هيروشيما.. آخر أسرار القنبلة.. لماذا استبعدت طوكيو؟

هكذا بدت هيروشيما بعد قصفها بالقنبلة (رويترز)

أدى فتح وثائق الأرشيف الأميركي والياباني مؤخرًا إلى الكشف عن أسرار جديدة حول إسقاط القنبلة الذرية الأولى التي قتلت مئات الآلاف من الأشخاص بمدينة هيروشيما اليابانية قبل 75 عامًا.

وأجابت هذه الوثائق على بعض الأسئلة التي كانت تدور في أذهان الكثيرين من قبيل: لماذا استبعدت طوكيو ولماذا لم تفكر أميركا في استخدام هذا السلاح ضد الألمان؟ هذا ما أجاب عنه فينسان جوفير الكاتب بمجلة لوبس L’OBS الفرنسية بعد مطالعته لبعض هذه الوثائق قائلا:

في السادس من أغسطس/آب 1945 بعث الجنرال ليزلي غروفز ببرقية "سرية للغاية" إلى الرئيس الأميركي هاري ترومان وصف فيها ما أحدثته أول قنبلة ذرية في التاريخ، وذلك مباشرة بعد أن أشرف على تلك العملية بمدينة هيروشيما قائلا "في البداية تشكلت كرة نارية تحولت في غضون ثوان إلى سحب أرجوانية وألسنة لهب تصاعدت فيما يشبه الدوامة نحو السماء، قبل أن تختفي المدينة بأكملها تحت طبقة من الغبار الرمادي الداكن".

وأردف قائلا بفخر واعتزاز، في المنشور الذي رفعت عنه السرية الآن، إن العملية التي دمرت هيروشيما "نجاح بكل المقاييس".

وفي السادس من أغسطس/آب 1945 أيضًا، كتب الضابط الياباني المسؤول عن تقييم الضرر الناجم عن "ليتل بوي/الولد الصغير" (الاسم المشفر الذي أطلق على هذه القنبلة) تقريرًا إلى رؤسائه، كانت نبرته مختلفة تمامًا قائلا "تم إلقاء قنبلة من نوع خاص هذا الصباح على وسط مدينة هيروشيما بتشكيل من ثلاث أو أربع طائرات، كان الوميض الناتج عنها فوريًا وأدى إلى احتراق أجزاء الجسم المكشوفة للأشخاص حتى الموجودين على بعد ثلاثة كيلومترات.. والصدمة تفوق الخيال، حيث دمرت القنبلة كل منزل في المدينة تقريبًا، وحسب تقديراتنا هناك 100 ألف ضحية".

نقاش الأهداف

وتظهر وثائق الأرشيف أن الأميركيين لم يفكروا أبدا في ضرب ألمانيا بهذه القنبلة بل حددوا هدفهم منذ الخامس من مايو/أيار 1943 رغم أن مصنعهم لتخصيب اليورانيوم لم يكن آنذاك قد بدأ العمل، وذلك حسب وثيقة سرية للغاية، لأن الأميركيين كان لديهم تصور أن الألمان سيكونون أكثر قدرة من اليابانيين على الاستفادة المعرفية من هذه القنبلة في حالة عدم انفجارها.

وقد اقترح أحد الضباط الأميركيين السامين أن توجه الضربة الأولى لطوكيو لكن فكرته استبعدت ليس لدواع أخلاقية ولا سياسية وإنما لأنه "يجب استخدام القنبلة حيث يكون عمق المياه كافياً كي تتعذر استعادة القنبلة في حالة عدم انفجارها".

كما طرح آخرون إسقاطها على قصر الإمبراطور في طوكيو بسبب "قيمته الرمزية العالية" ولكن تم العدول عن ذلك لكون "أهميته الإستراتيجية منخفضة".

خمس مدن

وقد حدد المسؤولون الأميركيون في النهاية قائمة بخمس مدن يابانية تتصدرها كيوتو العاصمة القديمة ومركز البلد الثقافي، والمدينة التي فر إليها الكثير من اليابانيين بعد تدمير مدنهم، وعليه فإن تدميرها سيكون له "أقوى تأثير نفسي".

وجاءت هيروشيما في المرتبة الثانية لأنها "مستودع عسكري مهم وميناء صناعي" كما أن التلال المتاخمة لها من المحتمل أن يكون لها تأثير على تركيز الضربة، من شأنه أن يزيد بشكل كبير من الضرر الناجم عن الانفجار.

والمدن الأخرى هي يوكوهاما وكوكورا ونبيغلتا، غير أن الاختيار وقع في النهاية على هيروشيما، خصوصا بعد أن أبدى بعض القادة مخاوفهم من أن يؤدي استهداف كيوتو إلى تغير نظرة العالم للولايات المتحدة واعتبارها أكثر وحشية حتى من الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر.

الاستسلام

كما طرح العلماء المشاركون في بناء هذه القنبلة عدم استخدامها ضد اليابان، واقترح بعضهم إجراء تجربة لها أمام ممثلي الأمم المتحدة لإظهار مدى قوة أميركا ومدى إنسانيتها حيث تحجم عن استخدام هذا السلاح لقوة تدميره.

لكن القادة العسكريين والرئيس ترومان قرروا في النهاية المضي قدما في هذه العملية خصوصا أنهم يرون أنها ستمكن من إنقاذ عشرات آلاف الجنود الأميركيين في حالة استسلام اليابان، بل قدر ذكر ترومان في مذكراته أن استسلام اليابان أنقذ أرواح حوالي 250 ألف جندي أميركي.

ولم يقبل اليابانيون في البداية الاستسلام الكلي، وهو ما دفع ترومان لإعطاء أوامره بضرب مدينة كوكورا لكن القنبلة سقطت على مينة ناغازاكي الصغيرة فمسحتها من الخارطة، وأكد بعدها أن اليابان إذا لم تستسلم دون شرط وقيد فسيضرب طوكيو هذه المرة بالقنبلة النووية، الأمر الذي دفع إمبراطور اليابان إلى الإعلان عبر الإذاعة عن قبوله كل الشروط الأميركية.

المصدر : لونوفيل أوبسرفاتور