الوفاق الليبية في القاهرة.. ماذا عن حفتر والإمارات وتركيا؟

ما وراء الخبر- السراج يتهم مصر وفرنسا والإمارات بدعم حفتر
رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج (يمين) والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الجزيرة)

في تطور لافت، أثار وصول وفد من حكومة الوفاق الوطني الليبية -في زيارة غير معلنة مسبقا- إلى القاهرة تساؤلات بشأن احتمال تبدل الموقف المصري من الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، بعد سنوات العداء والانحياز للواء المتقاعد خليفة حفتر.

ووفق تقارير صحفية مصرية، التقى الوفد أمس الخميس مع مسؤولين مصريين في اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، في إطار بحث تفعيل الحل السياسي وتثبيت وقف إطلاق النار، فيما لم تصدر بيانات رسمية بشأن مخرجات اللقاء.

وضم الوفد، وفق المصدر السابق، ممثلين عن المنطقة الغربية الليبية من أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وعدد من قيادات غرفة بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق.

وثمة إشارة مهمة بشأن التحول المفاجئ لموقف القاهرة تجاه حكومة الوفاق تتمثل في أن استقبال الوفد الحكومي يأتي بعد أسابيع من توعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل عسكريا في ليبيا لدعم مليشيات حفتر، وإعلانه عن خط سرت الجفرة كخط أحمر لن تسمح القاهرة لقوات حكومة الوفاق بتجاوزه.

وكانت قوات الوفاق قد غيرت بدعم تركي موازين القوى لصالحها باستعادة السيطرة على الغرب بأكمله، بعد هجوم حفتر على العاصمة طرابلس في أبريل/نيسان 2019.

موازين القوى

ومع انتصارات حكومة الوفاق أبدت القاهرة -وفق مراقبين ومؤشرات عدة- انفتاحا على فكرة التخلي عن حفتر بالتزامن مع صعود حليفها الثاني رئيس مجلس نواب طبرق (شرق) عقيلة صالح، ممهدة لتقارب مع حكومة الوفاق بتفاهمات وترتيبات يجري إعدادها.

وزاد من وتيرة التهدئة في ليبيا عدم وقوع انتهاكات جسيمة منذ إعلان طرفي الأزمة أواخر أغسطس/آب الماضي وقف إطلاق النار بالتزامن مع حراك دبلوماسي، لتقريب وجهات النظر جرى خلال الأيام الماضية بالمغرب وخرجت منه نتائج مشجعة تثير التفاؤل بحل الأزمة.

وفي أكثر من مناسبة أكدت القاهرة التزامها بـ"مبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع الليبي"، غير أنها عادة ما اعتبرت قوات الوفاق "مليشيات إرهابية ولا مفاوضات معها"، مما وضعها أمام معادلات صعبة بعد انتكاسات حفتر وانتصارات الوفاق.

وذهب محللون سياسيون إلى أن التقارب المصري الأخير مع الوفاق قد يكون مؤشرا لإصلاح الأخطاء الإستراتيجية، مما يمهد لتفاهمات مصرية تركية تستثني الإمارات، وتزيح حفتر من المشهد.

التخلي عن حفتر

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية خيري عمر أن علاقة مصر مع حكومة الوفاق ترتبط بمحددات، بينها الاعتراف باتفاق الصخيرات (المبرم بالمغرب عام 2015)، وبالتالي الاعتراف بالوفاق كحكومة شرعية ممثلة للشعب الليبي.

والمحدد الآخر -بحسب عمر- يتمثل في إعادة القاهرة النظر في رهانها خلال السنوات الماضية على وصول حفتر إلى السلطة، بعد تعثر هجومه على طرابلس وصولا إلى مبادرتها "بيان القاهرة" في يونيو/حزيران الماضي والتي استبعدت حفتر من الحل السياسي في المرحلة المقبلة، وأن تشكيل حكومة موحدة يمكن أن يكون حلا للأزمة الليبية.

وبشأن موقف الإمارات من تواصل القاهرة والوفاق، أشار المحلل السياسي المصري إلى أنه لم تكن هناك ثمة علاقة تحالف حول حفتر، حيث كانت وجهة نظر مصر ترى أن الحرب على طرابلس غير مجدية، بخلاف وجهتي نظر أبو ظبي وباريس القائمة على أن الحرب ستنهي حكومة الوفاق وتؤمن وصول حفتر للسلطة، بحسب حديثه للجزيرة نت.

واتساقا مع الموقف المصري، قال عمر إن التحفظ السابق بشأن الحرب على طرابلس يسهل التواصل مع حكومة الوفاق بتشكيلها الحالي، خاصة في ظل المبادرات المغربية على تشكيل حكومة موحدة.

وذهب عمر إلى أن القاهرة تقترب من دور الوسيط في الملف الليبي، خصوصا أنه لا يمكن لأي دولة الانفراد بالملف دون شركاء آخرين، معتبرا أن التعامل السلمي أفضل بكثير لمصر للتواصل مع كافة الأطراف والمساعدة على التهدئة.

وأكد أن عدم تحمس القاهرة للحل عن طريق حفتر يهدئ عنفوان الحرب والنزاعات العنفية، كتأثير أولي يمكن أن يوقف أي محاولات للاشتباك والحشد، متوقعا أن يكون حفتر في مرحلته الأخيرة.

واستشهد بأن كل الحوارات السياسية في الآونة الأخيرة تستثني حفتر، بما في ذلك مبادرات حلحلة الأزمة.

ضغط دولي

وعلى مسافة قريبة من الطرح السابق، قال المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية طارق دياب إن مصر تحاول -مستغلة الضغط الدولي- دفع طرفي الأزمة للتهدئة والحل السياسي لإصلاح المسار الخطأ الذي سلكته بالانحياز إلى أحد الأطراف على حساب الآخر.

وفي حديث للجزيرة نت، شدد دياب على أن الحياد الإيجابي هو الحل الأمثل الذي يتناسب مع مكانة وحجم مصر كقوة إقليمية ودولة جارة لليبيا، بما يحقق متطلبات الأمن القومي بمفهومه الشامل، من حيث ضمان المصالح الاقتصادية متمثلة في الاستثمارات والعمالة والنفط وإعادة الإعمار والتبادل التجاري في الغرب كما الشرق، وليس في الشرق فقط كما هو حاصل الآن.

وإضافة إلى ما سبق -بحسب دياب- يمكّن الحياد المصري من القيام بدور إقليمي يتمثل في دور الوساطة وامتلاك ورقة ضغط كانت كفيلة بالحيلولة دون تدخل المزيد من الأطراف الإقليمية والدولية في منطقة عمق إستراتيجي لمصر.

ورغم تأكيده على أهمية التحول الإيجابي تجاه حكومة الوفاق فإن دياب أكد أنه "لا يمكن الجزم بأن الأمور باتت محسومة في اتجاه انتقال مصر لدور الوسيط في الأزمة".

وأوضح أن الخطوة الأخيرة (زيارة وفد الوفاق للقاهرة) تعد مجرد بداية تحتاج لمزيد من الخطوات الإيجابية وإجراءات الثقة التي يمكن من خلالها إقناع الوفاق بأن هناك نية جادة في تصحيح المسار السابق والدفع نحو حل سياسي حقيقي للأزمة.

الإمارات وتركيا

واستثنى دياب الإمارات من حلحلة الأزمة، مشيرا إلى أنه رغم قبولها بمبادرات وقف إطلاق النار فإن موقفها الحقيقي غير ذلك، فقد كانت مضطرة لتأييد -بضغط أميركي- الراعي لهذا الاتفاق.

وأوضح أن وقف إطلاق النار لا ينسجم مع الرؤية الإماراتية تجاه الأحداث في ليبيا وكل المنطقة، والمتمثلة في رفضها أي تهدئة مع تركيا من منظور معارك صفرية، إضافة إلى أن الاتفاق ينطوي على اعتراف دولي وإقليمي بالنفوذ التركي العسكري في ليبيا.

كما ذهب إلى أنه في حالة كتب للاتفاق الليبي الاستمرارية فقد يكون مدخلا لتهدئة التوتر في العلاقات المصرية التركية، والذي قد يشمل ملفات أخرى كشرق المتوسط.

وبينما تحاول الإمارات ضمان الدعم المصري لها في صراعها مع تركيا فإن الأخيرة تحاول تحييد مصر عن هذه الصراع قدر الإمكان، سواء لمدى قدرة القاهرة على تغيير موازين القوى في الإقليم، أو لحاجة أنقرة في التوافق مع مصر في شرق المتوسط، وفق دياب.

المصدر : الجزيرة