وبدأ مسلسل الاعتقال للأسير الأخرس عام 1989 ولما ينته بعد، آخره قبل أقل من عام، وقضى في اعتقالاته التي توصف بأن معظمها إدارية 5 سنوات.
وإن كان الأسير الأخرس وحده من يُضرب الآن لوقف انتهاكات الاحتلال بحقه، إلا أن حالة من الغليان تسود في سجون الاحتلال بين الأسرى جميعا، ولا سيما في ظل إجراءات الاحتلال الأخيرة ضدهم خلال جائحة كورونا التي طوعها الاحتلال للضغط عليهم.

انفجار مرتقب
وتقول أماني سراحنة المتحدثة باسم نادي الأسير الفلسطيني، إن الأوضاع الصحية للأسرى مغيبة خاصة بشأن كورونا في ظل حصر الاحتلال للمعلومات وحجبها عنهم كجهات حقوقية وقانونية تعنى بشؤون الأسرى، وعلى الرغم من ذلك سجلوا إصابة 31 أسيرا بفيروس كورونا "سببها عمليات التنقل بين الأسرى، والاعتقالات الحديثة".
وأضافت في حديثها للجزيرة نت، أن إجراءات الاحتلال خلال كورونا فاقمت سوء الأوضاع الحياتية للأسرى، واستخدمت الفيروس لعقابهم والتنكيل بهم، فقد وضعتهم بعزل مضاعف وأوقفت الزيارات لذويهم والتواصل مع محاميهم، وغيّبت "محاكمات عادلة" لهم، حتى إنها قلصت من مصروفهم اليومي عبر "الكنتين"، وحدّت من شرائهم لمواد التنظيف والمعقمات.
ولفتت سراحنة إلى أن مراكز الاعتقال مثل حوارة وعتصيون تغيب عنها أدنى الشروط كمراكز احتجاز، حيث يحبس الأسرى بمجموعات سويا دون أدنى مقومات النظافة أو الوقاية، فضلا عن أن سلطات الاحتلال حولت أقساما داخل السجون كمراكز للحجر الصحي "وهي عبارة عن زنازين لعزل الأسرى، وليس لحجرهم".
وكان الوزير قدري أبو بكر -رئيس هيئة شؤون الأسرى- قد حذَّر في تصريح له من "انفجار السجون" بفعل حالة الغليان التي يعيشها الأسرى، خاصة بعد إغلاق حساب "الكنتين"، ومنع ذويهم من زيارتهم وتحويل أموال لهم، وقال إنهم سيبدؤون بخطوات تصعيدية بينها الإضراب عن الطعام.
وقد يفضي إضراب الأسير ماهر الأخرس لأمرين لا ثالث لهما، شهادة أو حرية، وهذا ما يدركه الأسير نفسه وعائلته التي لا تغيب عنها هواجس القلق والخوف، لتظل رسالته واحدة مفادها أنه وبأمعائه الخاوية يشكل "نصرا لكل أسير، وشرارة لتحررهم من سجون الاحتلال".