نشأة كاثوليكية وعداء للإجهاض والمهاجرين.. من القاضية الأميركية إيمي كوني باريت؟

القاضية باريت خلال كلمتها أمس بعيد الإعلان عن ترشيحها من قبل ترامب (الأوروبية)

مثّل اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضية إيمي كوني باريت لعضوية المحكمة الدستورية العليا -خلفا للقاضية روث بادر غينسبيرغ التي توفيت قبل أسبوع- خبرا صادما لليبراليين الديمقراطيين، لكنه كان حدثا سعيدا للمحافظين الجمهوريين.

وتوصف إيمي باريت بأنها النقيض للقاضية غينسبيرغ. وخلال كلمة قبولها الترشح للمنصب القضائي المرموق، أكدت باريت على تقديرها الكبير لغينسبيرغ بالقول "إنها حققت الكثير من آمال وطموح النساء ونالت إعجابهم، ليس في جميع أنحاء البلاد فحسب، بل في جميع أنحاء العالم".

لكن نظرة سريعة على سجل القاضية باريت، تكشف أن مواقفها هي على النقيض تماما من غينسبيرغ، سواء في ما يتعلق بقضية الإجهاض وحق النساء في اتخاذ القرار، أو قضية حمل السلاح، أو الدفاع عن المؤسسات الدينية، أو تجاه برامج الرعاية الصحية المعروفة باسم "أوباما كير"، أو تجاه حقوق المهاجرين.

وظهرت مواقف باريت المؤيدة لسياسات ترامب بوضوح أوائل هذا العام، حيث كانت مؤيدة لسياسة إدارته المتمثلة في منع دخول المهاجرين غير النظاميين، وقالت إن من القانوني لإدارة ترامب تطبيق قاعدة رفض منح الإقامة الدائمة (غرين كارد) لمن يحصل على المساعدات الحكومية.

باريت مع ترامب قبيل إعلان ترشيحها أمس (الأوروبية)

ويتوقع أن يقلب هذا التعيين توازن المحكمة العليا، حيث يمنح المحافظين القريبين من الحزب الجمهوري أغلبية واضحة بـ6 قضاة، مقابل 3 من الليبراليين القريبين من الحزب الديمقراطي.

وإذا تم تثبيت باريت من قبل مجلس الشيوخ، فستصبح المرأة الثالثة بين قضاة المحكمة العليا التسعة، وستكون القاضية المحافظة الوحيدة بينهن، إذ إن القاضيتين الأخريين إيلينا كاغان وسونيا سوتومايور، من الليبراليين، وقد رشحهما الرئيس السابق باراك أوباما.

وحال تثبيتها كذلك، ستصبح باريت أصغر من تولى المنصب بين القضاة على مدار التاريخ الأميركي، حيث يبلغ عمرها 48 عاما فقط.

نشأة كاثوليكية

نشأت باريت في إحدى ضواحي مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، والتحقت بمدارس كاثوليكية خاصة طوال حياتها، ثم التحقت بكلية رودس في ولاية تينيسي، وهي جامعة مرتبطة بالكنيسة المشيخية الأميركية، حيث تخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف.

لاحقا، حصلت على شهادتها في القانون من جامعة نوتردام الكاثوليكية الشهيرة في ولاية إنديانا عام 1997، حيث عملت أثناء فترة دراستها محررة للمجلة القانونية، وكانت الأولى بين أقرانها.

وعملت باريت محامية لعدة سنوات في العاصمة واشنطن في شركة محاماة خاصة، ودرست القانون لفترة قصيرة في جامعة جورج واشنطن. ثم عادت إلى جامعة نوتردام لتعمل أستاذة للقانون ودرّست منذ عام 2002 وحتى عام 2017.

عينها الرئيس ترامب عام 2017 قاضية فدرالية في الدائرة السابعة بمدينة شيكاغو، والتي تغطي ولايات إلينوي وإنديانا وويسكونسن. وصوّت مجلس الشيوخ في أكتوبر/تشرين الأول 2017 على تثبيتها بأغلبية 55 صوتا مقابل 43.

وذكرت وكالة "أسوشيتد بريس" أن باريت كتبت حوالي 100 رأي قانوني خلال السنوات الثلاث الماضية، اتسمت بطابع المحافظة بشكل واضح ومتسق.

وتعكس مواقفها من عدة قضايا مهمة -خاصة ما يتعلق بعقوبة الإعدام والهجرة وحقوق حمل السلاح والإجهاض- مواقف تتطابق مع فهمها للأفكار الكاثوليكية، على الرغم من ادعائها أنها تتخذ مواقفها بالتطابق مع الدستور الأميركي.

المعلم أنتوني سكاليا

ومن أبرز ما ترك تأثيرا كبيرا عليها -إضافة إلى عقيدتها الكاثوليكية- في ما يتعلق بمواقفها القانونية، هو عملها مساعدة في مكتب قاضي المحكمة الدستورية العليا السابق أنتوني سكاليا، الذي يعد من أهم القضاة المحافظين على مدار التاريخ الأميركي، وذلك حتى وفاته في فبراير/شباط 2016.

ويرى كثير من المعلقين الديمقراطيين أن وجهات نظر باريت القانونية المحافظة وتقاربها من رئيسها السابق ومعلمها القاضي سكاليا، تثير مخاوف من أنها ستدفع المحكمة إلى اليمين أكثر، بطرق قد يصعب عكسها لسنوات أو حتى عقود، خاصة مع صغر سنها واحتمال شغلها المنصب طوال حياتها.

وخطط المحافظون الجمهوريون لهذا اليوم منذ وفاة سكاليا في فبراير/شباط 2016، عندما تحدى رئيس مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل رغبة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في تعيين قاض ليبرالي جديد، متحججا بأن عام 2016 عام انتخابات رئاسية. وعطل ماكونيل التصويت حتى تم انتخاب ترامب.

باريت خلال كلمة بُعيد إعلان ترشيحها أمس (الأوروبية)

وعيّن ترامب قاضيين بالفعل في المحكمة الدستورية العليا، أولهما نيل غورستش عام 2017، وثانيهما القاضي بريت كافانو عام 2018. وإذا تمت خطوات تثبيتها من قبل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، فإنها قد تشغل منصبها في المحكمة العليا لعقود.

قضية الإجهاض

ويرى خبراء أن اختيار باريت جاء على خلفية معتقداتها القوية تجاه قضية واحدة هي الإجهاض. ولسنوات، تتطلع النخبة المحافظة في الولايات المتحدة لوجود قاضية تؤمن بموقفهم المتشدد من هذه القضية المهمة لهم ولقواعدهم الانتخابية المتدينة.

وبحسب مراقبين، فإن القاضية باريت توفر فرصة لقيام امرأة بحرمان النساء من "ممارسة حق الإجهاض"، كما ترغب هذه التيارات التي يعتمد عليها ترامب لإعادة انتخابه.

وكتب راميش بونورو، رئيس التحرير في مجلة ناشيونال ريفير، الخبير في معهد أميركان أنتربرايز المحافظ، أن "السبب الرئيسي في تفضيل باريت، هو سبب واحد واضح: أنها امرأة.. إذا تم إلغاء قضية (رو ضد واد) -وهي قضية تاريخية منحت النساء حق الإجهاض عام 1973- كما آمل بالتأكيد أن يكون كذلك، لأنه قرار ظالم لا أساس له في الدستور، فمن الأفضل ألا يتم ذلك من قبل القضاة المحافظين الذكور فقط، مع وجود كل النساء في الجانب المعارض"، وذلك في إشارة إلى القاضيتين الليبراليتين في المحكمة العليا إيلينا كاغان وسونيا سوتومايور، وكلتاهما عينهما أوباما.

ويبدو أن باريت لن تخيب آمال المحافظين عندما يتعلق الأمر بالإجهاض، فقد قالت في عدة مناسبات إن الإجهاض "غير أخلاقي دائما"، وإن كانت قد قالت إن حكم قضية "رو ضد واد" يتيح إطارا يوفر "الإجهاض عند الطلب"، وتركت باريت الجميع ليدركوا طبيعة موقفها من قضية الإجهاض.

باريت أم لـ7 أبناء بينهم طفلان بالتبني من هايتي (الفرنسية)

ويدرك المحافظون اليمينيون المتشددون أن تثبيت باريت مؤكد في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، علما بأن المحافظين يثقون كثيرا في آرائها القانونية، وذلك لأنها جادلت بأنها لا تطبق القوانين العلمانية التي تتعارض مع معتقداتها الدينية.

7 أبناء

ولدى القاضية باريت 7 أولاد، منهم 5 أنجبتهم من صلبها، واثنان تبنتهم من عائلات في جمهورية هاييتي عقب زلزال عام 2010.

ويتميز الكثير من الكاثوليك الأميركيين بكثرة إنجاب الأطفال، لعدم اتفاق معتقداتهم الدينية مع استخدام وسائل منع الحمل أو حق الإجهاض.

ويتراوح عمر أبناء باريت بين 8 و19 عاما، ويعاني ابنها الأصغر البالغ 8 سنوات من مرض متلازمة داون.

وقد تسهل طبيعة عائلتها الكبيرة ومرض ابنها حججها للتضييق وتقييد حق الإجهاض، وهذا أكثر ما يقلق الكثير من النساء الأميركيات.

المصدر : الجزيرة